السؤال : إلى فضيلة الشيخ علي القره داغي حفظه الله ورعاه ونفع الله به وزاده الله بسطة في العلم، وأمده الله بالصحة والعافية وطول العمر، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, أما بعد فنص السؤال كالتالي: شخص لديه مال, فدخل في مشاركة -على حد تعبير هذا الشخص- مع أحد أبنائه فأعطاه مبلغا من المال ومحلا تجاريا وقال له: هذا هو المبلغ وهذا هو المحل، اشتغل بهذا المال؛ وأنا وأنت في المكسب بالنصف, ويبقى رأس المال لي, وقال له أيضا: لا تستدن من أحد ولا تدن أحدا، وذلك بحكم تجربته مع الدين ومماطلة الناس للدين، وقلة الورع والعلم بكتاب الله وسنة رسوله. وبعد فترة ن الزمن وتجارة الابن بمال الأب في التجارة لمدة سنين, قام الأب بجرد مع الابن فإذا به يجد العملية كارثة، وجد أن الابن كان يتعامل بالربا الصريح المحرم ووجد الخسائر, ووجد أموال دين للابن على بعض الناس, ووجد أيضاً أموالا للناس على ابنه؛ فقام هذا الرجل بتسديد جميع الديون التي على كاهل ابنه وهو مبلغ يقدر بمائة ألف دينار تقريباً من ماله الخاص, ثم إن هذا الرجل (الأب) الذي قام بتسديد الدين عن ابنه, علم بأنه توجد فتوى لبعض أهل العلم بأنه يجوز دفع مال الزكاة للابن الغارم لتسديد الدين عنه أي إذا كان الابن من صنف الغارمين, حتى إن بعض أهل العلم قال بالدفع للمبلغ مباشرة لصاحب الدين.
سؤال هذا الرجل هو: هل يجوز له أن يحتسب المبلغ الذي سدده عن ابنه الغارم من مدة سنتين تقريباً من زكاة ماله هذا العام, أي يخصم المبلغ الذي سدده عن ابنه وهو ثمانون ألف دينار من الزكاة التي سوف خرجها هذا العام أو جزء منها هذا العام والجزء الآخر العام المقبل فلا يعطيها باعتبارها عوضاً عن المبلغ الذي سدده عن ابنه منذ سنتين . فربما يقول قائل: إنه بالفعل سدد المبلغ الذي هو دين على ابنه الغارم لأصحاب الديون منذ سنتين بنية أنه من ماله وليس من مال الزكاة, والزكاة التي سوف يخرجها هي هذا العام وما مضى فقد مضى على النية التي أخرج بها, فنقول: إن هذا الرجل أمي ومن عوام المسلمين ومعرفته بعلوم الشريعة قليلة جداً للأسف، إن لم تكن معدومة, فعندما كثرت مطالبة الدائنين لابنه وله بالدين الذي لهم على ابنه فلم يكن له خيار إلا أن يدفع لهؤلاء الناس أموالهم, ويسد عن ابنه الغارم, فقام هذا الرجل بالسداد عن الابن الغارم؛ ليكف عنه مطالبة الناس له بالدين الذي هو على ابنه وهو مبلغ كبير وبذلك المبلغ نقص ماله ناهيك عن الخسارة التي تعرض لها, وبما أنه علم الآن بقول بعض أهل العلم بجواز دفع مال الزكاة للابن بصفته من صنف الغارمين فيريد أن يعمل بهذا القول ففي ذلك مصلحه له, ولو علم به من قبل لسد عن الابن بنية أنه من مال الزكاة، ولكنه علم الآن فيريد أن يخصم المبلغ الذي دفعه من قبل من زكاة هذا العام, أو على دفعات بين هذا العام والأعوام المقبلة فهل يا صاحب الفضيلة يجوز له أن يفعل ذلك؟. فإن أفتيتم بالجواز, فنقول لفضيلتكم: إن المستنتج مما ذكر آنفاً أن لأب دخل في عملية مضاربة مع ابنه فمن الأب رأس المال ومن الابن الجهد, فالذي حدث أن على الابن خسارة جهده وهو ما حدث له بالفعل, وعلى الأب خسارة المال, وأن المبلغ الذي سدده الأب عن الدين الذي على الابن هو من خسارة المال الذي يتحمله الأب صاحب رأس المال في هذه العملية, فهو دخل في هذه العملية, فإن كانت عملية مضاربه فهذه نتيجتها وعلى صاحب رأس المال أن يتحمل سئوليته في هذه العملية, حتى وإن فعل ابنه ما فعل دون علمه, فهذا لا يعفي الأب من تحمل خسارة المال بما في ذلك الدين الذي قام بتسديده, فهو الذي اختار الشخص الذي يضارب له في ماله بمحض إرادته وعليه تقع مسئولية ذلك, وعليه أن يتعلم من يختار ليضارب له في ماله ويأتمنه عليه, وبناءً عليه تقع عليه مسئولية خسارة المال بالكامل بما في ذلك الدين الذي فعه, والله أعلم.
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وصحبه ومن تبع هداه وبعد فهذا السؤال يدل على فقه دقيق للسائل، فبارك الله فيه، وذلك لأن المسألة هنا ليست مسألة دفع الزكاة عن الابن الغارم فحسب ، وإنما المسألة هي مسألة المضاربة أيضاً ، وبما أن الابن في هذه المسألة كما يظهر قد خالف شروط والده في المضاربة فإنه وحده هو الذي يتحمل الخسائر ، وبما أنه أصبح مديناً بديون ربوية وغير ربوية فهل يجوز دفع الزكاة لسداد هذه الديون ؟
الجواب : نعم يجوز إذا تحققت الشروط الآتية :الشرط الأول : أن يكون الابن غير قادر على أداء هذه الديون .
الشرط الثاني : توافر نية الزكاة عند السداد .
الشرط الثالث : أن يكون السداد للديون المشروعة ، أو بعد التوبة .
الشرط الرابع : أن يكون السداد من الزكاة بقدر المال الذي خسره الابن بسبب مخالفته للشروط ، أو بعبارة أخرى بمقدار المال الذي يتحمله الابن من الخسارة . أما الديون التي نتجت بسبب ظروف طارئة لم يكن للابن دور فيها ولم تحدث بسبب مخالفته لشروط والده ، فيتحملها رب المال ، وهو هنا والده ، وبالتالي فلا يجوز احتساب هذه الديون من الزكاة مطلقاً بالإجماع ، لأنه لا يجوز دفع الزكاة لسداد ديون المزكي نفسه . أما إذا فرضنا أن الابن لا يتحمل مسؤولية هذه الديون أو الخسائر لأنها نتجت دون تعد ، أو تقصير ، أو مخالفة للشروط . فصاحب المال وهو الأب يتحمل الخسائر التي تكبدها ابنه المقارض (المضارب) وبالتالي فهو يدفع الدين عن نفسه ولا يجيز أحد من الفقهاء أن يدفع الإنسان زكاته لدفع ديونه، فمن الشروط الأساسية لدفع الزكاة للغارمين ألا يكون الدين في معصية، وألا يكون المدين قادرا على دفع دينه، ومن هنا فلا يجوز أن يدفع الوالد من أموال الزكاة لهؤلاء الدائنين، حتى ولو بنية دفع الدين عن ابنه؛ لأنه هو الذي يتحمل المسؤولية في المضاربة فرب المال في الإقراض يتحمل الخسارة إلا إذا كانت الخسارة بسبب التعدي أو التقصير من المقارض، والمقارض يكفي أنه قد خسر جهده، دون تحقيق أي مكسب، هذا هو الحكم الذي يظهر لنا في هذه المسألة وعلى فرض أن الدين كان على الابن فقط، فما دفعه الوالد في السابق في أداء هذه الديون لا يجوز أبدا احتسابه من الزكاة، لأن الزكاة عبادة مالية، حتاج إلى النية عند الأداء أو قبل الأداء أما بعد الأداء فلا يتحول المدفوع بنية تخليص الابن إلى الزكاة، يجوز أن يحسب المدفوع من الزكاة، ولكن يخصم ويحسب ما دفعه ما يدفعه من الموجودات الزكوية أي لا يدفع عنها الزكاة والله أعلم الإثنين غرة جمادى الآخرة 1430 ه 25 مايو 2009 م – العدد 9 7648 فتاوى اقتصادية