واجبات
غير المسلمين الذين يعيشون في بلاد الاسلام :
فقد ذكرنا في السابق واجبات الدولة والمسلمين
تجاه غير المسلمين ( أهل الذمة ) فما هي واجبات غير المسلمين أمام حقوقهم السابقة
؟
إن
واجباتهم تكمن فيما يأتي :
أولاً
: أداء الواجبات المالية ( الجزية على الرأس ، والخراج على الأرض ، والعشور على
التجارة ) ، ويمكن تسميتها بالضرائب ، أو حتى بالزكاة ـ كما سبق ـ[1] .
سقوط
الجزية :
وهذه
الجزية يمكن أن تسقط في الحالات الآتية :
1- عدم قدرة الدولة على حمايتهم ـ كما سبق
ـ
2- مشاركتهم الفعلية في القتال والدفاع عن
الوطن ، يقول فضيلة العلامة القرضاوي : (وتسقط الجزية أيضاً باشتراك أهل الذمة مع
المسلمين في القتال والدفاع عن دار الإسلام ضد اعداء الإسلام ، وقد نص على ذلك
صراحة في بعض العهود والمواثيق التي أبرمت بين المسلمين وأهل الذمة في عهد عمر رضي
الله عنه[2]
حيث ذكر أن رسول أبي عبيدة صالح جماعة ” الجراجمة ” المسيحين أن يكونواً
أعواناً للمسلمين ، وعيوناً على عدوهم في مقابل أن لا تؤخذ منهم الجزية )[3].
واليوم يشارك المسيحيون في بلادنا بواجب الدفاع عن
وطنهم، وحينئذ تسقط عنهم الجزية على رأس هؤلاء
ثانياً
: الالتزام بالقوانين الإسلامية الصادرة في البلاد الإسلامية إلاّ ما استثنى منها
لهم فيما يتعلق بأحكام الأسرة ، والخمر والخنزير ـ كما سبق ـ .
وهذا المبدأ يسمى : اقليمية القانون ، وهو مطبق
في جميع العالم اليوم ، بل تعتبره الدولة الحديثة القوية من أركان السيادة والقوة
، لذلك لا تسمح بتطبيق قانون غير قانونها الوطني ، حتى في نطاق الأحوال الشخصية
والأسرة ، ولذلك تعاني الأقليات المسلمة في معظم البلاد غير الإسلامية معاناة
شديدة في مجال أحكام الأسرة ، حيث تطبق عليها قوانين البلد وهي ليست قوانين
الشريعة .
لكن الشريعة الإسلامية سمحت لغير المسلمين (
أهل الذمة ) باستثناء ما يتعلق بأمور الحلال والحرام ، والعبادات ، والأحوال
الشخصية ، بل إن جماعة من الفقهاء أجازوا لهم تطبيق جميع قوانينهم إن أردوا ذلك[4]
اعتماداً على قوله تعالى : ( …… فَإِن جَاؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ
أَعْرِضْ عَنْهُمْ )[5] فحمل
الشافعي آية التخيير على الموادعين أي مثل يهود المدينة الذين وادعهم الرسول صلى
الله عليه وسلم على غير جزية ، ولم يقروا بأن يجري عليهم الحكم كما تدل الآية 43
من السورة نفسها : (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ …..)[6] وكما تدل على ذلك أسباب نزولها ، واما الآية 49
فهي في أهل الذمة قال الشافعي : ( وليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين الذي
يجري الحكم إذا جاءوه في حد الله عزوجل بل عليه أن يقيمه وكذلك إذا أبى بعضهم على
بعض ما له حق عليه فأتى طالب الحق إلى الإمام يطلب حقه ، فحق لازم للإمام أن يحكم
له على من كان عليه حق منهم وإن لم يأته المطلوب راضياً بحكمه ، وكذلك إن أظهر
السخط لحكمه …. ولا يجوز أن تكون دار الإسلام دار مقام لمن يمتنع من الحكم في
حال …… فكان ظاهر (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ )[7] أن
يحكم بينهم ) ثمّ فرع الشافعي على هذه الآية أحكاماً فقال : (فإن جاءت امرأة تدّعي
بأنه طلقها … حكمت عليه حكمي على المسلمين … وتبطل بينهم البيوع التي تبطل بين
المسلمين … )[8] .