هذه المسألة خلافية، وللأمانة العلمية فإن جمهور الفقهاء لا يفرقون بين الذهب المصنوع{الحلي} وغيره في وجوب التماثل والتقابض في المجلس، فقد قال النووي في شرحه على صحيح مسلم (10 / 11): وقال العلماء: هذا أي حديث: "لا تبيعوا الذهب بالذهب" يتناول جميع أنواع الذهب…ا.ه.

ولكن يوجد رأي آخر لابن تيمية وابن القيم يجيزان بيع حلي الذهب بالذهب متفاضلاً ونسيئة (وكذلك حلي الفضة بالفضة)، حيث قال ابن تيمية في الاختيارات، ص 112:" ويجوز بيع المصنوع من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابل الصنعة؛ سواء كان البيع حالاً أو مؤجلاً، مالم يقصد كونها ثمناً.

وحاول ابن تيمية وابن القيم أن يردا على جميع أدلة الجمهور، وبخاصة حديث فضالة بن عبيد الأنصاريt، حيث يقول:" أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِخَيْبَرَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ وَهِيَ مِنْ الْمَغَانِمِ تُبَاعُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ"[1]، فقالا:

إن هذا الحديث فيه اضطراب، واختلاف، وكذلك قاما بتأويله، واعتمدا أيضاً على ما نقل عن معاوية t، حيث يرى جواز الزيادة لأجل الصنعة، وأن اعتراض بعض الصحابة عليه لأجل كون الذهب آنية للأكل والشرب، وهذا محرم مع قطع النظر عن المبادلة بزيادة أو بمثله[2].

والذي أراه ظاهراً في الجواب عن حديث فضالة، أن القلادة فيها خرز، وهو ليس من الذهب، ولا من الحلي الداخل في صناعات الذهب، بالإضافة إلى إمكانية فصله عن الذهب بسهولة، أما الصنعة الداخلة في الذهب من النقوش والصناعات التي تستغرق أعمالاً كثيرة، ووقتاً طويلاً فهي واجهة الذهب، ولا يمكن فصله، وأن لها قيمة منفصلة قد تزيد على قيمة الذهب، فلذلك فهي معتبرة.

ومما يمكن أن نستدل لهما به هو أن الصناعة المؤثرة أخرجت الذهب والفضة من وجوب المساواة والفورية في القبض، ويدل على ذلك رعاية مبدأ الأصالة والتبعية[3].

رأيي في الموضوع:

الذي يظهر لي رجحانه هو ما يأتي:

جواز بيع حليّ الذهب بحليّ الذهب، وكذلك حليّ الفضة بحليّ الفضة، دون مراعاة المثلية فقط مع وجوب مراعاة الفورية الحقيقية أو الحكمية، بالضوابط الآتية:

  1. أن تكون الصناعة مؤثرة في القيمة والرغبة، وليست مجرد عمل لا يزيد الذهب أو الفضة قيمة مضافة، وهنا نستفيد من الأحاديث الدالة على مبدأ الأصالة والتبعية، ومنها حديث" مَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ"[4]، حيث الحديث يدل على أنه لو بيع عبد، أو جارية وفي عنقها أو معها ذهب فلا تأثير لهذا الذهب مهما كان، لأن الشخص لم يشتر الجارية لأجل ذهبها، وإنما لمقاصد أخرى[5]، وموضوعنا قريب من هذا، فإن المرأة حينما تشتري حليّ الذهب إنما تشتريه لكونه حلياً ذهباً حتى تتزين به، ولذلك لو اشترت سبائك ذهبية أو دنانير أو دراهم فإن الحكم العام باقٍ، وه واشتراط الفورية والتماثل، وكذلك لو تم التبادل بين الحلي والسبيكة، فإن الحكم أيضاً يطبق عليه.
  2. أن يتم التبادل بين حلي الذهب والحلي الآخر في مجلس العقد، وهو القبض الحقيقي، ويكتفى فيه ـــ في نظري ــ القبض الحكمي الذي يتم بالقيد المصرفي، أو عن طريق بطاقات الفيزا التي لها رصيد، أو الشيك المصدق أو نحوه.

وبهذه الضوابط تخرج المسألة عن دائرة استغلالها للتحايل على الربا.

وبناءً على ذلك، فإن هذه الزيادة (المسؤول عنها في سؤالكم) بين الذهب الحلي القديم والحلي الجديد لا بأس بها شرعاً؛ لأنها في مقابل الصنعة وقيمتها المتغيرة، ما دام يتحقق القبض الحقيقي أو الحكمي ــ كما ذكر آنفاًــ.

هذا والله أعلم.

 


[1] – وراه مسلم في صحيحه برقم: 1591

[2] – يراجع: مجموع الفتاوى (29 / 453)

[3] – يراجع: كتابنا: حكم الاستثمار في الأسهم، طبعة. الدوحة)

[4] – رواه الترمذي في سننه برقم (1244) وأبو داود في سننه برقم (3433)

[5] – يراجع: كتابنا السابق: حكم الاستثمار، ص 47 وما بعدها