تحذير شديد للأمة الإسلامية:
بين الله تعالى في هذه القصة مجموعة من التحذيرات الشديدة لهذه الأمة المسلمة، ومن أهمها:
1 – التحذير الشديد من تزيين الجريمة، وتجميل وجه الظلم والطغيان، حتى ولو وجدت في الظاهر غايات جميلة، وأهداف نبيلة، فالظلم ظلمات، والقتل بغير حق مستوجب لغضب الله تعالى ولعنته وعذابه، وهكذا بقية الجرائم الثابتة بالنصوص الشرعية الثابتة.
إن ارتكاب الجريمة في حد ذاتها ظلم وعدوان واعتداء على حق الله تعالى، وحق العباد، ولكن إثم تزيينها أكبر، و تجميلها أشد وأبقى، ولذلك أجمعت الأمة الإسلامية على أن تحليل الحرام الثابت، أو تحريم الحلال، كفر وشرك وخروج عن الملة، في حين أن مرتكب الكبيرة عند أهل السنة والجماعة ليس بكافر، ولا مخلد في النار.
2- وكذلك التحذير الشديد من تقبيح المباحات وشيطنة المسلمين ، أو بعضهم، أو بعض جماعاتهم بأي حجة واهية، كما نرى اليوم التركيز على تحطيم القدوة والقيادة، وتحطيم الجماعات التي تدعو إلى الإسلام، وشيطنتها بأنها لا تبتغي إلا الوصول إلى الحكم، واتهامهم ببعض القضايا زوراً وبهتاناً.
ولذلك حذر النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ من اليوم الذي يأتي على الأمة، فيترك فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل أشد من ذلك يكون، إذ يؤمر فيه بالمنكر، وينهى عن المعروف، ويزين فيه المحرم، ويقبح فيه الحلال، حيث تدل على ذلك مجموعة من الآيات والأحاديث، منها الآيات والأحاديث التي حذرت من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو السكوت عنها، بل إن خيرية الأمة منوط بأداء هذه الوظيفة.
وقد وردت هذه التحذيرات بصورة واضحة في السنة والآثار، منها حديث أبي هريرة مرفوعاً:" يأتي على الناس زمان لا يأمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر" .
وفي رواية أبي أمامة الباهلي مرفوعاً:" وكيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً، والمنكر معروفاً" ، وحديث أبي بكر مرفوعاً:" إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه " ، و حديث حذيفة مرفوعاً:" والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم " .
إن تزيين الجريمة مفتاح كل الشرور، ودافع كل غرور، ورأس البلايا، والمصائب والخطايا، وهو مرجعية كل الغلاة، ومُتكأ كل الطغاة، ووسيلتهم المثلى لارتكاب جرائمهم، وذريعتهم لإقناع العامة، فهذا فرعون مصر قد فعل ما فعل من قتل الرجال، والظلم والطغيان تحت غطاء" الرشاد"، وغطاء" الحفاظ على دين قومه، حيث في تدبير قتله لموسى:( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) ، يقول الحافظ ابن كثير:" وهذا كما يقال في المثل: صار فرعون مُذَكِّراً، يعني واعظاً يشفق على الناس من موسى عليه السلام" .
يقول السيد:" وهل هناك أطرف من أن يقول فرعون الضال الوثني عن موسى رسول الله ـــ عليه السلام ـــ: ( إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ).
أليست هي بعينها كلمة كل طاغية مفسد عن كل داعية مصلح؟!
أليست هي بعينها كلمة الباطل الكالح في وجه الحق الجميل؟
أليست هي بعينها كلمة الخداع الخبيث لإثارة الخواطر في وجه الإيمان الهادئ؟
إنه منطق واحد، يتكرر كلما التقى الحق والباطل، والإيمان والكفر، والصلاح والطغيان على توالي الزمان، واختلاف المكان، والقصة قديمة مكررة تعرض بين الحين و الحين" ، وكان موقف موسى أمام هذا الطغيان، وتزيين البطال والطغيان، هو اللجوء إلى من بيده الأمر ، والركن الركين، والحصن الحصين، فقال: ( إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) ، فسلم أمره إلى القاهر فوق العباد، والقادر على حماية المستجيرين.
وهكذا الغلاة ممن نراهم اليوم يقتلون المسلمين وغيرهم رجالاً ونساءً وأطفالاً مبررين جرائمهم باسم الجهاد، أو دولة الإسلام، أو تحت رايات الآل، وثارات فاطمة ( رضي الله عنهم جميعاً )، فيبدؤون أولاً بتكفير المسلمين ليصلوا إلى تفجيرهم، والله المستعان.