التحذير الشديد للمؤمنين من أن يقعوا في مثل ما وقع فيه إخوة يوسف بحجة غاية موهومة. ومع الأسف الشديد، إن هذه المحاولات تتكرر في كل زمان ومكان، وحتى بين أصحاب الدعوات والأفكار الإسلامية وبخاصة المتشددة، والغلاة، فقد رأينا في السابق التنافس الشديد بين الجماعات الإسلامية، واليوم نجد عداوة هؤلاء الغلاة لبقية الجماعات المعتدلة أشد من عداوتهم للطغاة والفسقة والفجرة، بل إن بعضهم من المتطرفين التكفيرين ، يرون أن قتال المرتدين ــــ وهم في نظر هؤلاء جميع الجماعات الإسلامية الأخرى غير جماعتهم، ومن لم يكن على فكرهم ـــــ أفضل من قتال اليهود والنصارى، وبعضهم يدعو إلى قتال جماعة إسلامية لها تأريخها الجهادي ــــ ولا زال ــــ في فلسطين، ومقاومة المحتلين، وإلى تكفيرهم.
وهذا ما رأيناه ونراه في معظم البلاد الإسلامية، حتى رأينا أن المشروع الإسلامي يضرب بمن ينتسب إلى المشروع نفسه، تحت اسم آخر.
معظم هذه الجماعات تقول لأتباعها: اقتلوا الجماعة الثانية، أو اطرحوها، أو ألقوها في غيابات الجب، حتى تقوموا أنتم بتطبيق الإسلام الصحيح.
بل صدرت من بعض المفتين المفتونين فتاوى بقتل وحرق المسلمين المسالمين، وبجواز الانقلاب على السلطة الشرعية المنتخبة في بعض البلاد، وحرمتها في بلاد أخرى!! ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وهذه أكبر مصيبة إذ نجح أعداء الإسلام في إحداث هذه الفتنة الكبرى بين المنتمين للمشروع الإسلامي نفسه، فيضرب بعضهم ببعض باسم الإسلام، وبالقرآن والسنة المطهرة!!.
4-التحذير من الحكم على آخر، أو تقويمه في حالة غليان الحسد والحقد، حيث يجري الشيطان في عروقه وقلبه مجرى الدم، وحينئذٍ يختل تقدير الحاسد الحاقد للوقائع، وتتضخم في فكره أشياء صغيرة، وتمنع الحواجب عقله من التفكير بعواقب الأمور، فقد يهون عنده إزهاق روح، أو أي جريمة أخرى، لأي غاية تافهة، ويسهل على نفسه بقبول التوبة، فالقصة تدل على هذه الحقيقة في أظهر صورها.
5- إن الغاية مهما كانت نبيلة وشريفة فلا تبرر ارتكاب وسيلة محرمة وغير شريفة.
6-على الكيِّس الحكيم أن لا يعطي فرصة أو مبرراً للشيطان ( إنسياً أو جنياً ) للدخول في قلب الآخر للإضرار به، أو لتزيين المعاصي؛ لأن العدو ( الشيطان ) متربص بالإنسان.
7- إن يعقوب عليه السلام قد بشر يوسف بثلاث بشائر، وهي:
أ- إن الله تعالى يختاره للرسالة والنبوة.
ب- وأنه يعلمه من تأويل الأحاديث.
ت- وأنه يتم نعمته الدينية والدنيوية عليه وعلى آل يعقوب، وهي الملك والتمكين في الأرض، وكثرة الأولاد والأتباع، والتوسع في الأموال والجاه، والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة.
ولا يتعارض حزن يعقوب على ما حدث ليوسف مع هذه البشائر لأن ذلك من عوارض البشر وطبائعهم وفطرهم، ويؤكد على إيمان يعقوب بأن الله تعالى يحقق ليوسف هذه البشائر أنه كان مطمئن القلب بأنه حيٌّ وأنه يعود إليه، ولذلك قال بعد المأساة الثانية ـــ إبقاء أخي يوسف بمصرـــ (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ).