الثامن عشر: مخاطر الغيرة والحسد والحقد:
إن في هذه القصة عبراً وعظات لأصحاب الغيرة المحرمة، والحسد والحقد من الجوانب الآتية:
1- إن الحقد والحسد، والغيرة لحظوظ النفس من الكبائر التي حرمها الله تعالى، ووضع عليها عقوبات في الدنيا والآخرة، بل إن الحسد هو الذي دفع أحد ابني آدم لقتل أخيه، فقال تعالى: ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ* إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ* فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ* فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)
2- أن الحقد والحسد، والغيرة لن يغير من قدر الله شيئاً، وأن ما قدره الله تعالى هو الذي يقع بعد ترتيب الأسباب، وحسب سنن الله تعالى التي لن تجد لها تبديلاً، ولا تحويلاً، بل إن حسد الحاسدين، وحقد الحاقدين قد يحوله الله تعالى إلى خير وبركة للمحسود، كما نشاهده في قصة سيدنا يوسف ـــ عليه السلام ـــ، يقول أبو تمام:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
لولا انتشار النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود
لذلك فالحاسد لو كان عاقلاً لما تصرف أي تصرف وفقاً لحسده وغيرته.
3- إن المحسود الذي تحسده قد ينفعك في الدنيا، كما حدث في هذه السورة، حيث إن فعل إخوة يوسف الذي فعلوا معه ما فعلوا، سامحهم، وأكرمهم، وجاء بهم من البدو إلى الحضر.
فهذه الجوانب الثلاثة دوافع مؤثرة في منع الحاسد من حسده، بالإضافة إلى العقيدة القوية التي تغرس في النفوس حب الآخرين، وتوجب عليه أن يحب لهم ما يحبه لنفسه، وإلى دور التربية الدينية والقدوة في منع الحسد والحقد والغيرة.
التاسع عشر: مشهد المفاوضة لاصطحاب يوسف:
فقال تعالى: ( قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ)
يستنبط منها ما يأتي:
1- أن الإخوة لم يكونوا متفقين على قتل يوسف، بل اقترح أحدهم حلاً يشفي غليل الإخوة، ويبعد مسألة القتل الذي هو أعظم الجرائم بعد الشرك بالله تعالى.
2- لم يحدد الشخص القائل لعدة حكم، منها:
• بيان اختلاف الإخوة في النقل.
• إن هذه الكلمة ( قائل منهم ) تشمل واحداً غير متعين منهم، وبالتالي حفظ مقامهم جميعاً، حيث لا يجوز لنا تخصيص واحد منهم بعينه بنية القتل، ووصفه بأنه مجرم بعينه.
فهذا إرشاد من الله تعالى إلينا بالاستفادة من القصة بأخذ العبر، دون الخوض في اتهام أحد بعينه، أو كرهه، ولا سيما أنهم جميعاً تابوا إلى الله تعالى، وغفر لهم والدهم، وأخوهم يوسف.
• إن هذه الآية تدل على وجوب درء المفاسد بقدر الإمكان، وأن من كان قادراً على درء أي مقدار من المفاسد فعليه أن يفعله، حيث إن هذا القائل لم يكن مرتاحاً للإجراءات السابقة، حتى في هذا الإجراء، فقال: ( إن كنتم فاعلين )، فاستعمل لفظ " إن " الدال على التشكيك والتثبيط، وفي هذا توجيه إليهم بعدم الفعل، ولكنهم كانوا مصرين على ذلك.
• اقترح هذا القائل عليهم حلاً كاملاً يحقق غرضهم دون القتل، وهو إبعاد يوسف عن أبيه يعقوب ـــ عليهما السلام ـــ حيث إن إلقاءه في غيابت الجب يؤدي إلى أن يلتقطه بعض المارة، فيأخذونه إلى بلادهم، أو بلاد أخرى ليبيعوه.