المقدمة

غير مصنف
0

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

  الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين …..وبعد

  فمما لا ريب فيه أن جمع الأديان السماوية الحقة تدعو إلى الخير ، والتعاون غير أن الإسلام قد أعطى عناية كبرى للتعاون والتناصر على الحق والخير ، والعدل ، وحسنتي الدنيا والآخرة ، حيث ينادى كل مؤمن إلى : (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الاثم والعدوان )[1] .

   ولم يكتف الإسلام بمجرد الدعوة إلى التعاون والتكافل ، بل شرع لأجل تحقيقه مجموعة من الأحكام ، فجعل الصدقات المفروضة ركناً من أركان الإسلام ، وفرض النفقات ، والكفارات ، والحقوق والالتزامات التي لو طبقت لتحقق التكافل الحقيقي ، وأصبح كل فرد يعيش في ظل دولة الإسلام في أمن وأمان ورفاهية وعيش كريم ، إضافة إلى واجبات الدولة المسلمة نحو كل من يعيش في ظلالها .

   ولكن الإسلام له منهجه في تقرير الأشياء على ضوء رؤيته لمسيرة الفرد والمجتمع بما يحقق المصالح الحقيقية لهما ، ويدرأ عنهما المضار والخبائث والمفاسد ، لذلك يضع الضوابط والقيود التي قد تتعارض في الظاهر مع المصالح الموهومة لكنها عند التحقيق وفي المآل ستنكشف الخفايا ، ويتبين للجميع أن ما قرره الإسلام هو الخير ، والمصلحة ، والحق ، قال تعالى : (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد)[2] . 

 ومن هنا : إذا نظرنا إلى التأمين كفكرة لتحقيق التعاون ، ودفع شرور العوز والحاجة والعجز ، ولتفتيت المخاطر بين جماعة فإن هذه الفكرة مقبولة شرعاً ، بل مطلوبة .

   لكننا لو نظرنا إليه من حيث عقوده وصوره العملية الحالية في الفكر الرأسمالي الذي لا يبحث إلاّ عن تحقيق الربح بأية وسيلة ممكنة دون نظر إلى الحلال والحرام ، بل ولا إلى القيم والمثل العليا لوجدنا أن الغاية القصوى منها هي الاسترباح وتحقيق المكاسب ولو كان على حساب الآخرين أو مخالفة لأحكام الشرع .

 ولذلك على المفكرين والفقهاء وأصحاب المال الإسلاميين أن يبحثوا ـ وقد بحثوا ـ هذا الموضوع من جانبين :

الجانب الأول :

استيعاب عقود التأمين ، ثم تبيان ما لا يتفق منها مع المبادئ الإسلامية ، والخوض فيها بعمق مع ملاحظة كل الظروف والملابسات التي تحيط بها ، لأن الحكم على شيء فرع من تصوره .

الجانب الثاني :

إن مبدأ التعاون ما دام مشروعاً ، ومطلوباً في شريعتنا الغراء ، علينا جميعاً أن نصيغه صياغة إسلامية ، وان نضعه في إطار عقود ونظم تحقق هذا الغرض المنشود على أكمل وجه ، لأن هذه الشريعة ما تركت مصلحة حقيقية إلاّ وأقرها ، ولا مفسدة إلاّ وحظرها فهي مصلحة كلها ، عدل كلها ، رحمة كلها ، كما أنها لم تترك شيئاً محرماً دون بديل نافع صالح .

 * ومن الجدير بالتنويه به أن الفكر الاقتصادي الإسلامي قد خطا خطوات عملية جادة نحو التطبيق الشامل للاقتصاد الإسلامي ، فقد طبقت فكرة البنوك الإسلامية بنجاح ، ونريد لها مزيداً من التطوير.

 وبدأ كذلك تطبيق التأمين الإسلامي وإعادة التأمين في كثير من مجالاته حتى بلغ عدد شركات التأمين الإسلامية إلى العشرات والحمد لله .

 ونحن هنا نتحدث عن التعريف بالتأمين التجاري ، والتأمين التعاوني ، والتأمين الإسلامي ، وأحكامها ، وبيان الفروق الجوهرية بين التأمين الإسلامي والتأمين التجاري ، والأسس الشرعية للتأمين الإسلامي ، وكيفية إنشائه ، والتطبيق العملي للتكافل .

    هذا وقد بذلنا في هذا البحث ما في وسعنا للوصول إلى عقود وصور عملية التأمين الإسلامي الشامل وحالات الضعف للتأمين على الأشياء أو التأمين في حالات الموت ، أو العجز الكلي أو نحو ذلك (البديل عن التأمين على الحياة) .

 ونركز في البداية على بيان تصور دقيق للتأمين التجاري كما هو الحال في القانون المدني ، حتى نصل من خلال التصور الشامل إلى الحكم الشرعي الدقيق (الحكم على الشيء فرعى من تصوره) وإلى وضوح الرؤية في التفرقة الحقيقية بينه وبين التأمين الإسلامي ، ولذلك نتطرق إلى أركان التأمين التجاري وأسسه الفنية ، وخصائصه ، ثم ننتقل إلى التأمين الإسلامي وأركانه وخصائصه ، ومبادئه وأسسه الفنية ، والتكييف الفقهي لعقد التامين ، ولزومه ، ولمسألة الفائض ونحوها ، ولتطبيقاته العملية في مجال التأمين من الأضرار أو التأمين على الأشخاص (التأمين التكافلي) مع التركيز على التأصيل الفقهي لكل مسألة بقدر الامكان . 

 وفي الختام أتضرع إلى الله تعالى أن يكسو عملي هذا ثوب الاخلاص ويجعله سبباً لخلاصي ، ويجمله بحلة القبول ، فهو سبحانه خير مسؤول وأكرم مأمول ، وانه مولاي وحسبي فنعم المولى ونعم الوكيل .

                                                                                       كتبه الفقير إلى ربه      

علي محيي الدين القره داغي

الدوحة 1 ربيع الأول 1424هـ


 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1.  سورة المائدة / الآية (2)

  2.  سورة فصلت / الآية (53)

اعلى الصفحة