من المؤكد أن العالم اليوم أصبح بمثابة قرية واحدة تتأثر أطرافها بكل ما يحدث لها من مصائب وكوارث وحروب، ولذلك تدعى الدول الكبرى أن أمنها لا يتحقق بحماية الداخل بل بحماية الخارج .
فإذا كان ذلك حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها فكيف بأمن عالمنا الإسلامي ، وعالمنا العربي ، وعالمنا الإقليمي ؟!!
ولا أحد يستطيع أن ينكر أن الفتن والشرور والمصائب فتحت على أمتنا الإسلامية والعربية لعدة أسباب، منها احتلال الكويت من قبل النظام العراقي ، ومنها ترك العراق من قبل القادة العرب للاحتلال الأمريكي بسهولة، وكذلك ترك العراق بعد الاحتلال دون أن يكون للدول العربية والإسلامية أي دور في تقرير مصيره، والمساعدة من خروجه من أزماته الكبرى، وحمايته من الأطماع الدولية والإقليمية ، والقيم بمصالحة شاملة لمكوناته.
ولما لم يكن للجامعة العربية ، ومنظمة التعاون الإسلامي أي دور سياسي أو اقتصادي ، أو اجتماعي في العراق، تفرّد المحتل ومن عاونه باتخاذ القرارات (مثل تفكيك الجيش العراقي والمحاصصة الطائفية ونحوها) ، وهي مقصودة، وأنها في نظر المحللين كانت هدفاً لتوصيل العراق إلى الفوضى الخلاقة (الهدامة) .
وذلك لأن العراق بدون إحداث فوضى هدامة كان من الصعب تفكيكه، وإثاره هذه النعرات الهدامة حيث كان متماسكاً طوال عصوره ، فلم تكن هناك كراهية بين مكوناته (السني والشيعي ، والكوردي والعربي) على الرغم من وجود مشاكل سياسية وظلم سياسي في ظل النظام السابق ، ولكنه كان متحضراً يتجاوز ذلك بحضارته وقيمه.
وتحقق الهدف المنشود من الاحتلال بإيجاد فوضى هدامة ، وطائفية بغيضة عمياء قتلت ولا زالت تقتل دون أي رعاية للدين ، والقيم والأخلاق ، والإنسانية، والعرق والنسب والقومية والقبلية ، فلم يشهد التأريخ قتلاً لا أخلاقياً بهذه الصورة التي نشاهدها في العراق إلاّ في ظل المغول والتتر ، عند احتلالهم لبغداد فعاثوا فيها قتلاً واغتصاباً وفساداً ، وإلاّ في ظل نظام بشار الأسد الذي يتعامل مع الشعب السوري الأصيل بالطريقة التي يشاهدها العالم والتي فاقت بكثير طرق الصهاينة والنازيين.
وزاد الطين بلة واكتمل دور الفوضى الهدامة بما فعلته (داعش) حينما احتلت المناطق السنية فقتلت ودمرت وعاثت فيها فساداً ، ثم جاء الحشد الطائفي ليكمل دوره في القتل والتدمير للبيوت والمساجد ، والتهجير القسري ، فبلغ عدد المهجرين والنازحين حوالي ثلاثة ملايين ، منهم حوالي مليونين في داخل إقليم كوردستان العراق وأطرافه.
والغريب أن معظم الجمعيات والمؤسسات الاغاثية العربية تركت أهل العراق الكرام النازحين ليتضوروا جوعاً دون رعاية تذكر.
وقصدي من ذلك كله أن العراق (بلد الحضارة وحصن الأمة) تركته الدول العربية والإسلامية فلم تهتم به منذ الاحتلال ، ولم يكن لها دور في حماية الشعب العراق من الأطماع الخارجية ، ومن عمليات القتل والتهجير ، والاقصاء ، والاجتثاث لطائفة معينة ، وإنما ترك الأمر والدور لأمريكا وإيران – كما نشاهد-
واليوم نشاهد أن بعض البلاد تحتاج إلى رعاية وعناية سياسية واقتصادية قصوى مثل الأردن، وليبيا، وتنوس ، وجزر القمر ، والصومال، وجيبوتي ونحوها، حيث إذا تركت ستضطر إلى الاستعانة ببعض الدول التي لها أطماعها السياسية أو المذهبية .
وأرى أن على رأس هذه الدول العربية المملكة الأردنية الهاشمية التي تحتاج إلى دعم اقتصادي شامل بسبب الأعباء والظروف التي تمر بها .
فالأردن لها مكانتها العظيمة أيضاً في تأريخنا الإسلامي فهي من الشام الشريف الذي تشمله كل الآيات والأحاديث الدالة على بركاته وخيراته ، ووردت بعض الأحاديث التي تدل على أن الأردن سيظل أرض الرباط والدفاع عن مقدسات الأمة ، (وأن جيش المسلمين وهم في شرقي نهر الأردن يقاتلون عدوهم الدجال، وهم غربيه) ، قال الهيثمي (7/352) : هذا الحديث رواه البزاز ، ورجاله ثقات ، كما أنه وردت أحاديث صحيحة تدل على أن عيسى بن مريم عليهما السلام : ( يقتل الدجال هناك غرب الأردن) ، يراجع فتاوى نور على الدرب لابن باز رحمه الله (4/290) .
وأثناء الفتوحات الإسلامية كان للقبائل العربية (التي كانت موجودة ، والتي جاءت من الجزيرة فسكنت في الأردن) دور عظيم في ترسيخ الإسلام ، وظلت الأردن على مرّ تأريخها مستهدفة للهجمات الصليبية ، ثم الصهيونية ، وشاركت بأولادها وفلذات كبدها وأموالها في قضايا أمتنا ، وتحملت العبء الأكبر من تهجير الفلسطينيين أو نزوحهم خلال القرن العشرين كله، وبخاصة بعد عام 1947م وعام 1967م ، وكذلك بعد اختلال العراق للكويت ، وهكذا .
وفي هذا القرن (الواحد والعشرين) أيضاً تحملت الأردن الكثير ، حيث وقعت المشاكل والمصائب في العراق فهجر إليها مئات الآلاف بل وصل عدد العراقيين إلى ما يقرب من مليون ، وكذلك في الأزمات الأخيرة وبخاصة في سوريا حيث تدفق عدد كبير من اللاجئين والنازحين والمهجرين إليها .
والأردن معروفة أن مواردها الاقتصادية ليست كبيرة ، ولديها حاجة ملحة إلى البترول ومشتقاته ، وعليها أعباء كبيرة ، لذلك فواجب الدول العربية وبخاصة الدول الخليجية ان تقف بجانب الأردن من خلال ثلاثة محاور رئيسية وأساسية ، هي :
المحور الأول: وهو المحور الاقتصادي وذلك بتوفير الاحتياجات الاقتصادية على شكل هبات ، أو قروض بدون فوائد، او من خلال القيام بتوفير الاحتياجات البترولية والغذائية ونحوهما ، والقيام بالمشاريع الاستثمارية والصناعية والتقنية لتوفير أكبر قدر ممكن من الوظائف ، ولتحقيق التنمية الشاملة، بالإضافة إلى المساهمة الفعالة في حل مشكلة اللاجئين .
المحور الثاني : السعي الأخوي الجاد لحل الصراعات السياسية الداخلية بين الحكومة، والأحزاب والجماعات السياسية بما يحقق الخير والعدالة والاستقرار لجميع الفرقاء .
المحور الثالث: القيام بخطوات عملية مشرفة لإدماج الأردن في مجلس التعاون الخليجي، سياسياً واقتصادياً ، واجتماعياً .
وكلي أمل ورجاء أن لا تنتظر الدول العربية إلى حين وقوع الكوارث والمصائب ، بل تتسابق إلى الوقاية منها، والتخطيط لمنعها بكل الوسائل والامكانيات المتاحة ، وأنا لا أشك في أنه لو اقامت الدول العربية بواجبها في العراق وكان لها وجود سياسي واقتصادي قوي منذ الاحتلال إلى الآن لما حدث للعراق ما حدث حسب سنن الله تعالى ، ومن باب ربط الأسباب بالمسببات .
والله المستعان