والتخارج لغة مصدر تخارج ، والتخارج تفاعل من الخروج ، فيقال تخارج الشركاء أي تمّ بينهم التخارج ، كأنه يخرج كل واحد من شركته عن ملكه إلى صاحبه بالبيع ، وتخارج القوم إذا خرج كل واحد منهم نفقة على قدر نفقة صاحبه ، وهو التناهد [1]،وفي حديث ابن عباس أنه قال : ( يتخارج الشريكان وأهل الميراث ) [2]، قال أبو عبيد في تفسير رأي ابن عباس : ( يقول إذا كان المتاع بين ورثة لم يقتسموه ، أو بين الشركاء وهو في يد بعضهم دون بعض فلا بأس أن يتبايعوه وإن لم يعرف كل واحد نصيبه بعينه ولم يقبضه البائع ، قال : ولو أراد رجل أجنبي أن يشتري نصيب بعضهم لم يجز حتى يقبضه البائع قبل ذلك ) [3].


  فعلى ضوء تفسير أبي عبيد هذا فالتخارج هو نوع من التبايع بين الشركاء والورثة يتسامح فيه عن الجهالة وعن عدم القبض في حين لا يتسامح بمثل هذا في البيع فيما بين غيرهم .


وهناك تفسير آخر وهو ما رواه عبدالرزاق الصنعاني بسنده عن ابن عباس حيث قال : ( لا بأس بأن يتخارج القوم في الشركة تكون بينهم ، فيأخذ بعضهم من الذهب الذي بينهم ، يأخذ هذا عشرة نقداً ، ويأخذ هذا عشرين ديناراً )[4]


 وهذا التفسير يدل على أن التخارج غير البيع ، وإنما هو تصالح يغتفر فيه عن الزيادة والنقصان ولا تطبق عليه قواعد الصرف ، بل ورد في رواية الزهري بسنده عنه بلفظ ( فيأخذ هذا عشرة دنانير نقداً ويأخذ هذا عشرة دنانير ديناً )[5] ، وهذا نص في عدم التماثل ، وعدم التقابض ، مما يدل على أن التخارج بين الشركاء والورثة يتسامح فيه ذلك ، وهذا يؤكد أن للاجتماع والاختلاط أثراً لا يوجد في حالة الانفراد ، كما أنه يتسامح في غير البيع من التخارج والتصالح ما لا يتسامح فيه .


 وهناك رواية أخرى عن الثوري بسنده عن ابن عباس أنه قال : ( لا بأس أن يتخارج الشريكان فيأخذ هذا ديناً ، وهذا عيناً ، فإن توى لأحدهما لم يرجع على صاحبه )[6] .


 وقال عبدالرحمن بن مهدي : ( التخارج أن يأخذ بعضهم الدار وبعضهم الأرض ، قال شمر : قلت لأحمد : سئل سفيان عن أخوين ورثا صكاً من أبيهما فذهبا إلى الذي عليه الحق فتقاضاه ، فقال : عندي طعام ، فاشتريا مني طعاماً بما لكما عليَّ ، فقال أحد الأخوين : أنا أخذ نصيبي طعاماً وقال الآخر : لا آخذ إلاّ الدراهم فأخذ أحدهما منه عشرة أقفزة بخمسين درهماً نصيبه ، قال جائز ، ويتقاضاه الآخر ، فإن توى ما على الغريم رجع الأخ على أخيه بنصف الدراهم التي أخذ ، ولا يرجع بالطعام ، قال أحمد : لا يرجع عليه بشيء إذا كان قد رضي به ، والله أعلم )[7] .


 وأما التخارج في الاصطلاح الفقهي فخصصته  الموسوعة بالإرث حيث قالت : ( هو أن يصطلح الورثة على إخراج بعضهم بشيء معلوم )[8] ، ولا دليل على هذا التخصيص لا في اللغة ولا في الفقه ، أما اللغة فقد رأينا أن لفظ التخارج يطلق على التصالح فيما بين الورثة ، أو بين الشركاء سواء كانت الشركة في ملك أو عقد .


 وأما الفقه فقد رأينا أن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) قد استعمله في التخارج بين الشريكين إضافة إلى الورثة ، كما استعمله الحسن ، والثوري ، ومعمر ، وإبراهيم النخعي وعطاء ، وابن سيرين [9].


  وعلى ضوء ذلك فالتخارج هو خروج أحد المشتركين ، أو أكثرـ سواء كان شركة ملك أو عقد ـ عن حقه بمال بالتراضي بينهما .


  وهذا التعريف يشمل الورثة الذين هم مشتركون في الإرث شركة ملك ، كما يشمل الشركاء الآخرين سواء كانت الشركة شركة عنان ، أو مفاوضة ، أو مضاربة ، أو أبدان ، أو وجوه ، أو نحو ذلك ، كما يشمل أصحاب الأسهم والمشاركين في الصناديق الاستثمارية عن طريق الوحدات الاستثمارية ، وكذلك أصحاب الصكوك المشروعة .


 


التكييف الفقهي للتخارج وحكمه الشرعي :


  التخارج نوع من الصلح ، أو بعبارة أدق فهو أخص منه لأن التخارج خاص بالتخارج بين الشركاء والورثة في الأموال في حين أن الصلح أعم من ذلك ، ولذلك فجميع الأدلة الدالة من الكتاب والسنة على مشروعية الصلح تدل على مشروعية التخارج ، ولذلك ترجم البخاري في كتاب الصلح : باب الصلح بين الغرماء وأصحاب الميراث والمجازفة في ذلك ، وقال ابن عباس : ( لا بأس أن يتخارج الشريكان فيأخذ هذا ديناً ، وهذا عيناً ، فإن توى لأحدهما لم يرجع على صاحبه ) ثم روى بسنده حديث جابر بن عبدالله في أداء ديون أبيه [10]، وقد شرح الحافظ ابن حجر لفظ ” والمجازفة في ذلك ” فقال : ( أي عند المعاوضة … ، ومراده أن المجازفة في الاعتياض عن الدين جائزة وإن كانت من جنس حقه وأقل ، وأنه لا يتناوله النهي ، إذ لا مقابلة من الطرفين )[11] ، وقوله ” توى ” بفتح التاء وكسر الواو أي هلك ، والمراد أن يفلس من عليه الدين ، أو يموت ، أو يجحد فيحلف حيث لا بينة ففي كل ذلك لا رجوع لمن رضي بالدين[12] .


  ثم ذكر البخاري باب الصلح بالدين والعين ، فروى بسنده عن كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حَدْرَد ديناً كان عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فخرج رسول صلى الله عليه وسلم إليهما حتى كشف سجْف حجرته فنادى : كعب بن مالك  ، فقال : يا كعب ، فقال : لبيك يا رسول ، فأشار بيده أن ضع الشطر ، فقال كعب : قد فعلت يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم فاقضه )[13].    


 والحديث يدل على التصالح بين الدائنين ، وبأن يتخارج المدين عن دينه بأداء النصَف ، وتنازل الدائن عن نصفه الآخر ، قال ابن بطال : ( اتفق العلماء على أنه إن صالح غريمه عن دراهم بدراهم أقل منها جاز إذا حلّ الأجل )[14].


  قال الحافظ ابن حجر : ( والحديث يدل على جواز سؤال المدين الحطيطة من صاحب الدين  ـ خلافاً لمن كرهه من المالكية ـ واعتلَّ بما فيه من تحمل المـنّة ، وقال القرطبي : لعل من أطلق كراهته أراد أنه خلاف الأولى ، وفيه هبة المجهول )[15] .


  ومما هو مرتبط بهذا الموضوع مسألة ” ضع وتعجل ” أي أن الدائن يقول لمدينه : احسم جزءاً من الدين ، ولكن تعجل بأداء الدين ، أو يقول المدين للدائن : احسم 10% من دينك وأتعجل لك الباقي ، فيوافق الطرف الآخر ، وقد أجازه مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته السابعة مسألة ” ضع وتعجل ” إذا لم تكن مشروطة قال العلامة ابن السبكي : ( إن جرى بشرط بطل ، وإن لم يشترط بل عجل بغير شرط وأبرأ الآخر وطابت بذلك نفس كل منهما فهو جائز وهذا مذهبنا ، وقد رويت آثار في الإباحة والتحريم يمكن تنـزيلها على ما ذكرناه من التفصيل )[16] . أي الفرق بين المشروط وغيره .


جواز المجازفة في الربويات وفاءً لا ابتداءً :       


  ترجم البخاري ” باب إذا قاصَّ ، أو جازفه في الدين تمراً بتمر أو غيره ” ثم روى بسنده عن جابر بن عبدالله : ( أن أباه قد توفي وترك عليه ثلاثين وسقاً لرجل من اليهود فاستنظره جابر فأبى ، فكلّم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له إليه ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلّم اليهودي ليأخذ تمر نخله بالتي له فأبى … ثم قال لجابر: جُدَّ له ، فأوف له الذي له … )[17].


 قال المهلب : ( لا يجوز عند أحد من العلماء أن يأخذ من له دين تمر من غريمه تمراً مجازفة بدينه لما فيه من الجهل والغرر ، وإنما يجوز أن يأخذ مجازفة في حقه أقل من دينه إذا علم الآخذ ذلك ورضي) ، قال الحافظ بن حجر معلقاً على هذا الشرح : ( وكأنه أراد بذلك الاعتراض على ترجمة البخاري ، ومراد البخاري ما أثبته المعترض ، لا ما نفاه ، وغرضه بيان أنه يغتفر في القضاء من المعاوضة ما لا يغتفر ابتداءً ، لأن بيع الرطب بالتمر لا يجوز في غير العرايا ، ويجوز في المعاوضة عند الوفاء ، وذلك بيِّنٌ في حديث الباب ، فإنه صلى الله عليه وسلم سأل الغريم أن يأخذ تمر الحائط وهو مجهول القدر في الأوساق التي هي له وهي معلومة ، وكان تمر الحائط دون الذي له كما وقع في التصريح بذلك في كتاب الصلح من وجه آخر ، وفيه : ( فأبوا ولم يروا أن فيه وفاء ….  وقال ابن المنير : ( بيع المعلوم بالمجهول مزابنة  فإن كان تمراً نحوه  فمزابنة وربا ، لكن اغتفر ذلك في الوفاء ، لأن التفاوت متحقق في العرف فيخرج عن كونه مزابنة )[18] .


  وإضافة إلى هذه الأدلة فيمكن أن يستأنس للتخارج أيضاً ما روي أن عبدالرحمن بن عوف طلق زوجته تماضر بنت الأصبغ الكلبية في مرض موته ، ثم مات وهي في العدة فورثها عثمان مع ثلاث نسوة أُخر ، فصالحوها عن ربع ثمنها على ثلاثة وثلاثين ألفاً … )[19] .


  وتلك الأدلة السابقة تدل بوضوح على أن الصلح أو التخارج يتسامح فيه وبما لا يتسامح في البيع العادي ، كما أنه يغتفر في الوفاء ما لا يغتفر في الابتداء ، فقد رأينا أن هذه الأدلة دلت بوضوح على ما يأتي :      


1. جواز الحطيطة من الدين عند الوفاء ، وجواز ” ضع وتعجل ” مع أن ذلك لا يجوز ابتداءً أن يعطى مبلغاً بأقل منه بالإجماع ، في حين دلّ حديث كعب بن مالك على خروجه من الدين بالنصف فقط .


2. جواز المجازفة والتخمين في الأموال الربوية مثل التمر ونحوه في الوفاء والقضاء كما في حديث جابر ـ وهذا لا يجوز في غيره .


3. دلّ قول ابن عباس على التخارج بين كل شريكين بما يتراضيان به ، حيث تدلّ أقواله على أنه  يجوز لأحد الشركاء عند التخارج أن يأخذ أقل من حقه من الشركة ، أو أكثر من حقه منها ويخرج منها من النقود والديون وغيرهما ، لأن المخارجة مصالحة وهي جائزة على الأقل وعلى الأكثر ولا تطبق عليها قواعد الصرف ونحوها [20].


 


 


هل التخارج أو الصلح عقد مستقل ؟


لا شك أن التخارج نوع من الصلح ، وهل هو عقد مستقل ؟


 ذهب جمهور الفقهاء إلى أن عقد الصلح ( ومنه التخارج ) ليس عقداً مستقلاً قائماً بذاته في شروطه وأحكامه ، بل هو متفرع عن غيره في ذلك ، بمعنى أنه تسري عليه أحكام أقرب العقود إليه شبهاً بحسب محتواه .


وعلى ضوء ذلك فالصلح إذا كان عن مال بمال فهو في حكم البيع ، والصلح عن مال بمنفعة إجارة ،والصلح عن نقد بنقد صرف ، أو له حكم الصرف ، والصلح عن مال معين بمال موصوف في الذمة في حكم السلم ، والصلح في دعوى الدين على أن يأخذ المدعي أقل من المطلوب يعتبر هبة ببعض الحق وإبراء عن الباقي .


 وثمرة هذا التكييف أنه حينئذ تطبق على الصلح أحكام ذلك العقد الذي هو في حكمه من حيث الشروط والآثار ، وهذا مبني على أن الاعتبار في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالصور والألفاظ والمباني[21] .   


  والذي يظهر لي رجحانه أن الصلح عقد مستقل وإن كان له شبه في بعض أنواعه ببعض العقود ، كما هو الحال في الإجارة حيث فيها معنى بيع المنفعة ،ومع ذلك فهي عقد مستقل له أحكامه وشروطه الخاصة ونتائجه وآثاره ، وذلك لما يأتي ـ بإيجاز ـ :


1. أن الصلح له معناه الخاص في اللغة والعرف فليس هناك شبه أو تداخل بينه وبين العقود التي ذكروها ، وحتى في الفقه الإسلامي لم يعرف الصلح بأنه بيع ، أو صرف ، أو إجارة ، وإنما له تعريف خاص وهو( معاقدة يرتفع بها النـزاع بين الخصوم ، ويتوصل بها إلى التوافق بين المختلفين)[22] .


 قال النووي : مبيناً أن مثل هذه التعاريف للصلح ليست حداً جامعاً ( فسره الأئمة بالعقد الذي تنقطع به خصومة المتخاصمين ، وليس هذا على سبيل الحدّ ، بل أرادوا ضرباً من التعريف )[23]. وقد ذكر النووي رحمه الله أن الصلح يخالف البيع في صور ، وذكر منها خمساً [24]، كما أن بعض المحققين من الفقهاء لم يستطيعوا الجزم بأن الصلح بيع مثلاً وإنما قالوا : له شبه بالبيع[25] وهذا لا ينكر ولكن لا يجعله نفس المشبه به .


2. فإذا كان الصلح مختلفاً عن البيع وبقية العقود من حيث المعنى اللغوي ، والعرفي ، والشرعي فكيف يكون تبعاً لها ، بل إن القرآن الكريم قد عمم معناه حيث قال العلماء في تفسير قوله تعالى : ( لا خير في كثير من نجواهم إلاّ مَنْ أمر بصدقة ، أو معروف ، أو إصلاح بين الناس )[26]. قال ابن رشد : ( الجد ) وهذا عام في الدماء والأموال والأعراض ، وفي كل شيء يقع التداعي والاختلاف فيه بين المسلمين … وهو من نوافل الخير المرغوب فيها المندوب إليها… )[27] .


 وقد خصص معظم كتب السنة كتاباً ، أو أبواباً خاصة بالصلح فهذا الإمام البخاري عقد كتاباً خاصاً بالصلح وذكر فيه أربعة عشر باباً يشمل واحداً وثلاثين حديثاً ، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث واحد ، كما شمل ثلاثة آثار عن الصحابة ومن بعدهم[28]، وقد تضمنت هذه الأحاديث مجموعة من الأحكام تختلف عن أحكام البيع ، وغيره ، بل قد صرح الفقهاء بعمومية الصلح قال ابن قدامة ( ويصح الصلح عن كل ما يجوز أخذ العوض عنه سواء كان مما يجوز بيعه ، أو لا يجوز )[29] .


3. ومن جانب آخر فإن للصلح خصوصية حيث يقوم على حسم النـزاع عن طريق التراضي بالمعروف ، ولذلك كان الرسول “صلى الله عليه وسلم” يشير إلى المتخاصمين بالصلح فإن أبيا حكم عليهما بالحكم البيّن[30] .


 وقد عقب الرسول “صلى الله عليه وسلم” حينما سمع صوت الخصوم بالباب أحدهما يسترفق الآخر ويطالبه بالتصالح والآخر يقول ” لا والله لا أفعل ” ، فخرج رسول الله “صلى الله عليه وسلم” فقال : ( أين المتألى على الله : لا يفعل المعروف؟ ) فقال أنا يا رسول الله ، فله أي ذلك أحبّ [31].


  فالصلح يقوم على المعروف والخير والتنازل على عكس بقية العقود المالية ، أو غيرها التي تقوم على أساس المساومة والحقوق المتقابلة .


4. إن قولنا باستقلالية عقد الصلح لا يتعارض مع تشابه بعض أنواعه مع بعض العقود الأخرى في بعض الأحكام .


5. أن الأصل في استحداث العقود الجديدة والشروط هو الإباحة لا الحظر عند جمهور الفقهاء كما أثبتناه في رسالتنا الدكتوراه[32] .


 ويترتب على هذا التكييف أنه ينبغي أن ينظر إلى الصلح باعتباره عقداً مستقلاً وليس تبعاً ، وحينئذ يكون له شروطه الخاصة ، وأحكامه وآثاره الخاصة دون إخضاعه لشروط أيَّ عقد آخر إلاّ إذا كان هذا قد دلّ على أن أنه شرط للصلح .


 وبهذا التكييف نستطيع أن نـزيل كثيراً من الشروط الخاصة بتلك العقود المشابهة ، التي أدت إلى  إخضاع الصلح لها تعسفاً ، كما سنرى . 


 


شروط صحة التخارج :


هناك شروط متفق عليها ، وشروط مختلف فيها قابلة للنقاش ، فمن الشروط المتفق عليها ما يأتي :


الشرط الأول : أن يكون المتخارجان مكلفين لهما أهلية الأداء .


الشرط الثاني : أن يكون المال المتخارج منه مملوكاً لهما ، أو أن يكون لهما ولاية شرعية أو قضائية ، أو عقدية ، فالأب أو الجد أو الوصي له الحق في التخارج فيما يخص أموال الأولاد ولكن فيما له حظ في المولى عليه ، وكذلك الوكيل ولكن في حدود الوكالة .


الشرط الثالث : أن يكون المتخارج منه مما يصح الاعتياض عنه ، أما إذا كان لا يصح الاعتياض عنه فلا يصح التخارج عليه ، ولا الصلح عنه[33] .


 


وأما الشروط المختلف فيه فهي :


الشرط الأول : أن يكون محل التخارج معلوماً هذا عند المالكية والشافعية ، وذلك لأنه بمثابة البيع وإن كان في صورة الصلح وبيع المجهول لا يجوز .     


وأما الحنابلة فقالوا : يصح الصلح عن المجهول سواء كان عيناً ، أو ديناً إذا كان مما لا سبيل إلى معرفته ، فأما ما يمكنهما معرفته أو الذي هو عليه كتركة موجودة فلا يصح الصلح عليه مع الجهل ، لأنه إنما أحيل مع الجهل للحاجة إليه لإبراء الذمم وإزالة الخصام ، قال أحمد في الرجل يصالح على الشيء ، فإن علم أنه أكثر منه لم يجز إلاّ أن يوقفَه عليه إلاّ أن يكون مجهولاً لا يدري ما هو ؟ ونقل عنه عبدالله إذ اختلط قفيز حنطة بقفيز شعير وطحنا ، فإن عرف قيمة دقيق الحنطة ودقيق الشعير بيع هذا وأعطى كل واحد منهما قيمة ماله إلاّ أن يصطلحا على شيء ويتحالاّ )[34].


ولم يشترط الحنفية العلم بالمتخارج منه إذا كان لا يحتاج إلى القبض والتسليم ، وأما إذا كان محتاجاً إليه فلا بدّ من العلم ، لأن جهالة البدل حينئذ تؤدي إلى النـزاع[35] . 


  والذي نرى رجحانه هو عدم اشتراط العلم بمحل التخارج ما دام العلم به عسيراً فيه حرج ، لأن الصلح أو التخارج غير البيع الذي يقوم على المساومة وذلك لأن التخارج أساسه على التراضي والمسامحة ، لكنه لا يجوز أن يُخفى أحدهما معلومات عن المتخارج عنه من حيث الصفات والكيف والكم ونحوهما ، لأن ذلك يؤدي إلى الغش والتحايل .


LinkedInPin