أنواع الطب في الإسلام :

يقسم الطب والعلاج إلى تقسيمات كثيرة ، وباعتبارات مختلفة،نذكر أهمها في هذا المجال:


أولاً : يقسم الطب باعتبار محله إلى نوعين :

النوع الأول : الطب المعنوي

 وهو طب القلوب والنفوس والصدور والعقول ، وهو بلا شك يتمثل في الدين الصحيح الذي عبر عنه القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ، حيث يعالج القلوب من أمراضها من الكفر والنفاق والشقاق والحسد ، وكل أدواء القلوب التي ذكرها أهل الذكر[1] كما أن الدين الصحيح يملأ القلب بالحب الخالد ، والحب الصحيح ، والعاطفة النافعة ، وكذلك يعالج النفوس من أمراضها ، وحظوظها ، وشهواتها .

  وقد أولى الإسلام عناية قصوى بالعقول من خلال ملئها بالتصورات الصحيحة عن الخالق والمخلوق وعن المبدأ والمنتهى والمصير ، ومن خلال ربطها بالعلوم النافعة وإبعادها عن الخرافات ، وعن الخوض في عالم الغيب إلاّ بقدر ما ذكره الوحي وتوجيهه للإبداع في عالم المادة حتى لا ينشغل بعالم (الميتافيزيقيا) عن عالم الكون ، وحثه على التفكير الايجابي حتى لا يلهو عن دوره في التعمير والاستخلاف.

  والوحي ـ وبالأخص في القرآن الكريم ـ قد نزل لأجل هذا العلاج ، ولذلك سماه الله تعالى نوراً ، وشفاءً لما في الصدور وفرقاناً ، وسراجاً منيراً ، وهادياً مبيناً ، وذكراً ، وبينة ورحمة للعالمين ، فقال تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)[2] وقال تعالى : (شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىۤ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ)[3] وقال تعالى : (يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مَّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)[4]..

النوع الثاني : الطب البدني وهو الطب المعروف :

  يقول الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية : (المرض نوعان : مرض القلوب ، ومرض الأبدان ، وهما مذكوران في القرآن ، ومرض القلوب نوعان : مرض شبهة وشك ، ومرض شهوة ، وكلاهما في القرآن)[5] فقال تعالى في مرض الشبهة : (فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضًا)[6] وقال تعالى : (أَفِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ)[7] وقال تعالى في مرض الشهوات : (يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِـﭑلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً)[8] فهذا المرض هو مرض الشهوات ، وقال في مرض الأبدان : (…وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ)[9] وقال في الحمية والوقاية : (…وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً)[10] حيث أباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له ان يصيبه ما يؤذيه . 

 قال ابن القيم : (وأما طب القلوب فمسلم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ولا سبيل إلى حصوله إلاّ من جهتهم ، وعلى أيديهم ، فإن صلاح القلوب ان تكون عارفة بربها وفاطرها ، وبأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، وأحكامه ، وأن تكون مؤثرة لمرضاته ومحابه ، متجنبة لمناهيه ومساخطه ، ولا صحة لها ولا حياة البتة إلاّ بذلك)[11] .    


ثانياً : يقسم الطب البدني باعتبار مصدره إلى نوعين :

النوع الأول : الطب النبوي ، وهو الذي ذكرته الأحاديث الثابتة (الصحيحة والحسنة) من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في تداوي نفسه ، أو لغيره ، أو الأمر به ، أو إقراره .

  وقد جمع الأحاديث الواردة في الطب النبوي عدد من العلماء منهم الإمام علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق (ت203هـ) حيث كتب رسالة في الطب وأهداها إلى الخليفة المأمون ، والإمام عبدالملك الأندلسي (ت238هـ) والحافظ أبو بكر ابن السني (ت364هـ) وأبو نعيم الأصفهاني (ت430هـ) والحميدي (ت488هـ) والاشبيلي (ت581هـ) والبرزالي (ت636هـ) وضياء الدين المقدسي (ت643هـ) وشمس الدين البعلي (ت709هـ) والبدر بن جماعة (ت733هـ) والذهبي (ت748هـ) وابن قيم الجوزية (ت751هـ) والسيوطي (ت911هـ) وغيرهم[12] .

  وهذا غير ما ذكره علماء الحديث في كتبهم ، حيث خصص أكثرهم كتباً للطب ضمن مؤلفاتهم ، مثل الإمام البخاري الذي ذكر في صحيحه كتاب الطب اشتمل على مائة وثمانية عشر حديثاً وسبعة عشر أثراً موزعة على سبعة وخمسين باباً [13].

جوانب الطب النبوي :

والطب النبوي يشتمل ثلاثة على جوانب أساسية وهي :

الجانب الأول : وهو العلاج من خلال تقوية القلوب والدعاء ، والاستشفاء بالقرآن والتوكل والصدقة وصلة الرحم ، يقول العلامة ابن القيم : (بل ههنا من الأدوية التي تشفي من الأمراض ما لم يهتد إليها عقول أكابر الأطباء ، ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم وأقيستهم من الأدوية القلبية ، والروحانية ، وقوة القلب ، واعتماده على الله ، والتوكل عليه ، والالتجاء إليه ، والانطراح والانكسار بين يديه ، والتذلل له ، والصدقة ، والدعاء ، والتوبة ، والاستغفار ، والإحسان إلى الخلق ، وإغاثة الملهوف ، والتفريج عن الكروب ، فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها ، فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يصل إليه علم أعلم الأطباء ، ولا تجربته ولا قياسه

  وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أموراً كثيرة ، ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية ، بل تصير الأدوية الحسية عندها بمنزلة أدوية الطرقية عند الأطباء ، وهذا جار على قانون الحكمة الإلهية ليس خارجاً عنها ، ولكن الأسباب متنوعة ، فإن القلب متى اتصل برب العالمين ، وخالق الداء والدواء ، ومدبر الطبيعة ومصرفها على ما يشاء كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه ، وقد علم ان الأرواح متى قويت ، وقويت النفس تعاونتا على دفع الداء وقهره ، فكيف ينكر لمن قويت طبيعته ونفسه ، وفرحت بقربها من بارئها ، وأنسها به ، وحبها له ، وتنعمها بذكره ، وانصراف قواها كلها إليه وجمعها عليها ، واستعانتها به ، وتوكلها عليه ، أن يكون ذلك من أكبر الأدوية ، وان توجب لها هذه القوة دفع الألم بالكلية ، ولا ينكر هذا إلاّ أجهل الناس ، وأغلظهم حجاباً ، وأكثفهم نفساً ، وأبعدهم عن الله وعن حقيقة الإنسانية)[14] .   

وهذا النوع من خصوصية الطب النبوي ، حيث لا يوجد لدى الأطباء الماديين .

اعلى الصفحة

الجانب الثاني : طب الوقاية والحمية ، وهذا يشمل ما أمر به الإسلام من النظافة والطهارة في العبادات وغيرها ، حيث أمر الإسلام بالطهارة ، وجعل صحة الصلوات والطواف متوقفة عليها ، وبيّن بأن الله تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين فقال تعالى : (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ)[15] وقال تعالى : (إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ)[16] . 

  ويدخل في هذا الباب : الرياضة البدنية التي دخلت في بعض الشعائر والعبادات ، مثل الصلاة والحج والعمرة ، وكذلك الرياضة النفسية المتمثلة في الصيام الذي يترتب عليه الصحة البدنية والنفسية ، بل والعلاج لبعض الأمراض ، ومع ذك أجاز الإسلام للمريض والحامل والمرضع فالأخطار تخفيفاً عليه ، وتقوية بالغذاء على الداء .

  ومن هذا الباب أمر الإسلام بالاعتدال في الأكل والشرب وتنظيم المعدة والطعام والشراب ، حيث وردت بذلك أحاديث كثيرة[17] .

  ويدخل في هذا الباب أيضاً ما حرمه الله تعالى من المسكرات من الخمور والكحول ونحوها والمخدرات ، والمفترات ، وكل ما يضر بالصحة ، وما حرم الله تعالى من الميتة والخنزير والدم ، وغيرها من الخبائث .

  وكذلك يدخل في هذا الباب حث الإسلام على إنشاء الأسرة الصحيحة القوية من خلال اختيار الزوجة ، أو الزوج الصالح القوي ومن أسرة صحيحة قوية .

  ومن أهم ما اعتنى به الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الباب الوقاية من الأمراض المعدية مثل الطاعون ، ووضع الحجر الصحي لمنع انتقال العدوى .

الجانب الثالث : التداوي ، وذكر بعض الوصفات الطبية :

 وكان منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الباب هو ما يأتي :

الأمل ، وربط الأسباب بالمسببات ، وأن كليهما من الله تعالى :

  فقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في عدة أحاديث منها ما رواه مسلم وأحمد بسندهما عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل)[18]

  ومنها الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما أنزل الله داءً إلاّ أنزل له شفاءً)[19] .

حيث يدل هذان الحديثان وغيرهما على عدة أمور من أهمها ما يأتي :

أ ـ إثبات الأسباب والمسببات ، فكما جعل الله تعالى أكل الطعام مُذْهباً للجوع ، والشراب مُذْهباً لعطش ، كذلك جعل الله تعالى الأدوية أسباباً لشفاء الأمراض .

ب ـ ان الشفاء إنما يتحقق إذا أصاب المرض داؤوه الخاص به ، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أهمية التخصص الدقيق في علم الطب ، والفهم العميق لهذا الترابط ، حيث قد يكون الدواء فعالاً ولكنه ليس لهذا المرض الذي عولج به ، وإنما لمرض آخر ، فلكل مرض علاجه الخاص ودواؤه الخاص به .

ج ـ أن الأخذ بالعلاج والتداوي لا ينافي التوكل أبداً ، يقول  الإمام ابن القيم : (وفي الأحديث الصحيحة الأمر بالتداوي وأنه لا ينافي التوكل ، كما انه لا ينافيه دفع داء الجوع ، والعطش ، والحر ، والبرد بأضدادها ، بل لا تتم حقيقة التوحيد ، إلاّ بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً ، وان تعطيلها يقدح في نفس التوكل ، فإن تركها عجزاً ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه ، ودفع ما يضره في دينه ودنياه ، ولا بدّ من هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب ، وإلاّ كان معطلاً للحكمة والشرع ، فلا يجعل العبد توكلاً ، ولا تكوله عجزاً .

  وفيها رد على من انكر التداوي ، وقال : إن كان الشفاء قد قدر ، فالتداوي لا يفيد ، وإن لم يكن قد قدر فكذلك ، وأيضاً، ، فإن المرض حصل بقدر الله ، وقدر الله لا يدفع ولا يرد ، وهذا السؤال هو الذي اورده العراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما أفاضل الصحابة ، فأعلم بالله وحكمته وصفاته من أن يوردوا مثل هذا ،ـ وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما شفى وكفي ، فقال : هذه الأدوية والرقى والتقى هي من قدر الله ، فما خرج شيء عن قدره ، بل يرد قدره بقدره ، وهذا الرد من قدره ، فلا سبيل إلى الخروج عن قدره بوجه ما ، وهذا كرد قدر الجوع ، والعطش ، والحر ، والبرد بأضدادها ، وكرد قدر العدو بالجهاد ، وكل من قدر الله الدافع والمدفوع والدفع .

  ويقال لمورد هذا السؤال : هذا يوجب عليك ان لا تباشر سبباً من الأسباب التي تجلب بها منفعة ، أو تدفع بها مضرة ، لأن المنفعة والمضرة إن قدرتا ، لم يكن بدّ من وقوعهما ، وإن لم تقدر لم يكن سبيل إلى وقوعهما ، وفي ذلك خراب الدين والدنيا ، وفساد العالم ، وهذا لا يقوله إلاّ دافع للحق ، معاند له ، فيذكر القدر ليدفع حجة المحق عليه ، كالمشركين الذين قالوا (لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ ءَابَآؤُنَا)[20] و (لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ ءَابَاؤُنَا)[21] فهذا قالوه دفعاص لحجة الله عليهم بالرسل[22]. 

  ويقول الحافظ ابن حجر : ( وفيها ـ أي الأحاديث التي ذكرت ـ إثبات الأسباب ، وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله تعالى لمن اعتقد أنها بإذن الله وتقديره ….. والتداوي لا ينافيه التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب)[23] .

د ـ الأمل العظيم العريض بالشفاء ، وباستكشاف الأدوية لجميع الأمراض ، حيث يعطي قوله صلى الله عليه وسلم (لكل داء دواء) أملاً كبيراً للمريض حيث يتعلق قلبه بروح الرجاء وزالت عنه حرارة البأس ، للطبيب ، وللعلماء والمختبرات العلمية وفي ذلك خير كثير للجميع .

2 ـ إن فيما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم أو فعله حول الطب والعلاج يدل بوضوح على أهمية الطب ، وانه ـ كما سبق ـ من فروض الكفايات وأن هذا الدين شامل لك جوانب الحياة ، وأن واجب رئيس الدولة في الإسلام العناية القصوى بصحة شعبه كما يعتني بالجانب الديني والأخلاقي لهم ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك أمته دون هذه الرعاية فأمرهم بالتداوي ، ووصف لهم بعض الوصفات الطبية ، فقد ذكر العلامة ابن القيم فصولاً في هديه في علاج الحمى ، واستطلاق البطن ، وفي الطاعون ، والنهي عن الخروج من موضع الطاعون ، أو الدخول فيه ، (ما يسمى بالحجر الصحي) وفي داء الاستسقاء ، وعلاج الجرح ، والعلاج بشرب العسل ، والحجامة ، والكي ، وفي قطع العروق ، وفي علاج الصرع ، وفي علاج عرق النسا ، وعلاج يبس الطبع ، وحكة الجسم ، وعلاج ذات الجنب ، والصداع والشقيقة ، وفي الحمية ، وعلاج الرمد ، والأورام ، وفي علاج السحر ، والعين ، وغير ذلك[24] ، إضافة إلى ذكره بعض الأعشاب الطبية مثل حبة البركة… .   

  والخلاصة أن هذه الشريعة هي شريعة الرحمة للعالمين ، والرحمة الشاملة للأبدان والقلوب والنفوس والعواطف ، وشفاء لها جميعها ، ولأمراض المجتمع والأمم أجمعين ، وانها مرشدة إلى حفظ صحة الأبدان وصلاحها ودفع الآفات عنها بطرق كلية قد وكل تفصيلها إلى العقل الصحيح ، والخبرة .

اعلى الصفحة

أنواع علاج النبي صلى الله عليه وسلم للمرض : 

 وقد حصر الإمام ابن القيم وغيره ممن كتبوا في الطب النبوي ، أنواع علاج النبي صلى الله عليه وسلم للمرض في ثلاثة أنواع ذكروها بالتفصيل[25] ، وقد أشرنا إليها فيما سبق وهي الأدوية الطبيعية ، والأدوية الإلهية ، والمركب من الأمرين .

القواعد العامة في الطب النبوي :

  هناك قواعد مهمة للغاية في مجال الطب النبوي نرى أن من الضروري ذكرها ، وتأصيلها :

القاعدة الأولى : مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست التطبيب ، وإنما هداية الناس :

  يقول الإمام ابن القيم : (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعث هادياً ، وداعياً إلى الله ، وإلى جنته ، ومعرفاً بالله … ، وأما طب الأبدان فجاء من تكميل شريعته ، ومقصوداً لغيره ، بحيث إنما يستعمل عند الحاجة إليه ، فإذا قدر الاستغناء عنه كان صرف الهمم والقوى إلى علاج القلوب والأرواح وحفظ صحتها ، ودفع أسقامها ، وحميتها مما يفسدها…. )[26] .

القاعدة الثانية : أن وصفات الرسول صلى الله عليه وسلم في مجال الطب ليست مثل أقواله وبيانه للأحكام الشرعية التي تأخذ طابع التشريع العام ، وإنما يحتاج بيان ذلك إلى التفصيل الآتي :

أولاً : ان العلامة ابن القيم يقسم خطاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى نوعين : عام لهل الأرض مثل عامة خطاباته التشريعية ، وخاص ببعضهم مثل قوله صلى الله عليه وسلم : (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ، ولكن شرقوا أو غربوا)[27] قال ابن القيم : (فهذا ليس بخطاب لأهل المشرق ولا المغرب ، ولا العراق ، ولكن لأهل المدينة وما على سمتها كالشام وغيرها …) ثم طبق هذه القاعدة على معظم الأحاديث الواردة في الطب[28] وهذا يعني أن أحاديث الطب ليست عامة لكل الأشخاص ولا لكل البلاد ، بل إن بعض الأدوية المفردة كانت تنفع الأمراض المفردة ولا تنفع الأمراض المركبة ، حتى ان الغذاء المفرد البسيط ينفع الدواء المفرد ، في حين لا ينفع مع الغذاء المركب المتنوع الدوام المفرد ، وهذا تطبيق للواقع والتجربة ، بل لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو : ( لكل داء دواء) ـ كما سبق ـ .

ثانياً : هل هذه الأحاديث الواردة في العلاج والتطبيب تشريع ؟ 

 فهذه المسألة لا تخص فقط أحاديث الطب وإنما تشمل أحاديث أخرى تخص الجوانب العادية الدنيوية ، فقد تكلم فيها الكثيرون وأفاض فيها فضيلة الشيخ القرضاوي[29] ، وذكر أن هذه المسألة جديدة وقديمة ، حيث تحدث فيها ابن قتيبة (ت276هـ)  حيث ذكر أن هناك سنة ليست للتشريع ، وإنما للإرشاد فقط[30] ، ثم الإمام القرافي[31] ، ثم الإمام ابن القيم ـ كما ذكرته فيما سبق في كتابه الطب النبوي ، وفي كتابه زاد المعاد[32] ، وولي الله الدهلوي الذي عبر بصورة واضحة أن الطب ليس من باب تبليغ الرسالة ، لأن مستنده التجربة[33] وكذلك فصل الإمام السيد رشيد رضا بأن مثل هذه الأحاديث الخاصة بالعادة ل