المبحث الأول : آثار عقد التأمين والالتزامات الناشئة عنه :
يترتب على عقد التأمين عدة أثار والتزامات بعضها تخص المؤمن ،وبعضها تخص المستأمن ، ونحن هنا نوجز القول فيها ، وفيه مطلبان :
المطلب الأول : التزامات المستأمن ( أي المؤمن له )
نصت المادة 15 من مشروع الحكومة المصرية للتأمين على ما يأتي :
{ يلتزم المؤمن بما يأتي :
أ ـ أن يقرر في دقة وقت إبرام العقد كل الظروف المعلومة له ، والتي يهم المؤمن معرفتها ليتمكن من تقدير المخاطر التي يأخذها على عاتقه ، ويعتبر مهماً في هذا الشأن الوقائع التي جعلها المؤمن محل أسئلة محددة مكتوبة .
ب ـ أن يبلغ المؤمن بما يطرأ أثناء العقد من ظروف من شانها أن تؤدي إلى زيادة هذه المخاطر
ج ـ أن يبلغ المؤمن بكل حادثة من شانها أن تجعل المؤمن مسؤولاً .
د ـ أن يؤدي القسط أو الاشتراك في المواعيد المحددة .
ولا تسري أحكام البندين ب و ج على التأمين على الحياة} .
وهذا النص نقل عن المادة 1066 من المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري التي حذفت في لجنة مجلس الشيوخ ، كما أقرت هذه المادة في القانون العراقي في مادته 986 وهو خلاصة للقواعد المقررة في التأمين التي يمكن تلخيصها في ثلاثة التزامات أساسية كما ذكرتها المادة 974 من تقنين الموجبات والعقود اللبناني ، وهي :
1. تقديم البيانات اللازمة والمتعلقة بالخطر ، وتقرير ما يستجد من الظروف .
وقد سبق أن ذكرنا أن المحل الرئيسي لعقد التامين هو الخطر ، وأن البيانات اللازمة تشكل أهمية قصوى في تقدير الخطر المؤمن منه حتى يتمكن المؤمن من تحديد قسط التأمين ، وبالتالي دفع مبلغ التأمين ، إذن لهذه البيانات دور أساسي للأركان الثلاثة المميزة للتأمين وبحث هذا الالتزام يقتضي دراسة ما يأتي :
أ ـ تقديم المستأمن ابتداء جميع البيانات اللازمة التي تمكن المؤمن من تقدير الخطر قبل أو أثناء إبرام العقد ، بحيث لا يتأخر عن هذا الوقت ، وأن السكوت هنا لا يكتفي به ، بل يجب الإدلاء بكل المعلومات اللازمة لأن القانون يعتبر السكوت عمداً عن واقعة او ملابسة تدليساً إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة ، أو هذه الملابسة ( المادة 125/1 من القانون المدني المصري) كما أنه يعتبر الكذب أو السكوت بمثابة الحيل المكونة للتدليس إذا كان في ذلك اخلال بواجب الصدق الذي تفرضه طبيعة المعاملة ، والثقة الخاصة التي يضعها أحد طرفي العقد في الطرف الآخر (م 152 من القانون المدني المصري) ، ولكن هذه الحماية لا تكفي في حالة التأمين إلاّ إذا كان السكوت هو الدافع إلى التعاقد [1].
ويجب أن تكون هذه البينات شاملة للبيانات الموضوعية محيطة بموضوع الخطر المؤمن منه ، وللبيانات الشخصية التي تتعلق بالشخص المؤمن له ويساره وفقره ، وهل سبق له ان أمن ، وهل سحبت منه رخصته بسبب الحوادث وهكذا…..
فالبيانات الموضوعية هي التي تتناول الصفحات الجوهرية للخطر ، وما يحيط به من ظروف وملابسات يكون من شأنها تكييفه تكييفاً دقيقاً ، ففي التأمين على الحياة يدخل في هذه البيانات المؤمن على حياته ، وحالته الصحية ، وما هو مصاب به من الأمراض سابقاً وحالياً ، وفي التأمين من الإصابات يدخل في هذه البيانات مهنة المستأمن ن وما يمارسه عادة من الأعمال ، وفي التأمين على السيارة يدخل فيها نوع السيارة ، وقوتها ، وتأريخ صنعها ، وتأريخ شرائها والأغراض التي تستعمل فيها ، ومهنة صاحب السيارة …وهكذا .
ويجب أن تكون هذه المعلومات التي يدلي بها المستأمن عن علم وليست عن جهل أو ظن.
والواقع العملي هو ان شركات التأمين قد جرت على إدراج كل ما تريد من المعلومات على شكل أسئلة محددة مطبوعة ، يجب على المستأمن أن يجيب عنها بدقة.
ب ـ إبلاغ المستأمن للمؤمن بما يستجد من الظروف التي تؤدي إلى زيادة الخطر بعد إبرام العقد وأثناء سريانه ، بشرط ان يكون قد اطلع على هذه الظروف ، وسواء كان المستأمن هو الذي تسبب فيها أم لم يتسبب فيها كما إذا أنشئت محطة بنزين بجوار منزله ما دام قد علم بها[2] .
ج ـ يترتب على هذا الإخطار أن يبقى خطر المؤمن منه مغطى بالتأمين تغطية مؤقتة ، وذلك إلى أن يتخذ المؤمن موقفه من الظروف الجديدة ، وللمؤمن أن يتخذ بعد العلم أحد المواقف الثلاثة ، وهي إما أن يطلب فسخ العقد ، وإما أن يستبقي العقد مع زيادة في قسط التأمين بناءً على طلب المؤمن له ، وإما أن يستبقي العقد كما هو دون زيادة في قسط التأمين .
الجزاء الذي يترتب على الإخلال بالالتزام :
الجزاء الذي يترتب على الإخلال بالالتزام هو ـ كما نصت المادة 265 من مشروع الحكومة ـ بطلان عقد التأمين إذا تعمد المستأمن ، أو المؤمن على حياته كتمان أمر ، او قدم عن عمد بياناً كاذباً ، وكان من شان ذلك ان يتغير موضوع الخطر ، أو تقل أهميته في نظر المؤمن حتى ولو يكن للكتمان ، أو البيان الكاذب أثر وقوع الحادث ، فإذا كان موضوع العقد عدة أشياء أو أشخاصاً متعددين ، وكان للكتمان او البيانات الكاذبة لا تنصب إلاّ على البعض ، فإن التأمين يظل قائماً بالنسبة إلى بقية هذه الأشياء ، أو باقي هؤلاء الأشخاص طالما كان يقبل التأمين عليهم وحدهم بالشروط ذاتها .
وفي جميع الأحوال التي يبطل فيها العقد بأكمله ، أو جزء منه بسبب للكتمان ، أو البيانات الكاذبة تصبح الأقساط التي تم أداؤها حقاً خالصاً للمؤمن ، أما الأقساط التي استحقت ولم تؤد فيكون له الحق في المطالبة بها [3].
ونصت المادة 27 من المشروع نفسه على أنه : ( لا يترتب على سكوت المؤمن له ، او المؤمن على حياته عن أمر أو اعطائه بياناً غير صحيح بطلان العقد ، إذا لم يقدم الدليل على سوء نيته .
فإذا انكشفت الحقيقة قبل تحقق الخطر جاز للمؤمن أن يطلب إبطال العقد بعد عشرة أيام من تأريخ إخطاره المؤمن له بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم وصول ، إلاّ إذا قبل هذا الأخير زيادة في القسط تتناسب مع الزيادة في الخطر.
ويترتب على إبطال العقد في هذه الحالة أن يرد المؤمن مقابل التأمين ، أو يرد منه القدر الذي لم يتحمل في مقابله خطراً ما.
أما إذا ظهرت الحقيقة بعد تحقق الخطر وجب خفض التعويض بنسبة معدل الأقساط التي أديت فعلاً إلى معدل الأقساط التي كان يجب أن تؤدى لو كانت المخاطر قد أعلنت إلى المؤمن على وجه صحيح) [4].
وهذه النصوص في مجموعها تطبيق المبادئ العامة المسلم بها في عقد التأمين ، وهي تتضمن أحكاماً جرت العادة بإدراجها في وثائق التأمين ضمن الشروط العامة ، حتى أصبحت عرفاً عاماً يعتد به في التأمين ، ولكن يجب التميز بين حالة ما إذا كان المستأمن سيئ النية في الكتمان ، او الإدلاء بالبيانات غير الصحيحة ، وحالة ما إذا كان حسن النية ، علماً بأن عبء إثبات سوء النية ، وعبء إثبات ما وقع من كتمان أو بيان غير صحيح على عاتق المؤمن .
كما أنه يستثنى من هذه الجزاءات في حالة القوة القاهرة ، أو الحادث المفاجئ ، وتدارك المستأمن لخطئه ، أو تنازل المؤمن عن حقه من خلال تنفيذ العقد بالرغم من اكتشاف خطأ المستأمن ، أو علم المؤمن بحقيقة الخطر ، أو التقادم بثلاث سنوات من يوم علم المؤمن بالكتمان أو الكذب دون أي إجراء [5].
2. التزام المستأمن بدفع قسط التأمين ، حيث يترتب على عقد التأمين دفع قسط التأمين في التأمين التجاري ، أو الاشتراك في التأمين التعاوني ، وهو إما أن يكون دفعة واحدة تدفع عند إبرام العقد ، او مجموعة من الأقساط بحيث عليه أن يدفعها في مواعيدها المحددة سواء كانت شهرية أم سنوية أم غير ذلك في مكان الشركة ، أو حسب الاتفاق .
وذلك في جميع أنواع التأمين غير أن القانون الفرنسي في 13/7/1930م في مادتيه 15، 75 يقضي بأن المؤمن له في التأمين على الحياة لا يجبر على دفع القسط ، ولكن يحق للمؤمن ـ بالمقابل ـ أن يفسخ العقد ، إضافة إلى التصفية والتخصيص وحينئذٍ يختلف القانون الفرنسي عن بقية القوانين في أنه جعل الجزاء الفسخ فقط دون التنفيذ العيني كما هو الحال لدى القوانين الأخرى حيث تجبره على تنفيذه إذا لم يؤد اختيارياً .
فالمدين في هذا الالتزام هو المستأمن ثم من يخلفه ، وأن المؤمن هو الدائن الذي يقبض القسط عن طريق ممثليه المعتمدين لهذا الأمر ، وأن محل الالتزام هو قيمة القسط المتفق عليها في العقد ، أو في ملحقاته ن حيث يدفع نقداّ يسلمه المستأمن يداً بيد إلى المؤمن نفسه ، أو من فوضه في قبض القسط ، ثم يتسلم ورقة الدفع ، كما يجوز أن يكون شيكاً أو كمبيالة [6].
جزاء الإخلال بدفع القسط هو التنفيذ العيني ، أو الفسخ ، ولكن المؤمن لا يتحلل عن التزامه بضمان الخطر المؤمن منه إلاّ بعد الحصول على حكم من المحكمة يفسخ العقد وحينئذٍ ينتهي التزام المؤمن من الوقت الذي صدر فيه الحكم ، وإذا تحقق الخطر ووجب التعويض قبل صدور الحكم ـ بعد التوقف عن الدفع ـ جاز له أن يحبس مبلغ التأمين حتى يستوفى القسط ، أو الأقساط المستحقة ، وله أن يخصمها من هذا المبلغ .
ولاحتمال استغلال المستأمن طول الإجراءات التقاضي تلجأ شركات التأمين إلى وضع شروط في وثائق التأمين من شانها أن تقلب الوضع ، فيصبح المستأمن تحت رحمة المؤمن ، منها اشتراط وقف عقد التأمين ، أو وقف الالتزام بضمان الخطر منه إذا تأخر المستأخر عن دفع أي قسط في موعده ، ولكن المادة 19 من مشروع الحكومة المصرية للتأمين والمأخوذ من المادة 16 من قانون التأمين الفرنسي الصادر في 13/7/1930 تنص على إجراء متوسط بين هذا وذاك ، حيث أوجب إخطار المؤمن له بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم وصول يذكره بتأريخ استحقاق القسط ، وبالنتائج التي تترتب عليه طبقاً لهذه المادة ، ويترتب على ذلك أن يصبح القسط واجب الأداء في مركز إدارة المؤمن ، كما يترتب عليه قطع المدة التي تسقط بها دعوى المطالبة بالقسط ، وحينئذٍ إذا لم يقم المستأمن بأداء القسط رغم اعذاره فإن عقد التأمين يقف سريانه بانقضاء ثلاثين يوماً من تأريخ إرسال الاعذار ، ويجب تجديد الاعذار عند استحقاق كل قسط حتى يستمر الوقف ، ويجوز للمؤمن بعد انقضاء عشرة أيام من تأريخ الوقف إما أن يطالب بتنفيذ العقد قضاء ، وإما أن يفسخه بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم وصول يرسله إلى المؤمن له .
فإذا لم يفسخ العقد فإنه يعود إلى السريان بالنسبة إلى المستقبل من ظهر اليوم الذي يلي أداء الأقساط المتأخرة ، وما قد يكون مستحقاً من المصروفات .
وتسري المواعيد المنصوص عليها في هذه المادة من اليوم التالي لتأريخ إرسال الكتاب الموصى عليه .
ويـقع باطــلاً كل اتفاق ينقض هذه المـواعيد ، أو يعفى المؤمن من أن يقوم بالاعذار)[7].
3. إخطار المؤمن بوقوع الحادث إذا تحقق الخطر المؤمن منه .
إذا تحقق الخطر المؤمن منه فإنه يجب على المؤمن دفع ملبغ التأمين ، لذلك يجب على المستأمن عند تحققه والعلم به أن يخبر المؤمن بوقوع الحادث الذي نجم منه تحقق الخطر.
ويتضمن إخطار المستأمن البيانات التي استطاع العلم بها عند تحقق الخطر المؤمن منه ، وهي بيانات مختصرة ، لأن عليه الاسراع بالإعلام ، حيث عليه أن يذكر وقت وقوع الحادث ومكانه ، والظروف والملابسات التي تحيط به ، وبالشهود إن وجدوا ، وبالنتائج المباشرة التي نجمت عن الحادث وغير ذلك مما اطلع عليه ممن يكون له دور في تقدير الحادث مع تقديم الوثائق والمستندات التي تثبت وقوع الخطر ، ولذلك يجوز الاتفاق على أنه إذا لم يخطر المستأمن المؤمن بالمعلومات التي يستطيع الأول الوصول إليها عن الحادث فإن حقه في التعويض يسقط [8].
كما أن للمؤمن الحق في اشتراط أن يخطره المستأمن ببيانات خاصة أخرى مثل أن يشترط في التأمين البحري تقديم تقدير تقديري عن الأشياء التي تلفت ، والأشياء التي أمكن إنقاذها وهكذا [9].
ميعاد الإخطار :
لم يرد في بعض التقنينات المدنية العربية ـ مثل المصري والكويتي ـ نص يحدد المدة التي يجب خلالها على المؤمن له القيام بالإخطار ، لذلك يخضع تحديدها لاتفاق الطرفين ، فإن لم يوجد في العقد ما يفيد ذلك ، فإنه يتعين على المستأمن الوفاء بالتزامه هذا خلال مدة معقولة تختلف من تأمين إلى آخر ، فقد قضى قانون التأمين الفرنسي الصادر في 13/7/1930 في مادته 15 بوجوب أن يخطر المستأمن المؤمن : (بمجرد علمه به ، وعلى الأكثر في خلال خمسة أيام) واستثنى هذا القانون فقصر الميعاد إلى أربعة أيام في التأمين على الصقيع ، وإلى أربع وعشرين ساعة في التأمين على المواشي ن واستثنى كذلك التأمين من السرقة حيث أجاز فيه اشتراط وجوب الإخطار فوراً ، وبالمقابل استثنى التامين على الحياة فلم يجز اشتراط الإخطار في أقل من خمسة أيام ، إذ لا يوجد مقتض للتعجيل بالإخطار .
وقريب مما في القانون الفرنسي هذا ما ذكرته المادة 21 من مشروع الحكومة المصرية للتامين ، كما أن قانون الموجبات والعقود اللبناني في مادته 977 حدد مدة الإخطار بثلاثة أيام من تأريخ علم المؤمن له بالحادث .
وتبدأ مدة الإخطار في السريان من تأريخ علم المستأمن بوقوع الحادث على نحو تنعقد به مسؤولية المؤمن عن الضمان ، ولذلك لا تحسب أيضاً مدة التقادم في حق المستأمن إلا من يوم علمه بوقوع الحادث كما في المادة752/2 من القانون المدني المصري ، والمادة 807 من القانون الكويتي [10].
جزاء الإخلال بالالتزام بالإخطار :
ولا يوجد في معظم القوانين المدنية العربية نص خاص يرتب جزاءً خاصاً على الإخلال بهذا الالتزام ، ولذلك يجب تطبيق القواعد العامة عليه ، التي تخول المؤمن مطالبة المستأمن بالتعويض بقدر ما أصابه من ضرر بسبب إخلال المستأمن بالتزامه هذا ، ويمكن أن يتم هذا التعويض في صورة تخفيض مبلغ التأمين المستحق في ذمة المؤمن للمستأمن ، ولكن يثور التساؤل حول مدى إمكانية أن يصل الجزاء إلى سقوط الحق بالكامل دون النظر إلى ما أصاب المؤمن من ضرر ، ودون رعاية لحسن نية المستأمن ، أو سوئها ؟
فقد قضت محكمة النقض المصرية بأن سقوط الحق في مبلغ التأمين لا يكون إلاً بالاتفاق ، او ينص القانون[11] ، ونص قانون التجارة البحرية الكويتي في مادته 278/5 والمادة 282 على أنه يسقط الحق في مبلغ التأمين إذا تعمد المستأمن عدم الإخطار بقصد منع المؤمن من الوقوف على أسباب تحقق الخطر في الوقت المناسب ، أو قدم تصريحاً غير مطابق للحقيقة فيما يتعلق بالحادث بسوء نية .
ولذلك يجوز للمؤمن وضع هذا الشرط ـ أي سقوط الحق كله في حالة عدم الإخطار ـ في الوثيقة بشرط أن يكون واضحاً محدداً ، وأن يبرز هذا الشرط بشكل ظاهر إذا ورد بين الشروط المطبوعة لوثيقة التأمين ، كما هو الحال في القانون المدني المصري في مادته 750/3 ، او يبرز بطريقة مميزة كما هو الحال في القانون المدني الكويتي في مادته 782 .
التمييز بين سقوط الحق بسبب الإخلال بالتزام ، وبطلان عقد التأمين :
السقوط هو ان يسقط حق المستأمن في المطالبة بمبلغ التأمين بسبب اخلاله بالتزاماته المتعلقة بوقوع الخطر المؤمن منه ، وبعبارة أخرى أنه الوسيلة التي تسمح للمؤمن بالتحلل من التزامه بضمان الخطر المؤمن منه رغم تحققه بسبب اخلال المستأمن بالتزاماته المتعلقة بوقوع الكارثة[12] .
فالسقوط يوقع كجزاء للإخلال بالالتزام بالإخطار ، أو بأي التزام آخر يفرضه القانون او العقد كالتزامه بعدم المبالغة عبثاً في تقدير الأضرار الناجمة عن الحادث ، أو التزامه في التأمين ضد السرقة بإبلاغ الشرطة .
وشرط سقوط الحق يعمل به سواء كان المستأمن حسن النية ، او سيئ النية ، وسواء أصاب المؤمن ضرر بسب إخلال المستأمن بالتزامه أم لا ، فهو شرط يراد به ردع المستأمن من الإخلال بالتزامه .
ولا يكيف شرط السقوط على أساس المسؤولية التقصيرية ، إذ وقوع الضرر لا يشترط فيه ـ كما رأينا ـ وليس بالشرط الجزائي ، إذ الشرط الجزائي ليس إلا تقديراً اتفاقياً للتعويض عن الضرر الذي يصيب أحد العاقدين ، بل يكيف على أساس المسؤولية التعاقدية ، فهو عقوبة مدنية توقع على المستأمن جزاء إخلاله بالتزاماته ، وهي عقوبة شبيهة بعقوبة البطلان ، وعقوبة وقف سريان التأمين ، كما أنها من خصائص عقد التأمين[13].
ويشرط لصحة شرط السقوط ان يكون هناك اتفاق خاص بين الطرفين ، وأنه إذا ورد بين الشروط أن يكون بارزاً بشكل مميز ـ كما سبق ـ .
والتمييز بين سقوط الحق ، والبطلان هو أن السقوط لا يؤثر في بقاء العقد في الماضي ، والمستقبل ، حيث يبقى العقد مستمراً بعد أعمال السقوط كجزاء لعيب في تنفيذه ، اما البطلان فيترتب عليه زوال العقد وانعدامه ، وعدم ترتيبه لأثاره سواء في الماضي أم المستقبل ، ولذلك فإن للمستأمن استرداد ما أداه من أقساط ، ولا يلتزم بأداء ما عليه في المستقبل ، كما يتحلل المؤمن نهائياً من التزامه بالضمان ، وله أن يسترد ما أداه من مبلغ التأمين .
التمييز بين سقوط الحق واستبعاد الخطر :
إن شرط السقوط يتعلق بخطر كان يدخل في ضمان المؤمن طبقاً للعقد ، ولكنه بسبب الإخلال بالشرط سقط حق المستأمن ـ كما سبق ـ وأن العقد يستمر في غير تلك الحالة ، حيث يعود المؤمن فيضمن هذا الخطر في المستقبل إذا استمر العقد سارياً ولم يخل المستأمن بالتزامه ، وأما استبعاد خطر معين من التأمين يعني عدم دخوله أصلاً في نطاق الضمان الذي التزم به المؤمن ، إذن ففي حالة استبعاد الخطر لا ينشأ الحق في الضمان أصلاً ـ كما سبق ـ وتبرز أهمية التمييز بينهما في مواضع متعددة منها :
أن عبء إثبات الإخلال في السقوط يقع على عاتق المؤمن ، في حين أن عبء استبعاد الخطر يقع على عاتق المستأمن . .
أنه في شرط السقوط يجوز للمؤمن فسخ العقد ، في حين لا يتصور ذلك في استبعاد خطر معين [14].
المطلب الثاني : التزامات المؤمن :
تدل النصوص القانونية على أنه يجب على المؤمن عند تحقق الخطر المؤمن منه ، أو حلول الأجل المنصوص عليه في العقد أن يدفع مبلغ التأمين ( كما في المادة 747 ، 754 من القانون المدني المصري ، والمادة 773 ، 799 من القانون المدني الكويتي ، ونصت المادة 988 من القانون المدني العراقي على أنه : (متى تحقق الخطر ، أو حل أجل العقد أصبح التعويض ، أو المبلغ المستحق بمقتضى عقد التامين واجب الأداء) ونصت المادة 989 منه على أنه : (يلتزم المؤمن بتعويض المستفيد عن الضرر الناشئ من وقوع الخطر المؤمن ضده ، على ألا يجاوز ذلك قيمة التعويض) .
وأضافت المادة 1064 من المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري ، والمادة 20 من مشروع الحكومة المصرية للتأمين إلى ما سبق : (إن مبلغ التأمين المستحق يصبح واجب الأداء خلال ثلاثين يوماً على أكثر من الوقت الذي يقدم فيه صاحب الحق البيانات والمستندات اللازمة للتثبت من صحة ما يطلبه ، ومدى ما يتمسك به من حقوق) .
وعلى ضوء ذلك فإن حلول الالتزام هو متى تحقق الخطر المؤمن منه ، وفي التأمين على الحياة متى حل أجل العقد حيث قد يكون موت المستأمن ، أو يكون أجلاً معيناً ، وأن الدائن الذي يدفع له هو المستأمن نفسه ، أو المستفيد ، وقد ينتقل إلى خلف عام أو خاص ، وأن عبء إثبات وقوع الخطر المؤمن منع يقع على المستأمن ، وأن محل الالتزام في التأمين على الأشخاص هو مبلغ التأمين المذكور في وثيقة التأمين يدفعه كاملاً إذا حل أجل العقد ، أو تحقق الخطر المؤمن منه .
وأما محل الالتزام في التأمين من الأضرار هو المبلغ المذكور في وثيقة التأمين كحد أقصى ، ولكن لا يجوز أن يزيد على قيمة الضرر الذي لحق المستأمن ، وذلك وفقاً لمبدأ التعويض ، كما لا يجوز أن يزيد على نسبة من مبلغ التأمين تعادل نسبة الجزء الذي تلف إلى الشيء المؤمن عليه كله وفقاً للقاعدة النسبية إذا كان مبلغ التأمين أقل من قيمة الشيء المؤمن عليه ، وكان بعض هذا الشيء هو الذي لحقه التلف ، وان حق المستأمن أو المستفيد في ذمة المؤمن حق ممتاز[15].
والأصل أن مبلغ التأمين يدفع نقدياً ، بنقد البلد ، وقد يشترط المؤمن من أن يكون له الحق في إصلاح الضرر عيناً ، أو قد يلتزم بعمل كأن يدير دعوى المسؤولية المرفوعة من المضرور على المستأمن في حالة التأمين من المسؤولية ، أو أن يقوم بالدفاع عن المستأمن إذا كان التأمين من المطالبة القضائية ، وقد يخصم المؤمن من مبلغ التأمين الأقساط المستحقة التي لم تدفع عن طريق المقاصة ، ويحتج بهذه المقاصة لا على المستأمن وحده ، بل أيضاً على المستفيد ، وعلى الغير الذي تعلق حقه بمبلغ التأمين ، وانه ما دام مبلغ التعويض لم يتحدد بصفة نهائية لا يكون المؤمن ملزماً بالوفاء به ، بل لا يلزم حتى بالوفاء بدفعة تحت الحساب[16].
رجوع المؤمن على المسؤول عن الحادث :
قد يتحقق الخطر المؤمن منه بفعل الغير فتنعقد مسؤوليته التعاقدية او التقصيرية قبل المستأمن ، وحينئذٍ يكون له الحق في مطالبة المسؤول بتعويض ما أصابه من ضرر وفقاً للقواعد العامة في المسؤولية المدنية ، ولكنه من جانب آخر فله عقد التأمين الذي يغطي هذا الخطر ، ولذلك فإن المؤمن لا يحق له التحلل من التزامه بدفع مبلغ التأمين إلى المستأمن تنفيذاً للعقد بل يجب عليه ذلك ، ولكن إذا قام بتعويضه كان له الحق في الرجوع على ذلك الشخص المسؤول عن الحادث ، بالدعوى التقصيرية عند بعض ، او الرجوع بدعوى الحلول ، أي