خلاصة المنهج الإسلامي في العلاج :

نستطيع أن نلخص المنهج الإسلامي في الطب والعلاج في النقاط الآتية :

أولاً : العلاج من خلال الإيمان بالله تعالى وبالقضاء والقدر ، وإرجاع الأمر كله إلى الله تعالى مع الأخذ بجميع الأسباب المتاحة لدفع المرض ، والأخذ بالحيطة والوقاية قبل الوقوع والإصابة ، ثم الأخذ بجميع الأسباب المتاحة للعلاج والشفاء .

ثانياً : يغرس الإسلام في نفوس أتباعه الرضا والقناعة ، والصبر والمصابرة على ما أصابه ، والشكر والحمد والثناء لله تعالى إذا درأ عنه المرض ، ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : (عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلاّ المؤمن : إن أصابته سراء فشكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء فصبر فكان خيراً له)[1] .

  فهو في حالة الصبر له أجر الصابرين حيث يقول الله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوۤاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَٰجِعونَ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٌ مِّن رَّبِْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ)[2] . 

  وبين الرسول الحبيب أن (الصبر ضياء)[3] وعلمهم كيفية الصبر من خلال التصبر فقال : (من يتصبّر يصبّره الله)[4] ومن خلال الإرجاع إلى الله تعالى ، والأخذ ببعض الوسائل مثل الإكثار من تلاوة بعض الآيات والمأثورات والأدعية ، ثم من خلال بيان الأجر العظيم المعدّ للصابرين ، حتى أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بان الذي يموت بالطاعون صابراً محتسباً له أجر الشهيد[5] .

  وبذلك يكون المؤمن قوي الإيمان قوي البنيان ، بعيداً عن الأمراض النفسية والانهيار ، وبعيداً عن اليأس والقنوط والاحباط وبالتالي التفكير في الانتحار .

ثالثاً : يأمره الإسلام بالوقاية والحماية ، سيأتي تفصيله في الطب النبوي والوقائي .

رابعاً : يأمر الإسلام بعد ذلك المسلم بالتداوي ، فقد روى أحمد وأصحاب السنن وغيرهم أن الصحابة قالوا : يا رسول الله أنتداوى ؟ قال : (تداووا فإن الله لم يضع داءً إلاّ وضع له دواءً غير الهرم)[6] وفي حديث آخر قال الأعراب : يا رسول الله ألا نتداوى ؟ قال : (نعم ، يا عباد الله تداووا…)[7] .

خامساً : يوسع الإسلام دائرة التداوي بالأدوية والعلاج الطبي والعمليات ونحوها ، وهذا هو الأصل ، ومع ذلك يرشده إلى الاستشفاء بالقرآن الكريم والأدعية المأثورة حيث يقوي قلبه وحينئذٍ يشفى بإذن الله.

سادساً : يبين الإسلام للناس جميعاً بأن لكل داء دواء ولكل مرض شفاء علمه من علمه ، وجهله من جهله ، يختلف ذلك حسب العصور والأزمان وتطور الأدوية والعلاج والوسائل الطبية ، حيث يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : (إن الله لم ينزل داءً ، ـ أو لم يخلق داءً ـ إلاّ أنزل ـ أو خلق ـ له دواء ، علمه من علمه ، وجهله من جهله إلاّ السام ، قالوا : يا رسول الله ، وما السام ؟ قال : الموت)[8] .

  وهذ الحديث الصحيح يعطي أملاً ـ ما بعده أمل ـ لكل مريض حيث قضى بأنه لكل داء دواء ، ولكل مرض شفاء ، وبذلك لا يفقد الأمل مهما كان مرضه خطيراً على عكس ما هو الحال اليوم حيث تصنف بعض الأمراض على أنه لا شفاء لها .

 وأخيراً فمنهج الإسلام منهج قائم على الزوجية (أي الطب الروحي والنفسي والطب المادي) وليس على الأحادية أي الاعتماد على الجانب المادي فقط ، أو الجانب الروحي فقط ، وهكذا الإسلام في كل شيء حيث يجمع بين الدين والدنيا ، وبين المادة والروح ، وفي ذلك وغيره ذلك جمع للخيرين .

 


  1. رواه مسلم في صحيحه ، رقم الحديث 2999

  2. سورة البقرة / الآية  155- 157

  3. رواه مسلم في صحسيحه رقم الحديث 223 والترمذي رقم الحديث 3512

  4. رواه البخاري ـ مع الفتح ـ (3/265 ، 11/260) ومسلم الحديث 1053

  5. صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ (10/163 ، 164)

  6. يراجع : سنن الترمذي ـ مع تحفة الأحوذي ـ (6/190) والتاج الجامع للأصول (7/513) والمجموع للنووي (5/196)

  7. الحديث بشواهده صحيح كما قال الألباني في سلسة الأحاديث الصحيحة ط. المعارف بالرياض 1408هـ (4/207)

  8. أخرجه الحاكم في المستدرك (4/401) وسكت عنه ، ورواه أحمد (1/446) رواه النسائي مختصراً (2/64) وابن حيان الحديث رقم 1398 ، والحديث صححه الألباني في سلسلة الأحاديث رقم 1650 (4/207)

اعلى الصفحة