تمهيد :
الإنسان في نظر الإسلام له كرامة ما بعدها من كرامة حياً وميتاً ، وأن الإنسان في نظر الإسلام لا يملك نفسه ، ولا اعضاءه ، وإنما الكل لله تعالى ، ولذلك لا يملك الإنسان التصرف في نفسه ، أو أعضائه بالاتلاف أو البيع أو الهبة إلاّبمقدار ما أذن الله تعالى به ، كما أنه لا يملك الإنسان أولاده جنيناً أو صغيراً أو كبيراً ، فلا يجوز له التصرف في حياتهم ، ونحن هنا نذكر أحكام الانتفاع بأعضاء الإنسان أو غيره ، ونقل الأعضاء ، وزرعها ، أو زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي ، وحكم رفع أجهزة الإنعاش فنتحدث بإيجاز شديد حول هذه الموضوعات المهمة بدءاً من بنوك الحليب والإجهاض وتنظيم النسل ، إلى رفع أجهزة الإنعاش والموت الحقيقي في نظر الشريعة الغراء .
الاجهاض ومراحل الجنين وبداية الحياة :
التعريف بالإجهاض :
الإجهاض لغة هو إلقاء الحمل ناقص الخلق ، أو المدة ، سواء أكان بسبب المرأة أم غيرها ، وسواء كان بفعل فاعل أم تلقائياً [1].
ولا يختلف معناه لدى الفقهاء عما ذكرناه في اللغة ، ولكنهم يقيدونه عند الحديث عن حكمه بما إذا كان الإجهاض بسبب خارجي من أم أو غيرها ، وكثيراً ما يعبرون عنه بمرادفاته مثل الإسقاط ، والإلقاء ، والطرح ، والإملاص[2] ، وهذا ما نحن نسير عليه ، وذلك ، لأن الإجهاض إذا كان تلقائياً فلا يتعلق به الحكم التكليفي من الحلال والحرام ونحوهما .
حكم الإجهاض :
للإجهاض حكم عام ، وهو الحرمة ما دام يتعلق بالاعتداء على حياة إنسان ، أو مشروع إنسان إلاّ في حالة الضرورات التي تتعلق بحياة الأم ، حيث يجوز الإجهاض إذا ترتب على عدمه فوات حياة الأم ، أو الإضرار بها إضراراً كبيراً .
ويدل على ذلك جميع الآيات الدالة على حرمة الاعتداء على أي نفس مهما كانت وفي أي مرحلة كانت منها قوله تعالى : (أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأَْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً)[3] وقوله تعالى : (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلَـٰدَكُمْ مِّنْ إمْلَـٰقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)[4] وقوله تعالى : (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم)[5] .
وأما جواز الإجهاض لأجل حياة الأمّ فللأدلة الدالة على أن الأم هي السبب الظاهر في وجود الجنين فلا يجوز أن يكون سبباً لموتها ، ولأن حياتها متحققة ومستقرة ، فهي إذا مقدَمَة على حياة الجنين التي ليست مستقرة ، من باب دفع الضرر الأكبر بتحمل الضرر الأدنى[6] .
حكم الاجهاض مرتبط بمراحل الجنين :
وأما الحكم الخاص بالإجهاض فهو مرتبط بمراحل الجنين بدءاً من تلقيح البييضة بالحيوان المنوي إلى نفخ الروح فيه ، واستكمال مراحل الجنين .
ونحن هنا نذكر أقوال الفقهاء على ضوء هذه المراحل بإيجاز للوصول إلى الرأي الراجح .
مراحل الجنين وأطواره :
ذكر القرآن الكريم ان الإنسان خلق من تراب تحول إلى طين متغير يابس ، والطين يحتوي على مواد معدنية مثل الحديد ، والفسفور ، والكالسيوم ، والنحاس وغير ذلك ، وعلى مواد عضوية أساسها النباتات والحيوانات الدقيقة ، فهذا هو الأساس الذي خلق الله تعالى منه آدم ، ثم خلق من آدم حواء ، ثم بدأ التناسل الطبيعي المتمثل في عملية الاخصاب بين الحيوان المنوي للرجل ، وبييضة المرأة حيث يحتوي كل واحد منها 23 كروموزوماً يمثل الجينات ، حيث عبر الله تعالى عن ذلك بالنطفة الأمشاج فقال تعالى : (إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَـٰهُ سَمِيعاً بَصِيراً)[7] .
وهذا هو الأصل في خلق الإنسان إلاّ ما حدث من معجزة خلق عيسى عليه السلام حيث قال تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)[8] .
أطوار الجنين وحكم كل مرحلة:
طور النطفة الأمشاج[9]
أول هذه المراحل الطبيعية (أي التي جرت على سنة الله تعالى) هي تلقح البييضة بالحيوان المنوي داخل رحم المرأة ، وقد يتم التلقيح خارجياً ـ كما سيأتي حكمه ـ ثم بعد التلقيح تتطور اللقيحة وتنقسم خلاياها من خلية واحدة إلى ست عشرة خلية في حوالي أربعة أيام ، وتستقر فيما سماه القرآن الكريم بالقرار المكين (أي الرّحم) فقال تعالى : (ثُمَّ جَعَلْنَـٰهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ)[10] ومدة هذه المرحلة من بدء التلقيح إلى الاستقرار في الرحم في حدود ثمانية أيام لتبدأ مرحلة العلقة .
طور العلقة :
يعبر القرآن الكريم عن هذا الطور بالخلق فقال تعالى : (….ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً…..)[11] بل منّ الله تعالى بها ، فقال تعالى : (ٱقْرَأْ بِـﭑسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ مِنْ عَلَقٍ)[12] في حين عبر عن المرحلة السابقة بالجعل فقال تعالى : (ثُمَّ جَعَلْنَـٰهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ)[13] مما يدل على أن مرحلة العلقة لها من الصفات والمتغيرات ما يستحق أن توصف بوصف الخلق[14] .
والعلقة لغة من التعلق ، والمقصود بها هنا تحول النطفة الأمشاج إلى علقة تعلقت بجدار الرحم ، وتكونت من خلايا نشأت بطريق الانقسام عن البويضة الملقحة التي تمثل الخلية الأولى للإنسان ، وهي تتركب من نواة وسيتوبلازما بصفة أساسية ، وهي خالية من الأعضاء والأجهزة المميزة للجسم ، ولكنها تمتص غذاءها والاوكسجين اللازم داخل الرحم عبر الأنسجة والدماء المحيطة بها[15] .
وتبقى العلقة في هذا الطور مدة أسبوعين لتبدأ بعد ذلك أي منذ اليوم الثالث والعشرين ، أو الرابع والعشرين مرحلة المضغة .
طور المضغة :
يقول القرآن الكريم : (….فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً ..)[16] وفي سورة الحج : (…..ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ…. )[17] حيث يظهر شكلها في هذه المرحلة كأنها مضغة قضمها فم الإنسان ، حيث يتكون وعاء القلب ، والأعضاء التناسلية ، وان الحويصلات المشيمية تحيط بالجنين من جميع الجهات ، مع بقاء عنقود صغير يزداد طولاً كلما نما الجنين يسمى بالحبل السري وهذه المشيمة تعمل على تغذية الجنين من الأم بواسطة الحبل السري ، وتنقل الاوكسجين منها إليه ، وتاخذ فضلات الجنين لتوصلها إلى دم الأم .
فجميع المراحل السابقة إلى نهاية المضغة تنتهي في حدود 40-42 يوماً حسبما يذكره المتخصصون من الأطباء وعلماء الأجنة ، ثم يبدأ في حوالي 42 يوماً بنشأة أخرى ، فيبدأ التصوير والتغيير إلى صورة إنسان بأجهزته ، ثم يبدأ طور خلق آخر من خلال نفخ الروح كما قال الله تعالى : (فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَـٰمَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَـٰهُ خَلْقاً ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ)[18] .
والتشريح العلمي وما أسفرت عنه الأجهزة العلمية وتصوير الأجنة داخل الأرحام ، كل ذلك يرينا أن الجنين يأخذ شكله الآدمي بعد الأسبوع السادس أي بعد حوالي 42 يوماً من بدء الحمل[19] وهذا ما يدل عليه حديث مسلم (كما سيأتي).
طور خلق العظام ، وكسوتها لحماً :
وهي المرحلة التابعة للمضغة ، حيث يبدأ الجنين بالنمو إلى أن يولد حياً كاملاً إن شاء الله حيث يبدأ ظهور نسيج العظام من بعد الأربعين في مراكز نموه في عظمتي الفك ، والترقوة ، ثم يتوالى ظهور المراكز العظمية الأخرى من الفخذ والساق[20].
متى ينفخ فيه الروح ؟
على ضوء ما ذكره المتخصصون من الأطباء وعلماء الأجنة والتشريح ان هذه الأطوار من النطفة إلى المضغة وتحولها إلى خلق آخر تستغرق حوالي 40 أو 42 يوماً ، وهو استكمال صورته الإنسانية المصغرة ويدل على ذلك مجموعة من الروايات الصحيحة رواها مسلم في صحيحه ، حيث روى بسنده عن طريق الأعمش بلفظ : ( إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة) وقال في حديث معاذ عن شعبة (أربعين ليلة : أربعين يوماً)[21] وأما حديث جرير وعيسى بلفظ : ( أربعين يوماً) ، وروى بسنده عن حذيفة بن أسيد بلفظ : (يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم أربعين ، أو خمساً وأربعين ليلة ، فيقول : يا ربّ ! أشقي أو سعيد…. )[22] .
وروى مسلم كذلك بسنده عن عبدلله بن مسعود أيضاً بلفظ : (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إذا مرّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله تعالى إليها ملكاً ، فصوّرها ، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها …..)[23] ثم روى هذا المتن بسند آخر ، كما روى بسنده عن حذيفة بن أسيد الغفاري فقال : (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين ، يقول : (إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ، ثم يتصور عليها الملك …)[24] وفي رواية أخرى بلفظ : (لبضع وأربعين ليلة)[25] .
يقول الحافظ ابن حجر : ( وفي حديث جابر أن النطفة إذا استقرت في الرحم أربعين يوماً أو ليلة أذن الله في خلقها ، ونحوه في حديث عبدالله بن عمرو ، وفي حديث حذيفة بن أسيد من رواية عكرمة بن خالد عن أبي الطفيل عنه أن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك ، وكذا في رواية يوسف المكي عن أبي الطفيل عند الفريابي) ثم قال : ( فحاصل الاختلاف أن حديث ابن مسعود لم يختلف في ذكر الأربعين ، وكذا في كثير من الأحاديث ، وغالبها كحديث أنس ثاني حديثي الباب لا تحديد فيه ، وحديث حذيفة اختلفت ألفاظ نقلته ، فبعضهم جزم بالأربعين ، كما في حديث ابن مسعود ، وبعضهم زاد ثنتين ، أو ثلاثاُ ، أو خمساً أو بضعاً)[26] .
وقد جمع العلماء بين هذه الاختلافات بأنها ربما كانت بحسب الأجنة ، كما جمع القاضي عياض بينها: ( بانه ليس في رواية ابن مسعود بأن ذلك يقع عند انتهاء الأربعين الأولى ، وابتداء الأربعين الثانية ، بل أطلق الأربعين ، فاحتمل أن يريد أن ذلك يقع في أوائل الأربعين الثانية)[27] وقد أثبت العلم الحديث أن هذه الفترة من 40 إلى 49 يوماً (تعتبر في علم الأجنة مرحلةى تحول يتغير فيها اسم الجنين من embryo إلى fetus وفي هذه المرحلة يمكن لأجهزة السونار أن تظهر لنا بداية خفقان قلب الجنين ويبدأ ظهور نسيج العظام …)[28] وبناء على ذلك فلا تعارض بين روايات الحديث في العدد.
وعلى ضوء ذلك فإن الأربعين الأولى متفق عليها ، وأن التصوير يتم فيه ، هذا والله أعلم ، في حين أن جمهور الفقهاء السابقين ذهبوا إلى أن كل طور يستغرق أربعين يوماً ، وهذا ظاهر حديث البخاري ومسلم حيث رويا بسندهما عن عبدالله قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال : ( إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماُ ، ثم علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع : برزقه ، وأجله ، وشقيّ أو سعيد…. )[29] .
كما اتفقوا على أن نفخ الروح لا يكون إلاّ بعد هذه الأطوار الثلاثة التي يستغرق كل طور أربعين يوماً (أي أربعة أشهر)[30] .
ولكن لو دققنا النظر في هذا الحديث أيضاً لوجدنا أنه ليس قطعي الدلالة على هذا المعنى الذي فهمه علماؤنا السابقون ، بل إن بدايته واضحة في توافقه مع حديث مسلم بأن هذه الفترة كلها هي في حدود أربعين ليلة ، أو تزيد قليلاً كما في الروايات الصحيحة السابقة ، فالحديث ليس فيه تكرار أربعين ، ويمكن إرجاع (ذلك) إلى جمع خلقه في بطن أمه ، جمعاً بينه وبين حديث مسلم ، وذلك لأن من المتفق عليه أن الجمع بين الأدلة أولى من إلغاء أحدها .
وقد ذكر الأستاذ الكبير محمد سلام مدكور في الجمع بين الحديثين فقال : ( إن عبارة البخاري : ( ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك) ولا معنى لقيد (في ذلك) إلاّ ما تفيده دلالة الألفاظ ، وهي ان طور العلقة يكون في أثناء المدة الأولى ، وكلمة (ثم) حينئذٍ تكون للترتيب الذكري لا للترتيب الخارجي حتى لا يكون هناك منافاة بين كلمة (ثم) وكلمة (في ذلك) وهكذا يقال بالنسبة للمضغة ، وإذا أخذنا بهذا القيد الوارد في هذه الرواية كان معناه أن مرحلة العلقة في نفس المدة الأولى … وبه يتفق الحديث مع الطب)[31] .
ويدل على ذلك التعبيرات القرآنية بلفظ الفاء التي تدل على الترتيب دون التراخي ، حيث يقول الله تعالى : (ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَـٰماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَـٰمَ لَحْماً)[32] ثم عبر القرآن عن المرحلة الثانية فقال : (ثُمَّ أَنشَأْنَـٰهُ خَلْقاً ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ)[33] والظاهر أن هذا الخلق الآخر هو نفخ الروح فيه ، أو تصويره ، وقال تعالى : (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَْبْصَـٰرَ وَٱلأَْفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ)[34] حيث تدل هذه الآيات على أن هناك مرحلتين أساسيتين : الأولى : مرحلة النطفة إلى العظام حيث عبر عنها القرآن الكريم بالفاء التي تدل على الترتيب دون التراخي ، والثانية مرحلة التسوية ونفخ الروح التي جمع الله بينهما بواو العطف ، وقد ذكر الأطباء المسلمون القدامى : أن المني إذا حصل في الرحم حصل له زبدية ورغوة في ستة أيام ، أو سبعة أيام ثم إنه خلال أربعين يوماً تتميز الأعضاء ، وينفصل الرأس عن المنكبين ، والأطراف عن الأصابع تميزاً يظهر في بعض ويخفي في بعض وان هذه المرحلة هي مرحلة التجميع التي يشير إليها حديث : ( إنه يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين ليلة ….)[35] .
يقول الدكتور فتحي سيد نصر : ( والإعجاز العلمي الذي جاء به القرآن الكريم في أطوار الجنين عندما درسها المستشرقون ، والمهتمون بالدراسات الطبية وجدوا أن إقرارها في القرآن الكريم جاء بأسلوب معجز لدرجة أن المجلس الدولي الأعلى لعلوم التشريح والأجنة قرر تغيير المصطلحات العلمية المتداولة عن علم الأجنة ، واستخدام المعاني اللفظية القرآنية لهذه الأطوار لما لها من دقة وإعجاز) كما ذكر ان تحديد بعض الأحاديث الصحيحة باثنتين وأربعين ليلة إعجاز آخر حيث أثبت العلم الحديث أن الوقت اللازم لبييضة الملقحة لكي تصل من خلية واحدة إلى حجم سنتيمتر واحد قدر من الزمن يبلغ 42 يوماً ، بعدها تصبح لدى هذه الكتلة من الخلايا الصلاحية لكي تنمو وتخصص خلاياها تبعاً للوظيفة التي سوف توكل إليها)[36] .
رأينا في الموضوع :
إذا قربّ بينهما على الروايات الصحيحة للإمام مسلم التي حددت أربعين إلى بضع وأربعين ليلة ، فإن هناك مرحلتين هما ، مرحلة الجنين الذي لم تظهر فيه صورة الإنسان ، ومرحلة الجنين الذي ظهرت فيه صورة الإنسان بعد الأربعين ، ومجيئ الملك لتصوير الجنين ، وتسويته بامر الله ، ولم يتحدث الحديث عن نفخ الروح ، ولكن الحديث يحتمل ذلك ولا سيما أن إحدى رواياته الصحيحة عن جابر بلفظ (أن النطفة إذا استقرت في الرحم أربعين يوماً ، أو ليلة أذن الله في خلقها ) ، فعلى ضوء ذلك يكون التحريم قطعياًَ لكل اعتداء على الجنين بعد بلوغه أربعين يوماً .
وعلى ضوء ما نفهمه من حديث ابن مسعود لدى البخاري يكون أمامنا ثلاث مراحل ، وهي :
-
مرحلة ما قبل التصوير من النطفة إلى المضغة والعظام
-
مرحلة ما بعد التصوير (أي بعد بضع وأربعين ليلة)
-
مرحلة ما بعد نفخ الروح (أي أربعة أشهر)
ففي مرحلة النطفة الأمشاج (البييضة الملقحة بالحيوان المنوي) هناك حياة في أدنى مستوياتها تبدأ بالحياة الخلوية المطورة ، ثم تنمو هذه الخلية الواحدة من خلال انقسامها إلى خلايا متشابهة ، فتصل إلى الحياة النسيجية طوال الأربعين يوماً ، ولا تصل إلى الحياة الإنسانية ، ولكنه بعد الأربعين تظهر صورة الإنسان المصغر على الجنين ويستطيع جهاز السونار تسجيل خفقان قلبه ، بعد أن بدأت دورته الدموية في العمل ، وظهور المراكز العظمية ، ثم في الأسبوع السابع يظهر مراكز عظمي الفخذ والساق ، وفي الأسبوع الثامن عظما العضد والساعد ، وحركات ضعيفة اختلاجية ، لكنها لا تمثل الحياة الإنسانية المتكاملة ، وعندما يصل الجنين إلى نهاية الأسبوع الحادي عشر ، وخلال الأسبوع الثاني عشر (77-84 يوماً) يدخل الجنين مرحلة هامة ومتميزة[37] .
ففي الأسبوع الثاني عشر تظهر على الجنين مظاهر جديدة وهامة تدل على اكتمال تكوين مخه ، وبداية وظائفه ، وبداية ظهور الكيان الإنساني بشكل واضح من خلال ما يأتي :
-
تطور حركات الجنين من الانقباضات التشنجية إلى حركات مركبة متوافقة ، وذلك مثل ثني الظهر ، ورفع الرأس ، والرفس بالأرجل ، وحركة الفم والشفتين .
-
بدء عمل جذع المخ لتوليد التنبيهات الكهربية التي تسري إلى عضلات الصدر …
-
وجود فترات راحة وسكون بعد النشاط والحركة ، فهو ينام ويصحو ، ويحس ويفزع ، ويقفز ويلعب .
-
ظهور إشارات كهربية أمكن قياسها وتسجيلها صادرة عن مخ الجنين ، وهي تعبر عن بدء نشاط قشرة المخ..[38] .