ثانياً ـ التعريف بالسهم :
الأسهم هي جمع سهم ، وهو لغة لهد عدة معان منها : النصيب ، وجمعه : السُهمان ، بضم السين ، ومنها العود الذي يكون في طرفه نصل يرمي به عن القوس ، وجمعه : السهام ، ومنها : القدح الذي يقارع به ، أو يلعب به في الميسر ، ويقال : أسهم بينهم أي أقرع ، وساهمه ، أي باراه ولاعبه فغلبه ، وساهمه أي قاسمه وأخذ سهماً ، أي نصيباً ، جاء في المعجم الوسيط : ومنه شركة المساهمة ، وفي القرآن الكريم (فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ)[1] أي قارع بالسهام فكان من المغلوبين[2] .
والقانونيون يطلقون السهم مرة على الصك ، ومرة على النصيب ، والمؤدى واحد ، فباعتبار الأول قالوا : السهم هو : صك يمثل جزءاً من رأس مال الشركة ، يزيد وينقص تبع رواجها .
وبالاعتبار الثاني : قالوا : السهم هو نصيب المساهم في شركة من شركات الأموال ، أو الجزء الذي ينقسم على قيمته مجموع رأس مال الشركة المثبت في صلك له قيمة اسمية ، حيث تمثل الأسهم في مجموعها رأس مال الشركة ، وتكون متساوية القيمة[3].
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي (قرار رقم 63(1/7) أن المبيع …”هو حصة شائعة في موجودات الشركة ، وان شهادة السهم هي وثيقة لإثبات هذا الاستحقاق في الحصة ” .
فعلى ضوء ذلك فالسهم هو الصك ، أو الوثيقة التي تثبت حق صاحبها في حصة شائعة في موجودات الشركة ، وأصولها ، ومن المعلوم أن رأس مال الشركة المساهمة يقسم في البداية إلى أجزاء متساوية يمثل كل جزء منها سهماً ، ولكن السهم لا يمثل هذا الجزء من رأس المال فحسب ، وإنما يمثل كل موجودات الشركة بما فيها حقوق الترخيص والمنافع ونحوها ، بحيث تزيد قيمته أو تنخفض تبعاً لرواجها ، فالسهم يمثل نصيب المساهم في الشركة المساهمة[4].
وفي ظل التطور القانوني للشركات المساهمة ووجود الشخصية المعنوية لها أصبح القانونيون ينظرون إلى نوعين من الملكية في الشركة المساهمة ، حيث يقولون : إن الشركة باعتبارها شخصية اعتبارية مستقلة في ذمتها المالية هي التي تملك موجودات الشركة وحقوقها ، وهي التي تتصرف فيها ، ولذلك لا يملك المساهم حق التصرف في موجودات الشركة بعد التصفية ، وإنما المساهمون بمجموعهم يملكون الشركة نفسها[5].
وفي اعتقادي أن هذه المسألة فقهية فنية اعتبارية شبيهة بصنيع الفقه الإسلامي في الاعتراف بالذمة ونحوها من الأمور الاعتبارية ، ولكنها لا تغير عن الحقائق شيئاً كبيراً .
وتتميز الأسهم بكونها متساوية القيمة ، وأن السهم الواحد لا يتجزأ كما أنها تقوم من حيث المبدأ على المساواة في الحقوق والالتزامات ، وأنها قابلة للتداول ، ولكن بعض القوانين ـ مثل النظام السعودي ـ استثنى الأسهم المملوكة للمؤسسين حيث لا يجوز تداولها قبل نشر الميزانية إلاّ بعد سنتين ماليتين كاملتين ـ كقاعدة عامة ـ وكذلك لا يجوز تداول أسهم الضمان اليت يقدمها عضو مجلس الإدارة لضمان إدارته طوال مدة العضوية وحتى تنقضي المدة المحددة لسماع دعوى المسؤولية[6] .
حكم تقسيم رأس مال الشركة :
ومن الجدير بالتنبيه عليه أن تقسيم رأس مال الشركة إلى حصص وأجزاء ، واشتراط الشروط السابقة لا يتنافى مع المبادئ العامة للشريعة الإسلامية ، والقواعد العامة للشركة في الفقه الاسلامي ، إذ ليس فيها ما يتنافى مع مقتضى عقد الشركة ، بل فيها تنظيم وتيسير ورفع للحرج الذي هو من سمة هذه الشريعة ، وداخل ضمن الوفاء العام بالعقود : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)[7] وتحت قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( المسلمون عند شروطهم )[8] وفي رواية : ( والمسلمون على شروطهم إلاّ شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً )[9] قال الترمذي : ( هذا حديث حسن صحيح )[10] .
فهذه النصوص وغيرها تدل على أن كل مصالحة وكل شرط جائزان إلاّ ما دل الدليل على حرمته ، وعلى أن الأصل فيهما هو الاباحة ، وأن الحظر يثبت بدليل خاص ، يقول شيخ الاسلام ابن تيمية : ( وهذا المعنى هو الذي يشهد عليه الكتاب والسنة )[11] ويقول أيضاً : ( إن الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلاّ ما دل الدليل على خلافه .. فإن الكتاب والسنة قد دلا على الوفاء بالعقود والعهود ، وذم الغدر والنكث .. والمقصود هنا : أن مقتضى الأصول والنصوص : أن الشرط يلزم إلاّ إذا خالف كتاب الله … ) .
ولا يخفى أن هذه القواعد السابقة تجعل الفقه الاسلامي يقبل بكل عقد ، أو تصرف أو تنظيم مالي أو إداري مادام لا يتعارض مع نصوص الكتاب والسنة ، وقواعدها العامة ، وأن الشريعة الغراء تجعل كل حكمة نافعة ضالة المؤمن دون النظر إلى مصدرها أو اسمها ، وإنما الأساس معناها ومحتواها ، ووسائلها وغاياتها ، وما تحققه من مصالح ومنافع أو مضار ومفاسد .
خصائص السهم وحقوقه :
للأسهم عدة خصائصمن أهمها : تساوي قيمتها حسبما يحددها القانون ، وتساوي حقوقها ، وكون مسؤولية كل مساهم بقدر قيمة أسهمه ، وقابليتها للتداول ، وعدم قابلية السهم للتجزئة ، وأما حقوق السهم فهي حق بقاء صاحبه في الشركة ، وحق التصويت في الجمعية العمومية ، وحق الرقابة ، وحق رفع دعوى المسؤولية على الإداريين ، والحق في نصيب الأرباح والاحتياطيات والتنازل عن السهم والتصرف فيه ، والأولوية في الاكتتاب وحق اقتسام موجودات الشركة عند تصفيتها[12] .
أحكام الأسهم من حيث الحل والحرمة :
نذكر هنا باختصار أنواع الأسهم وحكم كل نوع بإيجاز مكتفياً في ذلك بذكر رأي المجمع إن وجد ، وإلاّ فأوجز القول في ذكر الآراء مع ذكر الراجح ، وقد صدر قرار من المجمع الفقه الإسلامي الدولي (قرار رقم 63(1/7) تضمن أحكام الأسهم بشيء من التفصيل نذكره لأهميته :
(( أولاً : الأسهم :
1 ـ الإسهام في الشركات :
أ ـ بما أن الأصل في المعاملات الحل فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز.
ب ـ لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم ، كالتعامل بالربا أو إنتاج المحرمات أو المتاجرة بها .
ج ـ الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرمات ، كالربا ونحوه بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة .
2 ـ ضمان الإصدار (UNDERWRITING) :
ضمان الإصدار : هو الاتفاق عند تأسيس شركة مع من يلتزم بضمان جميع الإصدار من الأسهم ، أو جزء من ذلك الإصدار ، وهو تعهد من الملتزم بالاكتتاب في كل ما تبقى مما لم يكتتب فيه غيره ، وهذا لا مانع منه شرعاً ، إذا كان تعهد كان تعهد الملتزم بالاكتتاب بالقيمة الاسمية بدون مقابل لقاء التعهد ، ويجوز أن يحصل الملتزم على مقابل عن عمل يؤديه ـ غير الضمان ـ مثل إعداد الدراسات أو تسويق الأسهم .
3 ـ تقسيط سداد قيمة السهم عند الاكتتاب :
لا مانع شرعاً من أداء قسط من قيمة السهم المكتتب فيه ، وتأجيل سداد بقية الأقساط لأن ذلك يعتبر من الاشتراك بما عجل دفعه ، والتواعد على زيادة رأس المال ، ولا يترتب على ذلك محذور لأن هذا يشمل جميع الأسهم ، وتظل مسؤولية الشركة بكامل رأس مالها المعلن بالنسبة للغير ، لأنه هو القدر الذي حصل العلم والرضا به من المتعاملين مع الشركة .
4 ـ السهم لحامله :
بما أن المبيع في (السهم لحامله) هو حصة شائعة في موجودات الشركة وأن شهادة السهم هي وثيقة لإثبات هذا الاستحقاق في الحصة فلا مانع شرعاً من إصدار أسهم في الشركة بهذه الطريقة وتداولها .
5 ـ محل العقد في بيع السهم :
إن المحل المتعاقد عليه في بيع السهم هو الحصة الشائعة من أصول الشركة وشهادة السهم عبارة عن وثيقة للحق في تلك الحصة .
6 ـ الأسهم الممتازة :
لا يجوز إصدار أسهم ممتازة ، لها خصائص مالية تؤدي إلى ضمان رأس المال وضمان قدر من الربح أو تقديمها عند التصفية .
او عند توزيع الأرباح ، ويجوز إعطاء بعض الأسهم خصائص تتعلق بالأمور الإجرائية أو الإدارية .
7 ـ التعامل في الأسهم بطرق ربوية :
أ ـ لا يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار أو غيره للمشتري لقاء رهن السهم ، لما في ذلك من المراباة وتوثيقها بالرهن وهما من الأعمال المحرمة بالنص على لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه.
ب ـ لا يجوز أيضاً بيع سهم لا يملكه البائع وإنما يتلقى وعداً من السمسار بإقراضه السهم في موعد التسليم ، لأنه من بيع ما لا يملك البائع ، ويقوي المنع إذا اشترط إقباض الثمن لينتفع به بإيداعه بفائدة للحصول على مقابل الإقراض .
8 ـ بيع السهم أو رهنه :
يجوز بيع السهم أو رهنه مع مراعاة ما يقضي به نظام الشركة ، كما لو تضمن النظام تسويغ البيع مطلقاً او مشروطاً بمراعاة أولوية المساهمين القدامى في الشراء ، وكذلك يعتبر النص في النظام على إمكان الرهن من الشركاء برهن الحصة المشاعة .
9 ـ إصدار أسهم مع رسوم إصدار :
إن إضافة نسبة معينة مع قيمة السهم ، لتغطية مصاريف الإصدار ، لا مانع شرعاً ما دامت هذه النسبة مقدرة تقديراً مناسباً .
10 ـ إصدار أسهم بعلاوة إصدار أو حسم (خصم) إصدار :
يجوز إصدار أسهم جديدة لزيادة رأس مال الشركة إذا أصدرت بالقيمة الحاضرة للأسهم القديمة حسب تقويم الخبراء لأصول الشركة ، أو بالقيمة السوقية .
11 ـ ضمان الشركة شراء الأسهم :
يرى المجلس تأجيل إصدار قرار في هذه الموضع لدورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة .
12 ـ تحديد مسؤولية الشركة المساهمة المحدودة :
لا مانع شرعاً من إنشاء شركة مساهمة ذات مسؤولية محدودة برأس مالها ، لأن ذلك معلوم للمتعاملين مع الشركة وبحصول العلم ينتفي الغرر عمن يتعامل مع الشركة .
كما لا مانع شرعاً من أن تكون مسؤولية بعض المساهمين غير محدودة بالنسبة للدائنين بدون مقابل لقاء هذا الالتزام ، وهي الشركات التي فيها شركاء متضامنون وشركاء محدودو المسؤولية .
13 ـ حصر تداول الأسهم بسماسرة مرخصين واشتراط رسوم للتعامل في أسواقها:
سماسرة مخصوصين يجوز للجهات الرسمية المختصة أن تنظم تداول الأسهم بأن لا يتم إلاّ بواسطة ومرخصين بذلك العمل لأن هذا من التصرفات الرسمية المحققة لمصالح مشروعة .
وكذلك يجوز اشتراط رسوم لعضوية المتعامل في الأسواق المالية لأن هذا من الأمور التنظيمية المنوطة بتحقيق المصالح المشروعة )).
أنواع أخرى من الأسهم:
وهناك أنواع أخرى تنبثق عن الأسهم باعتبارات متعددة:
أ ـ أنواع الأسهم من حيث إرجاع قيمتها : تنقسم بهذا الاعتبار إلى نوعين [13]:
1 ـ أسهم رأس المال : وهي التي تبقى قيمتها إلى حين التصفية النهائية ، فهذه الأسهم حكمها من حيث المبدأ الجواز مع ملاحظة ما ذكرناه ، وما سنذكره من حكم كل نوع ، وهي الأصل والقاعدة في الشركات .
2 ـ أسهم تمتع : وهي الأسهم التي ترد قيمتها تدريجياً ، أو مرة واحدة قبل انقضاء الشركة ، او بعبارة الاقتصاديين : تستهلك قيمتها في حياة الشركة دون انتظار لانتهاء أجلها وتصفية موجوداتها ، ويعتبر استهلاك السهم عملية استثنائية .
وهذا النوع في الغالب يكون في الشركات التي تكون محددة بفترة زمنية ثم تفنى أصولها كشركات السفن ، أو التي لا يتوقع أن تبقى عند انقضائها أصول توزع على المساهمين ، مثل شركات الامتياز للبترول أو المعادن التي يعطى لها حق الامتياز لفترة محددة ، والتزمت بأيلولة ما تملك إلى الحكومة ـ مثلاً ـ ، وحينئذٍ تعمل على تعويض المساهمين بإعادة القيمة الاسمية إليهم قبل انقضاء الشركة إضافة إلى الأرباح إن وجدت .
وهذه الأسهم لا تسمح بإنشائها كثير من القوانين الوضعية إلاّ إذا كان غرض الشركة يتعلق باستغلال موارد الثروة الطبيعية أو مرفق عام ممنوح لمدة محددة ، أو كانت أصولها مما يستهلك بالاستعمال ، أو يزول بعد مدة معينة وهذا النوع لصاحبه حق التصويت في الجمعية العمومية ، والحصول على نصيب من الأرباح ، بل وموجودات الشركة إن بقيت .
وقد اختلف القانونيون في تكييف هذا الاستهلاك ، فبعضهم يرى أن عبارة عن توزيع الأرباح ، وبعضهم يقول : إنه رد لرأس المال الذي قدمه المساهمون ، وثالث يقول : إنه يعتبر “وفاء معجلاً” لنصيب المساهم في رأس مال الشركة إلى غير ذلك مما لا يسع المجال لطرح أدلة كل فريق ومناقشته .