لم يكن القانون الروماني يعرف التعويض عن الضرر المعنوي إلاّ عندما تقدمت الحضارة الرومانية ، حيث مهمة القاضي ترمي إلى حماية المصالح التي يمكن ان تقع تحت طاولة القانون ، وكان قانون القصاص هو السائد ، وبمرور الزمن أصبح للنقود وظيفة أخرى هي وظيفة الترضية ، إذ أصبح للمضرور الحق في التعويض على الأضرار المعنوية وأقر القانون الروماني ذلك في مجالات واسعة ، ولا سيما أواخر عهده .
وفي القانون الفرنسي القديم يذهب فقهاؤنا إلى التفرقة بين المسؤولية التقصيرية التي كانوا يجيزون التعويض عن الضرر المعنوي فيها ، وبين المسؤولية العقدية التي لم يكونوا يجيزون ذلك ، وظل الأمر كذلك إلى عهد دوما ، وبوتييه اللذين ظلا يرفضان ذلك حتى انعكس ذلك في القانون 1804 ، غير أن الفقهاء الفرنسيين تغير موقف أكثرهم فيما بعد ذلك لصالح التعويض المعنوي مطلقاً وبالأخص منذ حكم الغرف المجتمعة بتأريخ 15/6/1833م حيث صرح الفقه والقضاء بمبدأ التعويض عن الأضرار المعنوية ، وبدأت القوانين الحديثة تنص عليه في نصوصها ، فقد نصت المادة 46 من قانون الصحافة الفرنسي الصادر في 29/1887م على التعويض المعنوي ، ثم في قانون آخر حول مسالة الإهانة والقذف في 12/7/1905 ، ثم في القانون الصادر في 2م4م1941 المتعلق بالطلاق أضاف إلى المادة 301 من التقنين المدني فقرة أصبح بموجبها الحق للزوج المحكوم لصالحه على تعويضات عن الضرر المادي ، والضرر المعنوي الذي لحقه من جراء فك عصمة الزواج وكذلك أخذ به القانون الانجليزي .
ولم يأخذ به القانون الألماني والإيطالي إلاّ في حالات معينة منصوص عليها في القانون وعلى ضوء ذلك ، فالتعويض المعنوي يعتبر استثناء في نظرها .
وفي مصر لم يكن هناك نص في القانون يقضي بالتعويض عن الضرر المعنوي ، لكن الفقه والقضاء كانا مستقرين على تعويضه حتى جاء القانون المدني الجديد في 1949 الذي حسم المسألة وأقر التعويض عن الضرر المعنوي في المسؤولية التقصيرية ، والعقدية بوضوح في المادة 222/1 ، وبذلك تساوى الضرر المادي ، والضرر الأدبي من حيث وجوب التعويض في القانون المصري .
وسارت معظم القوانين العربية على هذا المنوال .
ومن خلال هذا العرض يتبين لنا أن التشريعات الحديثة هي التي تثبت بوضوح فكرة التعويض عن الضرر المعنوي ، وأن هذا التطور قد تحقق بسبب التطور الذي حدث للعالم في كل مجالات الحياة .