وإذا نظرنا إلى التأريخ الإنساني وتجاربه نرى أن أكبر المشاكل والمصائب تكمن بين طرفي الأمر الافراط والتفريط ، فإما أن يفتح الباب على مصراعيه دون قيود ولا ضوابط فيؤدي ذلك إلى الفوضى الشاملة ، أو يغلق الباب غلقاً محكماً ، ويسدّ بالمسمار لمنع أي تسرب حتى للهواء الطلق ، فيفسد ما في داخله .

  ومن جانب آخر فإن الافراط ، أو التفريط نفسه إنما يحدث لدى التحقيق وفي معظم الأحيان بسبب النظرة الأحادية إلى الشيء ، والانحسار في دائرة واحدة أو زاوية واحد أو حتى مجموعة من الزوايا ، ولكن دون نظرة شمولية جامعة تحيط بذات الشيء وواقعه ومقاصده ، ووسائله ، وبما يترتب عليه من نتائج أو ما يسمى بفقه الواقع ، وفقه المآلات ، وسد الذرائع .

  ونحن نحاول في هذه المسألة الخطيرة أن نطبق هذه المنهجية القائمة على النظرة الشمولية الجامعة على ضوء النقاط الآتية :

أولاً ـ المرأة باعتبار إنسانيتها ، وحقوقها الإنسانية مساوية للرجل تماماً ، فهي مُكَرَّمّةٌ مثل الرجل ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ )[1] ولفظ بني آدم يشمل الذكور والاناث  بالاجماع ، فلا يجوز التقليل من شأنها ، ولا التمييز بينها وبين الرجل في كرامتها ، والحفاظ على حقوقها ، وأمام القضاء ، وفي حريتها الفكرية والدينية والتعبدية ، وحتى إنها تزيد على الرجل في انها لا يجوز قتلها في ساحات القتال ، ولا بسبب ردتها عند الحنفية حيث تحبس [2].

  وكذلك فهي مساوية للرجل في اهليتها المالية الكاملة ( وجوباً وأداءً ) التي لم تصل إليها التشريعات والقوانين إلاّ في القرن العشرين[3] ، بل حتى في أهليتها الشخصية حيث لها القدرة على تزويج نفسها وغيرها عند جماعة من الفقهاء قديماً وحديثاً.

  فالمرأة في الإسلام ليست تابعة لا في دينها ولا في نسبها ، ولا في اهليتها وأموالها لأحد ، حتى ولا لزوجها ـ كما هو الحال الآن في الغرب ـ بل هي الجزء المكمل للحياة الإنسانية ، ولذلك سماها الله تعالى مع الرجل : الزوج ـ والزوج يتكون من عددين متساويين ، لها الحرية الكاملة مثل الرجل في فكرها ، وإرادتها ، واختياراتها.

  ولكن الحرية في الإسلام ليست مطلقة لا للرجل ولا للمرأة ، بل منضبطة بضوابط القيم العليا والأخلاق الفاضلة .

  فهذه المساواة هي التي منحها الإسلام دون مطالبة من اتحاد نسائي أو مظاهرات في الوقت الذي كانت المرأة ينظر إليها باعتبارها شراً لا بدّ منه ، أو متاعاً يورث ، فقال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[4] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر وصية له : ( ألا واستوصوا بالنساء خيراً ………   )[5]  .

ثانياً ـ هل المرأة مثل الرجل في كل شيء  ؟

 الجواب الطبيعي والواقعي الذي لا يختلف فيه اثنان هو أنه : ( وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى )[6] ولا الانثى كالذكر .

 هذه حقيقة لا يمكن أن ينكرها أحد لا عقلاً ولا طبعاً كياناً وخِلقَة ، ولا من حيث وظائف الأعضاء ( الفسيولوجي ) من النواحي الآتية :

  1. الرجل يتكون عند الخِلقة من Y+X في حين أن المرأة تتكون من X+X

  2. الاختلاف على مستوى الخلايا ، فالحيوان المنوي له رأس مدبب ، وعليه قلنسوة مصفحة ، وله ذيل طويل سريع الحركة يسعى للوصول إلى هدفه أو يموت ، أما البييضة[7] فهادئة ساكنة ، باقية في مكانها لا تبرحه منتظرة للحيوان المنوي السعيد الذي ينجو بين مئات الملايين من الحيوانات المنوية ، إذن فكل واحد من الحيوان المنوي الخارج من الرجل وبييضة المرأة يعبر عن خصائص صاحبه[8] .

  3. الاختلاف على مستوى الأنسجة والأعضاء ، والخلايا ، يقول الدكتور البار : ( والفرق تراه في الرجل البالغ ، والمرأة البالغة ، كما تراه في المنوي والبويضة … ليس في ذلك فحسب ، بل ترى الفرق في كل خلية  من خلايا المرأة ، وفي كل خلية من خلايا الرجل … ، وإذا أردنا أن نقلب الموازين ـ وكم من موازين قد قلبناها ـ فإننا نصادم بذلك الفطرة التي فطرنا الله عليها ، ونصادم التكوين البيولوجي والنفس الذي خلقنا الله عليه)[9].

    وحتى في مجال الدم فإن الخلايا الدموية البيضاء للرجال بين 4000و8000 كرية /مم3 ، وللنساء 4000و7000 كرية/مم3 …[10] .

  4. الفروق الهرمونية وعمل الغدد الصماء ، فمثلاً للرجل الخصية التي تفرز الهرمونات المذكرة ( تستستيرون ) وللأنثى المبيض التي تعتبر من وظيفتها الرئيسية : تكوين وطرح البييضات ، وإفراز الهرمونات الأنثوية (الاستروجين ، البروجسترون ، الريلاكسين ) .

    فهرمون الاستروجين يعتبر مسؤولاً عن زيادة وتكاثر الأنسجة ومسؤولاً عن تركيز الشحم للمراة وإلى زياة الشعر في فروة الرأس وتقليله في الجسم ، في حين أن هرمون التستستيرون في الرجل يؤدي إلى تركيز البروتين في العضلات ، كما أن  هرمونات الرجولة أكثر ميلاً للعدوان من هرمونات المرأة .

  5. الحيض الذي تتراوح مدته من يوم وليلة إلى سبعة أيام ، والذي له علاقة مباشرة بالتركيب الجسدي والنفساني للمرأة ، حيث ينخفض الخصاب الدموي قليلاً ، كما ينخفض تعداد الكريات الحمراء ، وتركيز جديد للمصل الدموي ، أما أثناء الطمس ( أي ما بين 2-7 أيام أي 5 أيام في الغالب ) فتنخفض مقاومة البدن العامة مع انخفاض معتدل في عدد الكريات البيضاء ، وارتفاع سرعة التنقل الدموي ، ومن آثار ذلك التوتر العصبي والنفسي ، وسرعة الإثارة ، والكآبة ، والقلق ، وقد تصاب بعض النساء بالصداع النصفي ، وفقر الدم ( الانيميا ) بسبب النزف الشهري الدموي حيث تفقد ما بين 60ملل و240 ملل ، وإصابة الغدد الصماء بالتغير أثناء الحيض ، كل ذلك له دوره في العمل والتفكير والإنتاج[11] وصدق الله تعالى إذ يقول : (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)[12] ولذلك خفف الله تعالى عليها الصلاة فلا تصلي أثناء الحيض ولا يجب عليها القضاء ، وكذلك تؤخر الصيام .

 

تأثير الحمل والولادة والنفاس والرضاعة :

  حيث تصاب الحامل بفقر الدم ، ويتحمل القلب الحامل أضعاف ما يتحمله قبل الحمل إذ يقوم بدورتين دمويتين كاملتين ، دورة للأم ، ودورة للجنين ، حيث يضخ القلب قبل الحمل حوالي 6500 لتر يومياً ، أما عند الحمل وبالأخص قبل نهايته فتصل الكمية التي يضخها القلب إلى 15000 لتر يومياً ، وقد عبّر ـ عما سبق ، وعن غيره مما ذكره الأطباء وما لا يسع المجال لذكره هنا ـ بدقة قوله تعالى : ( …. حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ )[13] وحقاً إنه ضعف في كل الجوانب على ضعف .

  وكذلك الحال بالنسبة لفترة النفاس ، وأما في حالة الرضاع فالأم بحاجة إلى التفرغ لرضاعة وتربية ولدها لمدة عامين على الأقل ، ولذلك طالب تقرير منظمة الصحة العالمية المنشور عام 1981م ، طالب حكومات العالم بتفريغ المرأة للمنزل والرضاعة ، ودفع راتب شهري لها إذا لم يكن لها من يعولها[14] .

  وهناك فوارق أخرى تخص نوعية التفكير والمخ ، فقد ذكرت مجلة العلوم الأمريكية    ( Seientifc American ) في عدد مايو/ أيار 1994 بحثاً بعنوان ( الفوارق في الدماغ بين الزوجين ) للدكتورة دورين كيمورا ، أستاذة علم النفس ، وزميلة الجميعة الملكية الكندية في عام 1992 ، حيث استعانت بتجارب كثيرة ونتائج تجارب لعدد من المتخصصين في هذا المجال مثل ( V.N واطسون) بجامعة غربي ابتارو و ( M . إيك) جامعة يورك ، ودراسة ( A.R كورسكي) وزملائه من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس ، وغيرهم ، وتوصلت إلى ما يعتبر اكتشافاً مذهلاً ، وهو ( أن تخزين المعلومات والقدرات في الدماغ يختلف في الذكر عن الأنثى ، ففي الفتى تتجمع القدرات الكلامية في مكان مختلف عن القدرات الهندسية والفراغية بينما هي موجودة في كلا فصي المخ لدى الفتى …. )[15] .

  وقد عرضت مجلة تايم الأمريكية في 31 يوليو 1995 ص 39 نتيجة دراسة علمية تتمثل في عرض صورة لدماغ المرأة عندما تستغرق في الحديث والكلام ، وحينئذ ينشغل كلا جانبي المخ تماماً ، فيستخدمان في معالجة اللغة ، كما عرضت صورة لدماغ الرجل عند حديثه فلم يستعمل إلاّ جانباً واحداً منه مما يجعله أكثر تخصصاً ودقة لأنه عند الحديث يستعين بالجزء الثاني من دماغه للتذكير في حين ينشغل الجزءان من مخ المرأة عند الكلام وهذا [16] ـ والله أعلم ـ هو السر في قوله تعالى : ( فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى)[17] .

 

المقصود بهذا العرض :

  المقصود بهذا العرض ليس تفضيل الرجل على المرأة ، ولا العكس ، وإنما بيان وجود فوارق طبيعية وخلقية وبدنية ، وهرمونية ، وعناصر حيوية ، وبالتالي لا بدّ أن يكون لها آثارها في نطاق العمل والاستخلاف والاستعمار الذي خلقنا الله تعالى لأجله بعد أداء العبودية لله تعالى التي لا يختلف فيها الرجل عن المرأة ، وإنما الاختلاف في مجال توزيع الأدوار لتحقيق عمارة الأرض .

  فلا يجوز عقلاً ولا شرعاً إهمال هذه الفوارق في مجال تعمير الكون الذي هو يتكون أساساً من الزوجين في كل شيء ، زوجية محققة للتوازن  فقال تعالى : ( وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ)[18] .

  وهنا يأتي الجواب بأن الحل هو المنهج الوسط الذي يراعي أصل المساواة ، ويراعي كذلك الفوارق المذكورة ، ويراعي كذلك التزاوج والتكامل للوصول إلى أسرة موزونة ، وبالتالي مجتمع موزون وأمة موزونة ، وعندما يتحقق هذا  التوازن للكون الموزون الذي وضع فيه كل شيء منه بمقدار ، وروعي فيه حجم الصغير والكبير ، والثقيل والخفيف ، ووضع كل شيء في مكانه واستفيد منه لتحقيق دوره الرائع .

وهذا ما سنتحدث عنه :

الذكر والانثى تزواج وتكامل لا انفصام ولا تضاد ولا فصال :

  الرجل والمرأة سماهما القرآن الكريم ( الزوج ) وهذا يعني أنهما مشروع واحد يتكون من عنصرين متوازنين متساويين اسمه الإنسان ، بل الكون كله يتكون من الزوج والشفع ، من السالب والموجب ، والذكر والانثى ، فقال تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ)[19] .

  فكل ما في الكون شفع وزوج ، والوتر الوحيد هو الله تعالى الواحد الأحد ، فقال تعالى : ( وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)[20] .

   فكما أن الموجب يكمل السالب ، وبالعكس ، وأننا لا نستطيع أن نقول إلاّ أن كل واحد منهما يكمل الآخر ، فالكهرباء مثلاً إنما يتكون من سالب وموجب وأنه لا يمكن تحقيق الاضاءة والقوة والطاقة إلاّ بهما معاً ، وهكذا الإنسان والأسرة والمجتمع والأمة والحضارة ، والاستعمار والاستخلاف لا يتحقق إلاّ بالرجل والمرأة .

   فإذا كان الإنسان نفسه ـ بعد آدم وحواء ـ لا يوجد ولا يخلق إلاّ من مشروع مشترك متناصف بين الرجل والمرأة حيث يتكون من نطفة أمشاج يتمثل فيها دور المرأة بـ 23 كرموسوماً ، ودور الرجل كذلك بـ 23 كرموسوماً ، إذن كيف يدعي أحدهما أنه أفضل من الآخر في هذا البنيان المشترك ، وهكذا الأمر عند الله تعالى فالميزان عنده هو العمل الصالح والتقوى فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[21] وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ )[22] .

 

توافق الشريعة مع طبيعة الجنين :

  فالرجل والمرأة ـ كما هو الحال في الكون كله حيواناً ونباتاً وجماداً ـ في نظر الإسلام مخلوق لخالق واحد مبدع عالم حكيم ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )[23] فإذا كان التناقض والتصادم والتضاد غير موجود في هذا الكون الشامل فكيف يكون ذلك موجوداً في أعظم خلقه الذي خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه ، وجعله في أحسن تقويم وأجمل صورة ومنحه من صفاته الكثير والكثير ، ولذلك فقضية الذكر والأنثى ، والسالب والموجب هي قضية الكون كله .

  وإذا كان الكون الجمادي والنباتي والحيواني ـ ما سوى الإنسان والجنّ ـ يسير على أحسن نظام ، وتوزعت الأدوار لكل شيء ، فكل جزء منه من الذرة إلى المجرة له دوره المرصود ، حيث جبله الله تعالى على سنن وقواعد لا يتخلف عنها ( ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ )[24] فإن الله تعالى أنزل شرائعه التي انتهت بشريعة الإسلام الخالدة الشاملة الكاملة ليسير المجتمع الإنساني على هذا النظام المبدع الدقيق الذي كل شيء فيه بقدر ، وكل شيء له وزنه ، حتى يكون المجتمع الإنساني المسلم أيضاً موزوناً قادراً على تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة ، وعلى تعمير الكون في ضوء منهج الله تعالى .

وعلى ضوء ذلك نصل إلى ما يأتي :

  1. إن الشريعة كما أنها توافقت مع الكون كله حيث فيه الثوابت والمتغيرات ، فكذلك الشريعة فيها الثوابت والمتغيرات ، وكذلك الإنسان الذي فيه ثوابت من حيث خلقته وعواطفه وفكره ، ومتغيرات في التجدد[25] ، كذلك الأمر في موضوع أحكام الشريعة الخاصة بالرجل والمرأة ، فكيف لا يكون كذلك ؟ فالشريعة من الله تعالى ، والكون مخلوق لله تعالى ، فهو كتابه المقروء  والثاني كتابه المفتوح ، ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )[26] .

  2. الرجل والمرأة جزءان من مشورع واحد هو الإنسان ، فهذه الزوجية ( الذكر والأنثى مثل السالب والموجب ) موجودة في كل ما في هذا الكون .

  3. توزيع الأدوار على كل واحد منهما لتحقيق التكامل وذلك بأن يوضع كل شيء في محله بكل دقة وحكمة .

  4. الابتعاد عن هضم حقوق المرأة ( التفريط ) .

  5. عدم الافراط بالزيادة ، أو إعطاء دور للمرأة ليس من تخصص المرأة أو للرجل ليس من تخصصه ، وحينئذ يكون وضعاً للشيء في غير محله ، وقلباً للسنن فيختل النظام .

  6. تحقيق التوافق بين الفطرة ، لا الاصطدام معها ، والتناغم والتكامل والترابط والتزاوج بين طرفي المشروع ( الإنسان ) بعيداً عن الصراع والتضاد والعداء والخصومة ، فالمرأة من الرجل ، والرجل من المرأة ، وكلاهما من جنس واحد ، من آدم ، وآدم من تراب ، لتحقيق السكنى والاستقرار والمحبة والألفة والرحمة ، والسعادة فقال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[27] .

  فالإسلام يريد الفرد السعيد المستقر المتزن ، والأسرة السعيدة المستقرة المتحابة والمتراحمة المتزنة في حين يريد المغالون دعاة حقوق المرأة اعلان حرب شعواء ضد الرجل وبالأخص الناشطات اللائي يطالبن بالقتال من أجل عالم بلا رجال ، وبعضهنّ طالبن بتقطيع أوصال الرجال إرباً إرباً [28]، فقد ألفت الكاتبة الأمريكية دورثي رو ، كتاباً سمته :   ( العدوّ ) أي الرجل ، حيث تقول لتأصيل هذا العداء : ( إن المرأة في بدايات الحياة البشرية عندما رأت الرجل مخلوقاً مخيفاً ، له جثة ضخمة مغطاة بالشعر مكتظة بالعضلات ، ومن عينيه نظرة وحش مفترس … خافت منه ، وهنا وقعت في الخطأ الكبير الذي سبب العذاب لكل النساء فيما بعد … لأن خوفها قادها أن تستسلم وتخضع له … ، فبدأت تتملقه اتقاء لشره ، وبذلك علّمت الرجل الغرور والاحساس بالقوة ، وأتاحت له فرصة السيطرة والتسلط ، فأصبحت المرأة في مركز التابع للمتبوع )[29] .

  وتؤكد رائدة الحركة النسوية الانجليزية اليزابيث ستانتون ، أن الرجل يتسم بطبع قاس وأناني وعنيف ومغرور ، ويحب الشرّ والعنف والدمار[30] ، بل اتجهت معظم الحركات الانثوية الغربية في القرن العشرين نحو تحميل الرجل كل معاناتها ، وردّ عليها بعض المفكرين الرجال بأفضلية الرجال والمبالغة في ذلك ، فأصبحت هذه المسألة سجالاً ، ونالت الأسرة نفسها كثيراً من آثار هذه المعركة منها رفض الأمومة والانجاب ، بل رفض الأسرة نفسها ، أو تفككها وإباحة الاجهاض والشذوذ الجنسي ، والغاء دور الأب ، فأصبح الصراع ، واثبات الذات ، والهيمنة أساساً في التعايش بدل الرأفة والرحمة والسكنى والتوزيع الأدوار كما يريده الاسلام .

  والحق أن ما قامت به الحركات النسوية الغربية في القرنين السابقين كان ردّ فعل لنظرة الدونية السائدة في الغرب في القرون الوسطى وما يليها حيث ـ كما تقول زيغرد هونكه : ( إن موقف الرجل الأوربي من المرأة ، ونظرته إليها كانت تتسم بالازدواجية والنفاق ، والشهوانية والتسلط ، والتضارب في المفاهيم والأفعال )[31] بل لم تكن القضية تنحصر في دائرة النظرة بل تجاوزت إلى استعمال كافة مشاكل العنف النفسي والجسدي ، والجنسي معها ، ففي أمريكا تشير أرقام سنة 1984م إلى أن 2928 حادثة قتل تمت داخل الأسرة الواحدة ، وأن أكثر من ثلثها قتلن على يد الزوج أو الخليل ، وتذكر أوردين ، ونزبيت ، أن أكثر من مليوني امرأة سنوياً في أمريكا تبلغ الشرطة عن حادث اعتداء زوجها ، أو خليلها عليها ، وأن 4 نساء يومياً يقتلن بسبب الضرب المبرح ، و1.5 مليون زيارة للنساء للطبيب سببها اعتداء الزوج أو الخليل ، وهذا ما بلغ به الشرطة ، أما ما لم يبلغ به فيتوقع أن يكون نسبة ليست قليلة ، وفي بريطانيا تصل نسبة ضحايا الزوج والخليل من النساء القتيلات إلى 50%  وأنه في كل دقيقة تغتصب امرأة في أمريكا[32] .

   ومن جانب آخر فإن الفلسفة السائدة في الغرب ( وبالأخص أوروبا ) هي الفلسفة الفردية الانانية ، والذرائعية الميكافيلية ، والنفعية القائمة على اللذة التي جعلت المرأة بمثابة متاع للتمتع والاستعراض والاعلانات ، وزاد الطين بلة تأثر المجتمعات الأوربية بفلسفة الصراع ، وخلق التناقض بين الأمم والمجتمعات ، وهي فلسفة تؤكد ذلك الصراع حتى بين الله تعالى والإنسان ، حيث إن الأسطورة اليونانية تقول إن برميثوس هو الذي سرق النار المقدسة من الآلهة[33] حيث أثرت هذه الفلسفة الصراعية على العلاقات الأسرية والاجتماعية وحتى بين الأمم ، يقول الشيخ سعيد النورسي : ( أوغلت الفلسفة في ضلالها حتى اتخذت دستور الصراع هذا حاكماً مهيمناً على الموجودات كافة فقررت …. أن الحياة كلها جدال وصراع … )[34] .

  

ما يترتب على هذه المنهجية الموزونة :

  يترتب على هذه المنهجية التي أصلها الإسلام ، وفكره الصحيح القائم على الوسطية والواقعية والدقة ـ كما سبق ـ ثلاثة أمور : أولاً ـ أن الأصل هو المساواة كما دلت على ذلك الايات التي ذكرناها ويؤكدها قول الرسول صلى الله عليه وسلم  : ( النساء شقائق الرجال )[35] ، وثانياً : أن العدل هو مراعاة الفروق التكوينية لكلا الجنسين التي ذكرناه ، واعتبارها اه\ختلاف تنوع وتكامل ، لا اختلاف تعارض وتضاد وتصارع .  وثالثا : تطبيق المنهج الصحيح القائم على الجمع والشفع والتوافق البعيد عن النظرة الاحادية إلى النصوص ، وذلك من خلال توزيع الأدوار .

 

أولاً ـ المساواة :

  وبما أن الرجل والمرأة من نفس واحدة ، ولهما خصائص مشتركة ، وصفات منوافقة ، وبهذا الاعتبار فالمرأة مثل الرجل فيما يأتي :

  1. المساواة في الحقوق ، حيث إن كلاً من الرجل والمرأة يتمتع بحقوق متساوية مع الآخر في شتى مجالات الحياة .

  2. المساواة في جميع ما يخص أمور الآخرة من الأجر والثواب والجنة والنار ، وفي العقيدة والشعائر إلاّ ما خففت على المرأة بسبب ظروف الحيض والنفاس ، والحمل والرضاعة ونحوها .

  3. المساواة في الاستخلاف في الأرض ، إن الآيات الواردة في القرآن الكريم حول الاستخلاف واستعمار الأرض لم تفرق بين الرجل والمراة ، ولم تستثن المرأة من هذه الوظيفة العظيمة التي كلف بها الانسان ، بل لا يمكن تعمير الأرض إلى بشقي الانسان وهما الذكر والانثى ، فقال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[36] ولذلك اتفق الفقهاء على أن الخطابات العامة التكليفية شاملة للذكر والأنثى حتى ولو كانت بألفاظ تستعمل في الجمع المذكر ، إلاّ ما استثنى بنص خاص .

    يقول ابن حزم : ( لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى الرجال والنساء بعثاً سوياً ، وكان خطاب الله تعالى وخطاب نبيه صلى الله عليه وسلم للرجال والنساء خطاباً واحداً لم يجز أن يخص بشيء من ذلك الرجال دون النساء إلاّ بنص جلي ، أو اجماع ، لأن ذلك تخصيص للظاهر ، وهذا غير جائز)[37] .

       ومن هنا حينما طلبت المرأة في عصر الرسالة تخصيصها بالذكر نزلت الآيات استجابة لها ، فقال تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[38] وقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[39] ومن هنا جاء استعراض القرآن لقصة ملكة سبأ بصورة تنبئ عن الاشادة بحكمتها وسياستها ، بل تأكيد قولها وتخليده حينما قالت : ( قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ) فقال تعالى مؤكداً هذه الحكمة : ( وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)[40] .

      وأعتقد أن اثبات هذا الأمر ( المساواة في الاستخلاف من يث المبدأ يساعدنا كثيراً في تأصيل جواز المراة أن تتولى من وظائف الاستخلاف ما لم يكن هناك نص خاص يمنعها من ذلك .

  4. المساواة في الولاية والموالاة ، مما لايختلف فيه أحد أن الموالاة التي فرضها الله تعالى على المسلمين شاملة للذكر والانثى ، وكذلك الولاية فقال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[41] ومن المعلوم أن هذه الولاية تشمل كل جوانب الحياة ، وعلى رأسها الولاية السياسية من حيث المبدأ .

  5. المساواة أمام القانون والقضاء .

  6. المساواة في حرية الاعتقاد والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[42] ويقول تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[43] ويقول تعالى 🙁 إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)[44] .  

  7. المساواة في الحقوق الاجتماعية والمدنية .

  8. المساواة في أهلية الأداء الكاملة ، حيث لها ذمة مالية مستقلة  التملك والتصرف وإجراء العقود المالية ونحوها[45] ، علماً بأن هذه الأهلية لم تعترف بها القوانين الرومانية والغربية إلاّ في وقت متأخر ، فعلى سبيل المثال إن القانون الفرنسي اعرتف بها في عام 1938م .

  9. المساواة في الحقوق المالية ، حيث إذا نظرت إلى الواجبات المفروضة على الرجل فإن الفروق الموجودة في الارث معوضة تماماً من خلال النفقة ، والتزامات الرجل.

       إضافة إلى أن هناك حالات يتساوى فيها الرجل والمرأة ، وفي بعضها تكون حصة المرأة أكثر منه

  10. المساواة في ابدءا الرأي ووجوب الاستماع إلى رأيها ، ويدل على ذلك ما دار بين الخنساء بنت خزام الأنصارية وبين النبي صلى الله عليه وسلم حيث ذكرت : ( أن أباها زوجها من ابن أخيه دون إذن منها ، فجعل صلى الله عليه وسلم ( الأمر إليها) وحينما علمت بهذا الحق قالت : قد أجزت ما صنع أبي ، ولكني أردت أن أعلم أللنساء من الأمر شيء ؟ وفي رواية ابن ماجه صححها الحافظ الهيثمي قالت : ولكني أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء )[46] .

  وفي مجال الزوجية أمر الله تعالى الزوجين أن تتم الأمور بينهما عن تراض منهما وتشاور فقال تعالى : ( فإن أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا )[47] وقصة المرأة التي وقفت أمام عمر فعارضته في تحديد المهر فقالت : (ما ذلك لك ) قال عمر : ( ولم ؟ ) قالت : ( إن الله قال : ( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً )[48] فرجع عمر عن رأيه وقال : ( كل أحد أفقه من عمر )[49] .

 

ثانياً ـ عدم المساواة في بعض الأمور ( اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد ) :

  وبما أن المرأة تختلف في التكوين والخلقة والهرمونات عن الرجل ـ كما سبق ـ اختلاف تنوع ، لا اختلاف تضاد ، ومن باب توزيع الأدوار .

  وهذا الاختلاف في بعض الأمور الخاصة بالأعمال التي لا تتناسب مع فطرتها ، وبالأخص في موضوع الحقوق السياسية التي هي موضوع بحثنا .

 

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1])  سورة الاسر