كثر الحديث حول مسألة الصيام والصلاة في المناطق التي فيها طول الوقت، أو عدم التمايز، ولذلك فنحن نذكر القرارات التي صدرت عن المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الاسلامي في 10/4/1402 هـ، وفي 19/ رجب 1406 ثم نتبعهما بفتوى مكملة:

القرار الأول في عام 1402هـ  حول أوقات الصلوات والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية الدرجات ، هذا نصه :

(( الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع في جلسته الثالثة صباح يوم الخميس الموافق 10/4/1402هـ المصادف 4/2/1982م. على قرار ندوة بروكسل 1400هـ/1980م. وقرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية رقم (16) في 21/4/1398هـ فيما يتعلق بمواقيت الصلاة والصوم، في الأقطار التي يقصر فيها الليل جدًّا في فترة من السنة، ويقصر النهار جدًّا في فترة، أو التي يستمر ظهور الشمس فيها ستة أشهر وغيابها ستة أشهر. وبعد مدارسة ما كتبه الفقهاء قديمًا وحديثًا في الموضوع قرر ما يلي:

تنقسم الجهات التي تقع على خطوط العرض ذات الدرجات العالية إلى ثلاث:

الأولى : تلك التي يستمر فيها الليل أو النهار أربعًا وعشرين ساعة فأكثر بحسب اختلاف فصول السنة. ففي هذه الحال، تقدر مواقيت الصلاة والصيام وغيرهما في تلك الجهات، على حسب أقرب الجهات إليها، مما يكون فيها ليل ونهار متمايزان في ظرف أربع وعشرين ساعة.

الثانية: البلاد التي لا يغيب فيها شفق الغروب حتى يطلع الفجر بحيث لا يتميز شفق الشروق من شفق الغروب، ففي هذه الجهات يقدر وقت العشاء الآخرة والإمساك في الصوم، ووقت صلاة الفجر، بحسب آخر فترة يتمايز فيها الشفقان.

الثالثة: تلك التي يظهر فيها الليل والنهار خلال أربع وعشرين ساعة، وتتمايز فيها الأوقات إلا أن الليل يطول فيها في فترة من السنة طولاً مفرطًا ويطول النهار في فترة أخرى طولاً مفرطًا.

ومن كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس، إلا أن نهارها يطول جدًّا في الصيف، ويقصر في الشتاء، وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعًا، لعموم قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)[الإسراء:78]. وقوله تعالى: ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)[النساء: 103]. ولما ثبت عن بريدة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة، فقال له: “صَلِّ مَعَنَا هَذَين”. يعني اليومين، فلما زالت الشمس أمر بلالاً، فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما أن كان اليوم الثاني، أمره فأبرد بالظهر فأبرد بها، فأنعم أن يبرد بها، وصلى العصر والشمس مرتفعة آخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها، ثم قال: “أين السائلُ عن وقتِ الصَّلاةِ؟”. فقال الرجل: أنا يا رسول الله. قال: “وقتُ صلاتِكم بينَ ما رأيتم”. رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “وقتُ الظهرِ إذا زالت الشمسُ، وكان ظِلُّ الرَّجلِ كطُولِه ما لم يَحضُرِ العصرُ، ووقتُ العصرِ ما لم تَصفَرَّ الشمسُ، ووقتُ صلاةِ المغربِ ما لم يَغِبِ الشَّفَقُ، ووقتُ صلاةِ العشاءِ إلى نصفِ الليلِ الأوسطِ، ووقتُ صلاةِ الصبحِ مِن طلوعِ الفجرِ ما لم تطلع الشمسُ، فإذا طلَعت الشمسُ فأَمْسِكْ عن الصلاةِ؛ فإنها تَطلُعُ بينَ قَرْنَيْ شيطانٍ”. أخرجه مسلم في صحيحه. إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس، قولاً وفعلاً، ولم تفرق بين طول النهار وقصره، وطول الليل وقصره، ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم، وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان، فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب، وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم، مادام النهار يتمايز في بلادهم من الليل، وكان مجموع زمانهما أربعًا وعشرين ساعة، ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط، وإن كان قصيرًا فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد، وقد قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)[البقرة: من الآية187]. ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله، أو علم بالأمارات أو التجربة، أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه، أن الصوم يفضي إلى مرضه مرضًا شديدًا، أو يفضي إلى زيادة مرضه، أو بطء برئه- أفطر، ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء. قال الله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)[البقرة: 185]. وقال الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)[البقرة: من الآية286]. وقال: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[الحج: من الآية78]. والله ولي التوفيق… وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم )) .

 

القرار الثاني في عام 1406هـ بشأن مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات الدرجات العالية ، هذا نصه :

(( الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12رجب1406هـ إلى يوم السبت 19رجب1406هـ قد نظر في موضوع «أوقات الصلاة والصيام لسكان المناطق ذات الدرجات العالية». ومراعاة لروح الشريعة المبنية على التيسير ورفع الحرج، وبناءً على ما أفادت به لجنة الخبراء الفلكيين، قرر المجلس في هذا الموضوع ما يلي:

أولاً: دفعًا للاضطرابات والاختلافات الناتجة عن تعدد طرق الحساب، يحدد لكل وقت من أوقات الصلاة العلامات الفلكية التي تتفق مع ما أشارت الشريعة إليه، ومع ما أوضحه علماء الميقات الشرعيون في تحويل هذه العلامات إلي حسابات فلكية متصلة بموقع الشمس في السماء فوق الأفق أو تحته كما يلي:

 1.

الفجر: ويوافق بزوغ أول خيط من النور الأبيض وانتشاره عرضًا في الأفق (الفجر الصادق) ويوافق الزاوية (18 ْ )درجة تحت الأفق الشرقي.

2.

الشروق: ويوافق ابتداء ظهور الحافة العليا لقرص الشمس من تحت الأفق الشرقي ويقدر بزاوية تبلغ (50) دقيقة زاوية تحت الأفق.

3.

الظهر: ويوافق عبور مركز قرص الشمس لدائرة الزوال ويمثل أعلى ارتفاع يومي للشمس يقابله أقصر ظل للأجسام الرأسية.

4.

العصر: ويوافق موقع الشمس الذي يصبح معه ظل الشيء مساويًا لطوله مضافًا إليه في الزوال، وزاوية هذا الموقع متغيرة بتغير الزمان والمكان.

5.

المغرب: ويوافق اختفاء كامل قرص الشمس تحت الأفق الغربي، وتقدر زاويته بــ (50) دقيقة زاوية تحت الأفق.

6.

العشاء: ويوافق غياب الشفق الأحمر حيث تقع الشمس على زاويـة قدرها (17 ْ ) تحت الأفق الغربي.

ثانيـــًا: عند التمكين للأوقات يكتفي بإضافة دقيقتين زمنيتين على كل من أوقات الظهر والعصر والمغرب والعشاء وإنقاص دقيقتين زمنيتين من كل من وقتي الفجر والشروق.

ثالثــًا: تقسم المناطق ذات الدرجات العالية إلى ثلاثة أقسام:

المنطقة الأولى: وهي التي تقع مابين خطي العرض (45 ْ ) درجة و (48 ْ ) درجة شمالاً وجنوبًا، وتتميز فيها العلامات الظاهرية للأوقات في أربع وعشرين ساعة، طالت الأوقات أو قصرت.

المنطقة الثانية: وتقع مابين خطي عرض (48 ْ ) درجة و (66 ْ ) درجة شمالاً وجنوبًا، وتنعدم فيها بعض العلامات الفلكية للأوقات في عدد من أيام السنة، كأن لا يغيب الشفق الذي به يبتدئ العشاء وتمتد نهاية وقت المغرب حتى يتداخل مع الفجر.

المنطقة الثالثة: وتقع فوق خط عرض (66 ْ ) درجة شمالاً وجنوبًا إلى القطبين، وتنعدم فيها العلامات الظاهرية للأوقات في فترة طويلة من السنة نهارًا أو ليلاً.

رابعــًا: الحكم في المنطقة الأولى أن يلتزم أهلها في الصلاة بأوقاتها الشرعية، وفي الصوم بوقته الشرعي من تبين الفجر الصادق إلى غروب الشمس عملاً بالنصوص الشرعية في أوقات الصلاة والصوم، ومن عجز عن صيام يوم أو إتمامه لطول الوقت أفطر وقضى في الأيام المناسبة.

خامسًا: والحكم في المنطقة الثانية أن يعين وقت صلاة العشاء والفجر بالقياس النسبي على نظيريهما، في ليل أقرب مكان تتميز فيه علامات وقتي العشاء والفجر، ويقترح مجلس المجمع خط (45 ْ ) درجة، باعتباره أقرب الأماكن التي تتيسر فيها العبادة أو التمييز، فإذا كان العشاء يبدأ مثلاً بعد ثلث الليل في خط عرض (45 ْ ) درجة يبدأ كذلك بالنسبة إلى ليل خط عرض المكان المراد تعيين الوقت فيه، ومثل هذا يقال في الفجر.

سادسًا: والحكم في المنطقة الثالثة أن تقدر جميع الأوقات بالقياس الزمني على نظائرها في خط عرض (45 ْ ) درجة، وذلك بأن تقسم الأربع والعشرون ساعة في المنطقة من (66 ْ ) درجة إلى القطبين، كما تقسم الأوقات الموجودة في خط عرض (45 ْ ) درجة .

فإذا كان طول الليل يساوي (8) ساعات، وكانت الشمس تغرب في الساعة الثامنة، وكان العشاء في الساعة الحادية عشرة جعل نظير ذلك في البلد المراد تعيين الوقت فيه، وإذا كان وقت الفجر في خط عرض (45 ْ ) درجة في الساعة الثانية صباحًا كان الفجر كذلك في البلد المراد تعيين الوقت فيه، وبدئ الصوم منه حتى وقت المغرب المقدر. وذلك قياسًا على التقدير الوارد في حديث الدجال الذي جاء فيه: قلنا: يا رسول الله، وما لُبْثُه في الأرض؟أي الدجال- قال: ” أربعون يومًا، يومٌ كسنةٍ، ويومٌ كشهرٍ، ويومٌ كجمعةٍ..:. إلى أن قال: قلنا: يا رسول الله، هذا اليوم كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: “لا، اقْدُرُوا له قَدْرَه). أخرجه مسلم وأبو داود. والله ولي التوفيق. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تعقيب الأستاذ مصطفى الزرقا على القرار السابق عند تذييله بالتوقيع عليه بالعبارة الآتية :  ( أرى أن يتخذ أقصى النهار والليل على فصول السنة في الحجاز ، أو الجزيرة العربية كلها مقياساً للصلاة والصوم عند البلاد ذات الخطوط ا لعليا ) .

وبناءً على ذلك فقد استكملت هذه الفتاوى بفتوى لي تنص على ما يأتي:

(( يبقى القرار السابق الصادر في رجب 1406هـ ، ويضاف إليه ما يأتي : 

أولاً :   يجوز لأهل المنطقة الثانية ( المذكورة في القرار السابق ) الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم او تأخير في الحالات تتداخل فيهما أوقاتهما  ، لرفع الحرج الذي ذكره حديث ابن عباس الصحيح حيث علل جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء بأنه : ( أراد أن لا يحرج أحداً من أمته ) رواه مسلم وغيره .

ثانياً : يجوز أيضاً لأهل المنطقة الثالثة ( المذكورة في القرار السابق ) الاعتماد على توقيت مكة المكرمة في صلواتهم ، وصيامهم وسائر الأحكام المتعلقة بالأزمان )) .

هذا والله أعلم

 ثالثا : يوصي المجمع تشكيل لجنة مشكلة من علماء الشرع ، والفلك وبالتنسيق مع المراكز الاسلامية والمجلس الاوربي للافتاء والبحوث لوضع تقويم للصلوات لأهم العواصم الأوروبية ، يطبع ليوزع على المراكز الاسلامية في أروربا .

والخلاصة أن البلاد التي يظهر فيها الليل والنهار بوضوح يجب فيها الصيام من الفجر الى الليل، لنص القرآن الكريم ” وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) (البقرة 187)

ولذلك فلا اعتداد لأي اجتهاد يخالف هذا النص في نظري مادام الليل والنهار موجودين خلال 24 ساعة ، أما من لم يستطع أن يصوم بسبب طول الوقت فله الحق في الافطار، ثم القضاء دون الكفارة، وذلك لتحقق المشقة التي تجيز الفطر.

أما اذا لم يتميز الليل من النهار، فإن الصوم يقدر إما بأقرب البلاد التي يتميز فيها الليل والنهار، أو بمكة المكرمة.

 أما بالنسبة للجمع بين الصلوات (المغرب والعشاء) فهذا الجمع جائز لرفع الحرج الذي ذكره ابن عباس (رضي الله عنهما).

هذا والله أعلم

كتبه الفقير الى ربه

ا.د. علي القره داغي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

نائب رئيس المجلس الاوروبي للافتاء والبحوث