بقلم: ا. د. علي القره داغي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين . وبعد ،،،

فإن مما لا شك فيه أن نظام الزكاة في الإسلام أهم نظام مالي يؤدى إلي خلق توازن بين طبقات المجتمع ، فلا يزداد الغني غنى ولا الفقير فقرا ، بل يجعل المال دولة بين الجميع ، ويؤخذ من الغني ليعطي إلي الفقير حتى يكون لديه حد الكفاية والحاجة، فيعيش الجميع في ظل أمن وأمان وحب ووئام بعيدا عن الحقد والبغض والحسد والشحناء ليصبحوا كجسدا واحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى ، إضافة إلي أن الزكاة عبادة وقربة الله وأجر ومثوبة عنده يوم القيامة ، وتزكية للنفس ، وتطهير من أدرانها وصلة وسكينة .

غير أن الزكاة هي الركن الواجب الأساسي والقاعدة العامة للعلاقات المالية بين المسلمين بحيث يؤدى أداؤها بالشكل المطلوب إلى القضاء على آثار الفقر المدقع والمجاعة والمشاكل المالية التي يعاني منها كثير من المجتمعات البشرية، ولكنها على الرغم من أهميتها ليست هي كل النظام المالي الإسلامي ولا الحق الوحيد في المال وإنما يوجد في المال حقوق مالية أخرى كحقوق النفقة ، والكفارات ونحوها ، بل إن فيه حقا سوى الزكاة ولاسيما عند الأزمات والشدائد حيث أعطي الإسلام الحق لولي الأمر في فرض حق آخر سوى الزكاة عند الحاجة وبضوابط شرعية ، فبحثنا عن الحق الذي يسمي في الأنظمة الوضعية بالضريبة التي هي يراد بها حق الدولة في فرض قدر من المال حتى تستطيع الوفاء بالدفاع وتقديم الخدمات ونحوها ، كما سيأتي ، إضافة إلي الإنفاق الطوعي الذي دعا إليه الإسلام وسماه قرضا مع الله فيضاعفه أضعافاً مضاعفة والسؤال الذي يجيب عنه هذا البحث هل تستطيع الدولة الإسلامية فرض الضرائب بجانب الزكاة ؟ وماهي العلاقة بينها وبين الزكاة؟ وما هي الفروق الجوهرية بين النظامين من حيث الصرف ، والأسس النظرية والوعاء ، ومبادئ العدالة ؟ وهل يمكن خصم الضريبة عن الزكاة في ظل ظروفنا الحالية ؟ وهل يمكن وضع نظام ضريبي يغني عن الزكاة ؟ ونحو ذلك وقد تبنت الهيئة العالمية للزكاة بالكويت مشكورة عدة ندوات حول هذا النظام المالي الإسلامي ( الزكاة ) وخصصت جزءا من ندوتها الرابعة للبحث عن الزكاة والضريبة ، وطلبت مني بحث هذا الموضوع ، وهأنذا أقدم بحثي المتواضع إلي الندوة الموقرة معتذرا عن أوجه القصور ، سائلاً الله تعالى أن يسدد خطانا على طريق الحق ، ويلهمنا الحق ويعصمنا من الزلل في العقيدة والقول والعمل ويجعل كل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم فهو مولانا فنعم المولى ونعم النصير .

الضريبة لغة واصطلاحاً :

الضريبة لغة مؤنث الضريب وهو: الرأس ، والموكل بالقداح ، أو الذي يضرب بها(1). وجاء في المعجم الوسيط ( الضريبة مؤنث الضريب )، ثم بعد أن رمز إلى المعنى الجديد لها قال:هو ما يفرض على الملك والعمل ، والدخل للدولة، وتختلف باختلاف القوانين والأحوال … وجمعها ضرائب (2).

الضريبة في الاصطلاح: (حسب تطور معناها)(3)، لا يسعنا أن نعرف (الضريبة) تعريفا واحدا دون النظر إلى تطورها، وتغير مفهومها، وملاحظة عنصر الزمن والتاريخ فيها، قد كانت في عهد الإمبراطوريات الرومانية والفارسية من أعمال السيادة حيث تفرضها السلطة بقصد تغطية نفقات الحرب والدفاع والخدمات العامة، بدل ونفقات القصر، كما أن جبايتها كانت تتم في أغلب الأحيان دون مراعاة قواعد العدالة والإنسانية (4).

ثم أدى التطور في الفلسفات الاجتماعية والسياسية منذ القرن الثامن عشر الميلادي إلى تطوير مفهوم الضريبة ، حيث أصلحت في مقابل ما تقدمها الدولة للأفراد من خدمات ولذلك كان البرلمان ينظر إلى تقدير ثمن الخدمات في مقابل الضريبة طبقاً لنظرية التعادل، ومن هنا تعددت الاتجاهات في تكييفها ، فرأى البعض أنها تنبثق من فكرة العقد الاجتماعي التي نادى بها (جان جاك روسو)، بل سماها البعض بالعقد الضريبي على أساس أن المواطن كما قال (مونتسكيو) يعطي جزءا من دخله للدولة في مقابل ضمانها للنظام والعدالة، وكيفها (ميرابوا) على أساس أن دفع الضريبة تعبير عن رضا مسبق من قبل المواطن للحصول على حماية السلطة لشخصه ولأمواله، بينما صورها بعض آخر بأنها عقد تأمين بين الدولة والمواطنين ضد الأخطار التي يتعرضون لها في مقابل سدادهم للضريبة، واعتبرها (ثيرس) بمثابة عقد الشركة، حيث يسهم كل من الدولة والمواطن في تحمل أعباء الحماية، واعتبرها (آدم سميث) بمثابة عقد إيجار يستأجر المواطن بمقتضاه ما تقدمه الدولة من خدمات مقابل ما يدفعه من ضرائب، كما اعتبرها (هوبز) و(لوك) بمثابة ثمن للسلام، بينما عرفتها مدرسة الطبيعيين في دستورها عام 1789م بأنها: دين عام على جميع المواطنين وثمن للمزايا التي يزودهم بها المجتمع(5). لكن هذه النظرية تعرضت لنقد شديد أكثر من نظرية العقد الاجتماعي، لأن من المستحيل تقييم ما تقوم به الدولة من معاملات، كما أنه من المستبعد فكرة مقابلة ثمن التضحيات الضريبية بقيمة ما تقدمه الدولة من خدمات، إضافة إلى أن التزام الدولة بالحماية ليس منشؤه التزام المواطن بدفع الضريبة، فضلا عن أن في صبغ الضريبة بطابع الثمن مجافاة لظاهرة تفاوت أعباء الضريبة على الأفراد التي لا شك أنها لا تستقيم مع مبدأ وحدة الثمن(6).

وحاولت الفلسفات السياسية حتى أوائل القرن العشرين أن تضفي على مفهوم الضريبة طابعاً حياديا يتثمل في إستعانة الدولة بها لتغطية النفقات اللازمة للقيام بمهامها المحدودة، غير أن هذا الطابع الحيادي لها لم يتحقق بسبب ما يتطلب من ضرورة توافر المساواة التامة في تطبيق الضريبة من ناحية، وانخفاض عبئها إلى أقصى حدود من ناحية أخرى، كما تنازع هذا المفهوم مبدأ وفرة الحصيلة التي يتطلب العمومية والشمول لجميع المواطنين، ومبدأ العدالة التي تقتضي مراعاة التفاوت بين مستويات الدخول من خلال فرض الضرائب التصاعدية على الدخول المرتفعة لتمويل الخدمات العامة التي يستفيد منها أصحاب الدخول المنخفضة(7)، لكن العدالة في الضريبة قد ثار في تفسيرها اختلاف حيث فسرها البعض تفسيرا ضيقا يكمن في أنها المساواة في التضحية أو التوزيع العادل للأعباء الضريبية بين المواطنين ، فقد فسرها (آدم سميث) بأنها المساواة في المقدرة التكليفية حيث يتناسب إسهام كل مكلف في النفقات العامة ومقدار يساره، بينما فسره الآخرون تفسيرا واسعا بحيث يشمل جميع جوانب الضريبة من تحصيلها إلى إنفاقها، ويتخطى النطاق التقليدي لها الذي ينحصر في مجرد تحقيق عادل للعبء الضريبي(8) .

وأما مفهوم الضريبة المعاصر ( منذ بداية القرن العشرين ) وبالذات منذ عام 1929م فيكمن في اعتبارها أحد المصادر الرئيسية للتمويل ووسيلة فعالة تمكن الدولة من التدخل في الحياة الاقتصادية ، والاجتماعية ، وتوجيه النشاط الاقتصادي وجهة معينة(9) .

وبعد هذا العرض الموجز نرى أن معظم المعاصرين يكادون يتفقون على هذا التعريف الآتي للضريبة أو نحوه وهو : اقتطاع نقدي جبري نهائي يتحمله الممول ويقوم بدفعه بلا مقابل وفقا لمقدرته التكليفية مساهمة في الأعباء العامة ، أو لتدخل السلطة لتحقيق أهداف معينة(10) .

وإذا شرحنا مفردات هذا التعريف نرى فروقا جوهريا بين الضريبة بمفهومها الحالي عن السابق ، فالضريبة اليوم إلتزام نقدي كقاعدة عامة إلا استثناءات نادرة بينما كانت الضريبة في السابق تجبي عينيا أيضا، كما أنها ينظر إليها بأنها في مقابل – كما سبق – بينما أصبحت اليوم ينظر إليها بأنها بدون مقابل، كما أنها تختلف عن الرسوم حيث أنها اقتطاع نقدي يدفعه الفرد مقابل نفع خاص يحصل عليه، إضافة إلى أن دفع الرسوم اختياري من حيث أنه يمكن أن لا يطلب الفرد تلك الخدمة، وبالتالي لا يدفع الرسوم، أما الضريبة فلا مندوحة من دفعها، ولكن أهم مميز للضريبة هو أنها فرض الضريبة تستهدف تغطية النفقات العامة أو أهداف المجتمع الأخرى(11).

أسس فرض الضرائب :

يمكن تلخيص هذه الأسس في الإنتاج القومي، والدخل القومي، والإنفاق القومي، حيث نظر إلى هذه الأسس الثلاثة عند فرض الضرائب، ولا يمكننا في هذا البحث أن نتطرق إلى تفصيل هذه الأسس وما يدور في فلكها(12).

الضريبة في السُنَّة :

لم يرد لفظ (الضريبة) في القرآن الكريم، ولكنه ورد في السنة المشرفة أكثر من مرة حتى عقد البخاري بابا باسم: باب ضريبة العبد وتعاهد ضرائب الإماء، أورد فيه حديث أنس بن مالك الذي رواه مسلم أيضاً قال: (حجم أبو طيبة النبي صلي الله عليه وسلم فأمر له بصاع، أو صاعين من طعام، وكلم مواليه فخفف عن غلته أو ضريبته)(13)، قال الحافظ ابن حجر : الضريبة – بفتح المعجمه – فعلية بمعنى مفعوله: ما يقدره السيد على عبده في كل يوم وضرائب جمعها، ويقال لها: خراج وغلة، وأجر .. ولعله أشار بالترجمة إلى ما أخرجه هو في تاريخه من طريق أبي داود الأحمري قال: خطبنا حذيفة حين قدم المدائن فقال: تعاهدوا ضرائب إمائكم … قال ابن المنير في الحاشية  كأنه أراد بالتعاهد التفقد لمقدار ضريبة الأمة ، لاحتمال أن تكون ثقيلة فتحتاج إلى التكسب بالفجور ، ودلالته من الحديث أمره – عليه الصلاة والسلام – بتخفيف ضريبة الحجام ، فلزوم ذلك في حق الأمة أقعد وأولى لأجل الغائلة الخاصة بها(14) قال الحافظ: ولابن أبي شيبة من هذا الوجه أنه صلى الله عليه وسلم قال للحجام : ( كم خراجك ؟)  قال : صاعان قال : فوضع عنه صاعا(15)، وفي رواية لأحمد (كم ضريبتك؟) قال : ثلاثة آصع قال فوضع عنه صاعا(16).

والحديث برواياته يدل على جواز الضريبة اليومية المفروضة من السيد على عبده وجاريته مقابل عملها الحر، كما يدل على تدخل الدولة لمراقبة ذلك حتى لا يحدث ظلم أو حيف، وهل أن تقاس عليه الدولة في فرض ضرائب عادلة؟ هذا ما سنجيب عنه إن شاء الله في هذا البحث

تعريف الزكاة لغة واصطلاحا :

الزكاة لغة من زكا يزكو زكاء بفتح الزاي وزكوا بمعنى النماء والريع ، والزكاء بضم الزاي ما أخرجه الله من الثمر، ويمكن تلخيص معانيه في اللغة في: النماء ، والريع ، والطيب والصلاح ، والإصلاح ، والتطهير ، والطهارة ، ونحو ذلك(17) .

وفي اصطلاح الفقهاء:

عرفها فقهاء الحنفية بأنها: إسم لفعل أداء حق يجب للمال ، قال ابن الهمام:

ومناسبته اللغوية أنه سبب له إذ يحصل به النماء بالإخلاف منه تعالى في الدارين والطهارة للنفس من دنس البخل والمخالفة ، وللمال بإخراج حق الغير منه إلي مستحقة00 (18)وجاء في الدر المختار :

شرعا هي تمليك جزء مال عينه الشارع من مسلم فقير غير هاشمي ولا مولاه مع قطع المنفعة عن المملك من كل وجه لله تعالى ، ثم ذكر بأن كل لفظ يخرج به مالا يسمى بالزكاة فقولة (تمليك) خرج به الإباحة ، فلو أطعم يتيماً ناوياً الزكاة لا يجزيه إلا إذا دفع إليه المطعوم ، وقوله (جزء مال) خرج المنفعة ، فلو أسكن فقيراً داره سنة ناوياً الزكاة لا يجزيه ، وهكذا (19).

وجاء في حاشية ابن عابدين: ونقل القهستاني: أنها شرعا: القدر الذي يخرجه إلى الفقير، ثم قال: وفي الكرماني: أنها في القدر مجاز شرعاً فإنها ايتاء ذلك القدر وعليه المحققون(20) .

وجاء في شرح الخرشي تعريف الزكاة فقال: وشرعا اسم لجزء من مال شرط وجوبه لمستحقه بلوغ المال نصابا ، ومصدرا إخراج جزء من المال شرط وجوبه الخ(21) .

وعرفها فقهاء الشافعية بأنها: اسم لأخذ شئ مخصوص من مال مخصوص علي أوصاف مخصوصة لطائفة مخصوصة(22). وعرفها ابن قدامة الحنبلي بأنها في الشريعة: حق يجب في المال(23) . وهذه التعاريف وان وجد بينها اختلاف في الألفاظ والتعبير حيث أطلق على الإخراج نفسه وعلى القدر ولكنها متفقة من حيث الجوهر والمقصود(24).

الفرق بين الزكاة والضريبة من حيث التعريف :

على الرغم من أن كلا من الزكاة والضريبة يجمعها كونهما إجبارين من حيث المبدأ حيث ليس هناك خيار في الدفع وعدمه، بل تجب الزكاة بحكم الشرع، والضريبة بحكم القانون وإذا امتنع فان الدولة تأخذ المطلوب جبرا، كما أنهما قدر مالي ونسبة محدودة ، لكنها تختلفان في أمور كثيرة يفصلها البحث من حيث الحكمة والهدف، ومن حيث المصرف، والأسس والوعاء، ومن حيث المبادئ العامة ونحوها ، ونذكر هنا الفروق بينهما من حيث التعريف:

1- الزكاة واجبة بحكم الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وسلم بينما الضريبة تفرضها الدولة، ومن هنا فليس لأحد الحق في تغيير حكم الشرع في الزكاة ( وغيرها ) مهما تغيرت الظروف والأحوال والمصالح ، بينما الضريبة يعود إيجابها،إلى السلطة التشريعية فلها الحق في أن تفرض، أو أن تعدل عن إيجابها،  وتجعلها اختيارية وكذلك تغيير نسب الزكاة وأحكامها القطعية بينما للدولة الحق في التصرف بكل ما يخص الضريبة زيادة ونقصاناً وإنشاء وإلغاء .

2- الضريبة حسب تعريفها المعاصر:(اقتطاع نقدى..) بينما الزكاة تشمل اقتطاعا أو عينيا ، بل إن زكاة الأعيان تدفع منها مباشرة ، بل لا يجوز تغييرها إلى شئ أخر عند جمهور الفقهاء وحتى الذين قالوا بجواز دفع النقود بدل الأعيان قالوا ذلك من باب القيمة ، فاعتبروا العين أصلا ثم قوموها بالقيمة(25).

3- إن دفع الضريبة ليس لها أجر وثواب بل ليس لها مقابل، بينما الزكاة لها مقابل عظيم عند الله تعالي من الأجر والثواب والقربة إلى الله تعالي .

4- إن الضريبة تكون وفقاً للقدرات المالية وحاجات الدولة بينما الزكاة محددة لا يجوز فيها الزيادة ولا النقصان .

5- الزكاة عبادة دينية وركن من أركان الإسلام الخمسة، ومفروضة على المسلمين فقط ، وأنها محتاجة في قبولها إلى النية بينما الضريبة ليست كذلك .

6- الزكاة قد تجمعها الدولة، وقد لا تجمعها، وقد تجمع من الأموال الظاهرة دون الباطنة، وفي حالة عدم قيام الدولة بهذا العمل أو عدم وجود الدولة، فان الواجب لا يسقط بل يجب على الأفراد أن يدفعوا زكاة أموالهم ويصرفوها في مصارفها، بينما الضريبة مرتبطة بالدولة ، أو السلطة.

الحكمة من فرض الزكاة ، ومن فرض الضريبة :

الحكمة من فرض الزكاة :

بين القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة الحكمة من فرض الزكاة فقال تعالى :

” خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم “(26)، وقال صلي الله عليهم وسلم: (تخرج الزكاة من مالك، فإنها طهرة تطهرك)(27)،حيث دلت هذه الآية الكريمة على أن دفع الزكاة تطهير للنفس والمال، وتزكية وسكن لهم ، ودلت آيات وأحاديث أخرى على أن الزكاة لدفع حاجة الفقراء، وتحقيق التكافل الاجتماعي، ومجتمع الخير والكفاية والرفاه، وأنها سبب الفلاح في الدنيا والآخرة، ولزيادة الأموال ومضاعفتها، ويمكن ذكر هذه الحكم الآتية :

1- إن أداء الزكاة يحقق عبودية المسلم لله تعالى، بحيث لا يقف المال حائلا بينه وبين تنفيذ أمر الله تعالى، وبعبارة أخرى هل عبودية الشخص لله تعالى كاملة شامة لجميع الأمور أم لا؟ وذلك لأن بعض الناس مستعدون للعبادة البدنية ولكنهم ليسوا مستعدين للبذل والعطاء، أو بالعكس، فبأداء الصلاة والزكاة تتكامل العبودية مع بقية العبادات الأخرى، فالمال عزيز على النفس فمن ذا الذي يكون قادراً على التضحية بالمال كما هو قادر على التضحية بالبدن والنفس؟

2-الزكاة تطهير للمال من الشبهات ، ولنفس الغني من البخل والشح وحب المال وقد قال الله تعالى : ” ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون”(28)، كما أنها تطهير لنفس الفقير من البغض والحسد، والحقد الأسود كما يحدث ذلك في المجتمعات غير المسلمة حتى يصل الحقد الأسود إلى مرحلة القتل، وهذه الأمراض القلبية في غاية من الخطورة ، ولذلك أراد الله تعالى تطهير المجتمع فقراء وأغنياء من هذه الأرجاس والأدران وأن يعيشوا إخوانا متعاونين متحابين كجسد واحد وكبنيان مرصوص يشد بعضها بعضا، كما لفظ الزكاة يعنى التزكية وقد قال صلى الله عليه وسلم: (تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك ) .

3-الزكاة زيادة في المال ومضاعفة له، حي يقول الله تعالى: “وما أتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون”(29)، جاءت هذه الآية بعد قوله تعالى:” وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة.. “، حيث تدل على أن ميزان الزيادة والنقصان عند الله تعالى يختلف عن الموازين التي يزن بها الكافرون ، فالربا الذي هو زيادة ظاهرة في المال نقص في الحقيقة والمال، والزكاة التي هي في ظاهرها نقصان لكنها زيادة عند الله تعالى حيث يضاعف الله تعالى المدفوع التي دفعت زكاتها وفي صاحبها ، وقد ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: (من تصدق بعدل ثمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل )(30) .

1- الزكاة فلاح وفوز بالجنة ونجاة من النار (بإذن الله تعالى) حيث وعد الله تعالى المؤمنين الذين يؤدون زكاتهم بالفلاح والفوز والجنة، فقال:” قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم والذين هم للزكاة فاعلون”(31)، وقال تعالى:” قد أفلح من تزكي”(32)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (اتقوا النار ولو بشق تمرة )(33) بل إن الزكاة إذا أديت دون إيذاء ومن، وبخفاء تؤدى إلى أن يكون صاحبها في ظل عرش الله تعالى كما ورد في الحديث الصحيح ( سبعة يظلهم الله تعالى فيظله يوم لا ظل إلا ظله .. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه )(34).

2- الزكاة تنمية للمال وسبب للاستثمار والتجارة وبالتالي تدوير الأموال، والزيادة في الدورات الاقتصادية” كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم(35)، وذلك المسلم العاقل إذا علم بوجوب دفع الزكاة فانه يبحث عن استثمار أمواله حتى لا تأكلها الصدقة والنفقة، وقد أكد المعنى هذا أحاديث منها ما رواه الشافعي بسنده عن يوسف بن ماهك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:(ابتغوا في مال اليتيم، أو في أموال اليتامى، لا تذهبها ، أو لا تستهلكها الصدقة)، وقد صحح البيهقي والنووي إسناده، وروى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة)، قال الهيثمي: أخبرني سيدي وشيخي – أي الحافظ زين الدين العراقى – إن إسناده صحيح(36) ، وقد روي بسند صحيح موقوفا على عمر ، رواه عنه البيهقي وصححه بلفظ: (ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة )(37)، ورواه عنه مالك بلفظ: ( اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة )(38).

3- ومن أهم حكم الزكاة إشباع حاجات الفقراء والمساكين، والمساهمة في تقوية المجاهدين، ودعم الدعوة وتأليف القلوب ونحو ذلك أو بعبارة موجزة فإن الزكاة تساهم مساهمة كبيرة في تحقيق مجتمع التكافل والتعاون وفي حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية كالفقر والبطالة والديون ونحوها .

الهدف من فرض الضريبة:

وأما الهدف من فرض الضرائب في الدول المعاصرة فهو تغطية تكاليف الدولة ومصاريفها وتطويرها بسبب الخدمات العامة والبطالة والحروب، والدفاع، والتطلع نحو الرقي والتقدم ، فيستهدف نظام الضريبة توفير الأموال لتحقيق هذه الأغراض ، فالضريبة هو أحد المصادر الرئيسية للتمويل ، ووسيلة فعالة تمكن الدولة من التدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، وتوجيه النشاط الاقتصادي وجهة معينة ..

وحقيقة الأمر : أن المفهوم المعاصر للضريبة لم يستبعد كلية المبدأين التقليديين للضريبة – هما وفرة الحصيلة والعدالة، وان كان قد أضاف إليها مبدءا جديداً ألا وهو التدخل ..، إن مبدأ التدخل الذي يقوم عليه المفهوم المعاصر للضريبة لا يتعارض مع مبدأ وفرة الحصيلة، والعدالة نتيجة عدم وجود اشتراط ووجود صراع أو تعارض بين كل من الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والأهداف المالية ، فالضريبة التي تهدف أساساً اليتديل الهيكل الاجتماعي إنما تهيئ للدولة في نفس الوقت لتحقيق حصيلة ضريبية لا بأس بها ، والدليل على ذلك أن ضريبة الدخل التصاعدية في إنجلترا التي تحقق أهدافاً ذات طبيعة اجتماعية واقتصادية إنما تهيئ في الوقت نفسه مورداً رئيسياً لتمويل الخزانة العامة(39) .

ومن هنا يمكننا أن نلخص الأهداف العامة للضريبة بمفهومها المعاصر في أهداف الدولة التي تحددها فلسفتها السياسية، فالدولة الرأسمالية التي ظلت طويلاً تحرص على اتخاذ موقف حيادي تجاه النشاط الاقتصادي كانت تكتفي من الضريبة كأداة مالية تمكنها من الحصول على موارد تكفي لتمويل الإنفاق العام الذي كان في أضيق الحدود ، وبعبارة أخرى احتلت وفرة الحصيلة المكانة الأولى من بين أهداف الكيان الضريبي ، لكن الدول الرأسمالية راحت تتجه بالضريبة إلى وظائف جديدة استجابة للأفكار الاجتماعية والاشتراكية التي أثرت في النظام الرأسمالي الذي بدأ يستعين بالضريبة كأداة لتحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية إلى جانب كونها أداة تقليدية ومنها العمل للحد من التفاوت في توزيع الدخول والثروات عن طريق زيادة العبء الضريبي بالنسبة للدخول المرتفعة وتخفيضه إلى أقصى حد بالنسبة للدخول المنخفضة، أما الأنظمة الاشتراكية فتتخذ الضريبة بصفة رئيسية أداة مرنة من أدوات التوجيه الاقتصادي من ناحية ، وأداة من أدوات الرقابة على الإنتاج ، مقياساً لكفايته من ناحية أخرى(40) .

مصرف الزكاة ، ومصرف الضريبة :

مصارف الزكاة معروفة ومنصوصة في القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى:” إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليكم حكيم “(41)، فقد أوضحت هذه الآية أن مصارف الصدقات ثمانية، ولا مجال هنا للخوض في تفاصيلها أما مصارف الضريبة فهي تصرف على حاجيات الدولة بل ومحسناتها، وبعبارة موجزة فالدولة تصرفها ضمن بقية أموالها في شؤون الحرب والدفاع والخدمات العامة، وفي تطوير برامجها ونحوها، فالدولة ليست ملزمة بتحديد مصرفها بل تصرفها حسب خططها وإرادتها .

أسس فرض الزكاة ، وفرض الضريبة : يقوم فرض الزكاة في الإسلام على عدة أسس من أهما :

أ  –  أساس التكليف ، والعبودية والخضوع والاستسلام لله رب العالمين ، وتعمير الكون على ضوء منهج الله تعالى، وأن الإنسان لم يخلق إلا لعبادة الله تعالى ( بمعناها الشامل ) حيث تقتضي هذه العبودية الاستجابة لأوامر الله تعالى والانتهاء عن نواهيه، فكان فرض الزكاة نابعا من حقوق وواجبات هذه العبودية، ومنبثقاً من مبدأ الاستسلام لله رب العالمين تطبيقاً لمعنى الإسلام، وتنفيذا لقوله تعالى: ” وما كان لمؤمن لا مؤمنه إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم “(42) وقوله تعالى:” فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً(43) .

ب – أساس الاستخلاف في الأرض وفي المال، فالمبدأ الإسلامي بخصوص المال يقضي بأن المسلم مستخلف في ماله، لأن المال لله تعالى، وأنه تعالى هو المالك الحقيقي له ولكن الله تعالى استخلفنا في الأموال ولذلك يذكرنا الله تعالى بهذا الاستخلاف عند طلب الإنفاق حيث يقول تعالى : ” وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه “(44) .

فإذا تقرر في عقيدة المسلم هذا المبدأ وترسخ في قلبه وكيانه سهل عليه أن ينفذ أوامر المستخلف المالك الحقيقي في الإنفاق وفي مصارفه بالشكل الذي يريده، المالك ولذلك يأتي وصف هؤلاء في سورة الإنسان” ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا” حيث يطعمون هؤلاء الفئات التي لا يرجى منها أي طمع دنيوي ، اللهم ” إنما نطعمكم لوجه الله .. لا نريد منك جزاء ولا شكورا ، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ..”(45) ، بينما يأتي وصف الكافرين الذين لا يؤمنون بهذا الاستخلاف بقوله تعالى “أرأيت الذي يكذب بالدين ، فذلك يدع اليتيم ، ولا يحض على طعام المسكين “(46) فالذي ليس له هذا إيمان لماذا ينفق أمواله بدون فائدة ظاهرية في الدنيا فلماذا ينفق على اليتيم الذي لا يحس بشئ ولا يرجى منه طمع دنيوي ؟ ولماذا يدفع أمواله للفقراء والمحتاجين؟ وإنما يدفع أمواله لقضاء شهواته ويحض على طعام الجاه الذين يقابلونه بنفس الأسلوب ، أو يتوقع منهم الكثير ؟

فدفع الزكاة يجسد هذا المبدأ بصورته المتكاملة، حيث يلتزم به المسلم تنفيذاً لأمر خالقه ومالكه

ج – أساس الأخوة الإسلامية في نظر الإسلام أخوة تفوق أخوتهم أخوة الدم والنسب ، قال تعالى:” إنما المؤمنون إخوة”(47)، ومن مقتضى الاخوة التعاون والعطاء والبذل والإنفاق، فلكل شيء حقيقة الأخوة أن يساهم الأخ في ضراء أخيه فيساعده، ويدفع حاجته مادام قادراً على ذلك ولذلك شبه الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين الصادقين (بالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد وسلم المؤمنين الصادقين (بالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى)(48)، وهذا دليل على أن من لم يحس بأخيه وبحوائجه وآلامه فليس بمسلم حقيقي، فالزكاة تجسد هذه الأخوة حيث تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء لسد حاجتهم وعوزهم .

د  – أساس التكافل الاجتماعي الذي يقضي بأن يقوم المجتمع الإسلامي على تكافل حقيقي يكون كفيلاً وضامناً لأخيه الفقير، من خلال مشاركته معه ومساهمته في رفع حاجته وعوزه ، ويكون الجميع متعاونين يحمل بعضهم بعضاً، ولا يكونون أنانيين مصلحيين لا ينظرون إلا إلى مصالح أنفسهم، فمجتمع الرعي الأول قائماً على الإيثار حيث قال الله تعالى في وصف الأنصار وموقفهم من إخوانهم المهاجرين:” والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون “(49).

وأما فرض الضريبة فيقوم على عدة أسس نظرية منها: سيادة الدولة، فقد ذكرنا بإيجاز أن الضريبة في عهد الإمبراطورية الرومانية نقوم على مبدأ السيادة العامة للدولة، ومن هنا فكانت السلطة المركزية تفرض الضريبة حسب إرادتها بقصد تغطية النفقات العامة التي تتكبدها في الحروب، وفي الدفاع والخدمات العامة، فقد كان فرض الضرائب في العصر القديم تعبيراً خالصاً عن إرادة السلطة دون أي اعتبار رضا الدافعين(50). ومنها النظرية التعاقدية حيث نادى بها بعض المفكرين، كما سبق واعتبروا الضريبة بمثابة عقد بين الفرد والدولة ولكنهم اختلفوا فيما بينهم في نوعية العقد، فذهب بعضهم إلى أنه عقد تأمين، وبعض أخر إلى أنه بيع خدمات وآخرون إلى أنه عقد شركة ذلك كما سبق بيانها وما وجه إليها من انتقادات. ومنها : فكرة التضامن الاجتماعي، حيث تبناها الفكر الحديث وأعقب حق الدولة في فرض الضريبة إلى فكرة التضامن الاجتماعي لتوزيع عبئها حسب مقدرة الممول التكليفية، وبذلك تنتقي فكرة المقابل والعقد، حيث أن الدولة تقوم بخدماتها تحقيقاً للنفع العام مما يستلزم تكاتف وتضمان الجميع في المساهمة في الأعباء(51)، ومنها الأساس القانوني حيث أن القانون الضريبي (وهو من فروع القانون العام) يدور حول فكرة الحق والسلطة والامتياز، ويرتبط بالواقع بدرجة أكبر من النوايا، وبالنتائج أكثر من الخطط، وبالآثار أكثر من الأسباب، وقد نادى البعض بضرورة التقيد بألفاظ القانون الضريبي دون الاجتهاد والقياس، لأنه استثناء وقيد على حرية الأفراد ويرتبط بهذا الأساس أن الضريبة لا تقر، ولا تفرض ولا تجبي إلا من خلال قانون ، وقد أصبح من المبادئ الأساسية قانونية الضريبية وعلى ذلك نصت معظم الدساتير فقد نص الدستور المصري على إنشاء الضرائب العامة أو تعديلها، أو إلغاءها لا يكون إلا بقانون(52) .

وعاء الزكاة ووعاء الضريبية:

يقصد بالوعاء هنا الأشياء التي تخضع لنظام الضريبة، أو التي تجب فيها الزكاة وقد يكون المادة الخاضعة عقاراً، أو دخلاً، أو رأس مال، أو نحو ذلك ولكنه ليس من الضروري أن تخضع كل ثروة للضريبة، وذلك لأن هناك اعتبارات متعلقة بالعدالة والمساواة ، واعتبارات سياسية فمثلاً تخضع الثروات الضخمة وتعفى المبالغ اللازمة للمحافظة على الحد الأدنى للمعيشة لإشباع الضروريات ومواجهة الأعباء العائلية، كما تعفى بعض السلع الضرورية وتزداد نسبة الضريبة على بعض السلع كالسجاير والخمور ونحوها، ومن الجدير بالذكر أن الضرائب اليوم تفرض على الأشياء التي يملكها الشخص ولا تفرض على الشخص نفسه كما كان الحال في السابق حيث كان الشخص مسؤولا أمام الدولة عن دفع قدر محدد من الضريبة، أما النظم المعاصرة فتنظر إلى ما يملكه الشخص من ضوابط لتحقيق العدالة وإذا كنا نتحدث الآن عن الوعاء الضريبي فلا بد أن ننتبه المسألة في غاية من الأهمية وهي أن الأنظمة الضريبية في العالم ليست على سنن واحد، وكان بودنا أن نختار أكثر من نظام، لكن مجال البحث لا يسع إلا أن نختار نظاماً واحداً وهو النظام الضريبي في أمريكا .

النظام الضريبي في أمريكا :

هناك مرحلتان في تاريخ الضريبة الأمريكية هما مرحلة ما قبل 1913، مرحلة ما بعدها، ونحن نوجز القول في المرحلة الأخيرة فقط .

فقد عدل دستور الولايات المتحدة في: 25/2/1991 بمنح الكونجرس سلطة فرض ضرائب عامة على الدخل دون اشتراط توزيعها على الولايات، ومن هنا بدأ الكونجرس ينظر في فرض الضرائب وكيفية تحصيلها على ضوء اعتبارات عدة حيث فرض الضريبة على الدخول الفردية ( الأشخاص الطبيعيين ) وعلى أرباح الشركات، وعلى الإنتاج وعلى العمل ، وعلى التركات والهبات وموارد متنوعة أخرى، إضافة إلى الضرائب الجمركية حتى بلغت حصيلتها عام 1961 ، 80% من موارد الحكومة الفدرالية(54).

كما أن الضرائب في أمريكا ثلاثة أنواع ضرائب فدرالية تفرضها الحكومة المركزية وضرائب محلية تفرضها حكومات الولايات المتحدة ، وضرائب محلية تفرضها الهيئات المحلية ، والنوع الأول هو الأكثر حيث تصل نسبته في بعض السنوات إلى 75% بينما تصل نسبة ضرائب الولايات المتحدة 5, 12% ، وضرائب الهيئات المحلية 12% كما في عام 1952 ، كما أن الضرائب الفدرالية تهتم بالضرائب المباشرة على الدخل بصورة رئيسية ، فيحين أن الضرائب في الولايات تتجه بصورة أكبر الضرائب غير المباشرة على الإنفاق (ولاسيما الضريبة على المبيعات ) وأما ضرائب الهيئات المحلية فتتجه بصورة أكبر نحو الضرائب على رأس المال ( وبالأخص الضرائب العقارية )(55).

وعاء ضريبة الدخل :

وقد توسع المشروع الأمريكي في مفهوم الدخل الخاضع للضريبة حيث يشمل كلا من الزايا العينية والنقدية ، وجميع الأرباح العرضية كالأرباح الرأسمالية وأرباح اليانصيب وحتى الأرباح غير المشروعة كأرباح القمار والتهريب .

وبالمقابل استبعد من وعاء الضريبة التبرعات والهبات التي منحها صاحبها للهيئات العامة ، أو الجمعيات الدينية أو الخيرية، وذلك فحدود 20 % من دخله ، أو 30% لحالات خاصة ، وكذلك فوائد الديون التي دفعها ، والضرائب التي أخذت منه ونفقات العلاج الطبي، والنفقات القضائية ، والنفقات والخسائر بمباشرة المهنة، كما أن سعر الضريبة على دخول الأشخاص الطبيعيين على مرحلتين :

• الأولى ذات سعر نسبي يبلغ 3% .

• الثانية ذات سعر تصاعدي يتراوح بين20% للشريحة الأولى و91% للشريحة الأخيرة .

وعاء الضريبة على الشركات :

• يشمل وعاءها جميع الإيرادات الدورية وغير الدورية بما في ذلك المكاسب الرأسمالية ، وأما سعرها فعلى شقين شق ،نسبي عادى بواقع 30% وشق إضافي سعره 22% ، وذلك بالنسبة للإيرادات التي تزيد عن خمسة وعشرين ألف دولار سنوياً حيث يصل سعرها الفعلي إلى 52%(56) .

• وعاء ضرائب الإنتاج حيث تسرى على عدد كبير من السلع والخدمات ولاسيما المسكرات والدخان .

• الضرائب على التركات التي تزيد عن ستين ألف دولار وسعرها تصاعدي تتراوح بين 3% و77% لما يزيد عن عشرة ملايين دولار .

• الضرائب على الهيئات التي يحصل عليها الفرد بسعر يتراوح بين 2, 57% .

ضرائب أخرى :

-وبالإضافة إلي ذلك هناك ضرائب اتحادية أخرى كضرائب الاستخدام (الأمور والمرتبات التي فرضت منذ عام 1930 والضرائب الجمركية إضافة إلى الضرائب التي تقررها حكومات الولايات والهيئات المحلية مثل الضرائب العقارية والضريبة العامة على المبيعات والضرائب على كل من الدخان والمسكرات ونحوهما (57)

وعاء الزكاة:

وأما وعاء الزكاة فمحل اختلاف بين الفقهاء بعد اتفاقهم على أنها خاصة بأموال المسلمين ولا تفرض على أموال غيرهم حتى الذين يعيشون في ظل الدولة  الإسلامية الذميين والمستأمنين فمنهم من عمم وعاء الزكاة ليشمل جميع الأموال النامية مادامت قد بلغت النصاب وتوافرت الشروط والضوابط الأخرى، وهذا هو الرأي الراجع الموافق للنصوص العامة التي أوجبت الزكاة في مطلق الأموال (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) (58)وعلى ضوء هذا الرأي الراجح يشمل وعاء الزكاة كل مال نام كالثروة الحيوانية جميعها، والذهب والفضة والنقود الورقية، أو التحفيات الذهبية والفضية ونحوها والثروة التجارية، والثروة الزراعية والعسل والمنتجات الحيوانية، والثروة المعدنية والبحرية والمستغلات وكسب العمل والمهن الحرة والأسهم والسندات ونحوها (59)

ومن الفقهاء من خصص وعاء الزكاة بعض الأموال على تفصيل حيث حصر بعضهم الزكاة في ثمانية أصناف فقط يقول أبن حزم الظاهري ولا تجب الزكاة إلا في ثمانية أصناف من الأموال فقط وهي الذهب، والفضة والقمح والشعير والتمر، والإبل والبقر والغنم ضأنها وماعزها فقط ثم قال ولا زكاة في شيء من الثمار، ولا من الزروع ولا في شيء من المعادن غير ماذكرنا ولا في الخيل، ولا في الرقيق ولا في العسل ولا في عروض التجارة (60)

ومن الفقهاء من لم يوجب الزكاة في أموال الصبي، والمجنون غير العشرية كالحنفية(61) وهكذا.

وقد أفاض أستاذنا الدكتور القرضاوي في أدلة القائلين بتوسيع وعاء الزكاة ليشمل كل ما نام الرد على المخالفين (62) ومن هذا العرض يتبين أن وعاء الضريبة ووعاء الزكاة على الرأي الراجح متقاربان في سعر الضريبة عن الزكاة في وجود الضريبة على الاستهلاك حيث لايعرف في الإسلام في باب الزكاة مثل هذه لأن الزكاة لا تؤخذ إلا من الأغيناء، بينما الضريبة على الاستهلاك قد تؤخذ من غير الأغنياء، إذ قد يكون المستهلك فقيرا.

وأما الأنواع الأخرى كضريبة الدخل بشتى أنواعه فتقابله الزكاة عليه حيث أوجب الإسلام الزكاة على دخل الاستغلال الزراعي (زكاة الزروع والثمار) حيث أوجب فيه العشر إذا كانت تسقى بماء السماء أو الراحة، ونصف العشر إذا كانت تسقى بالدواب أو الآلات كما أوجب الزكاة في كسب التجارة ونحو ذلك (63)

وأما المقارنة بينهما في وعاء رأس المال فإن الشريعة الاسلامية لم تأخذ بنظام الضريبة الموحدة كما نادى بها البعض في بعض العصور بل أخذت بنظام الفلسفات الاجتماعية والاشتراكية التي نادت بفرض الضرائب على راس المال لكن النظام الإسلامي كما يقول أستاذنا القرضاوي قد اشتمل  في هذا المجال أيضا وعلى المزايا التي ذكرها أنصار الضريبة على رأس المال وذلك لأن الإسلام لم يوجب الزكاة في كل رأس المال، بل في المال النامي أي من شأنه النماء فقط حتى يبقى الأصل وتؤخذ من الزيادة والفضل، ولذلك لم تفرض الزكاة في راس المال الثابت نفسه كالمصانع والعقارات بل في راس المال المتناول، أما رأس المال الثابت فتؤخذ الزكاة من غلته ونمائه الفعلي كالأرض الزراعية التي جاء بها النص، وما لحقت به من العمارات ونحوها من المستغلات.

إضافة إلا ملاحظة النصاب ونحوها (64) وأما الضرائب على الأشخاص التي كانت تسمى ضريبة الرؤوس لأنها تؤخذ عن كل رأس المال والتي يعمل بها في بعض الدول فقد وجهت إليها إنتقادات كثيرة ولكنها مع ذلك فيؤخذ في الإسلام نظام آخر وهو صدقة الفطر التي تفرض على كل شخص مع قطع النظر مع أمواله وفقره وغناه، أراد بها الإسلام إدخال السرور في قلوب المحتاجين في يوم العيد، والتعويد على البذل والعطاء والتعاون العام والتكافل (65).

مبادئ العدالة بين الزكاة والضريبة:

لاشك أن النظام الضريبي في العهود السابقة لم يكن يتوخى العدالة وإنما كان همه تحصيل أكبر قدر ممكن من الأموال للدولة، ولذلك يتخذ في سبيل تحصيلها المظالم وابشع صور التعذيب والإيذاء البشري وقد سجل التاريخ ذلك، ولكنه بعد ظهور الفلسفات الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان بدأت الحكومات تتجه نحو نظام ضريبي تتوخى فيه العدالة غير أن الفقهاء اختلفوا في مفهوم العدالة الضريبية كما اختلفوا في مفهوم العدالة غير أن الفقهاء اختلفوا في مفهوم العدالة الضريبية نفسها كما اختلفوا في مفهوم العدالة نفسها حيث تتنازعه وجهات نظر متباينة بسبب الفلسفات السياسية والفكرية، ويمكن حصر الاتجاهات حول مدى العادلة الضريبية في إتجاهين:

أحدهما التفسير الضيق لها بحيث يقتصر مفهومها على الجانب المالي للضريبة أي المساواة في التضحية أو التوزيع العادل للأعباء الضريبية بين المواطنين وهذا ما فسره (أدم سميث) بأنها المساواة في المقدرة التكليفية بحيث يناسب إسهام كل مكلف في النفقات العامة ومقدار يساره أي دخله (66).

وأما الاتجاه الثاني: فهو التفسير الموسع للعدالة الضريبية يتخطى النطاق التقليدي لها ويتناول جميع جوانب الضريبة من طلب أداتها إلى استخدام حصيلتها أي إنفاقها ويستهدف الحد من الاختلافات الاقتصادية والاجتماعية (67)

والقوانين الضريبية اليوم تشترط المساواة الضريبية بل ينص عليها معظم الدساتير، ولكن لمفهوم المساواة يكتنفها غموض وإختلال فهل هي مساواة مطلقة، أو نسبية،وهل ينظر إلى كل ضريبة على حدة أم ينظر إلى النظام ككل؟ وهل هي مساواة يومية أم سنوية؟ وهل ينظر إليها من الزاوية المالية والاجتماعية أم من الناحية القانونية؟ فلو نظرنا إليها من الزاوية المالية والاجتماعية نجد أن مفهوما يختلط بمفهوم العدالة، إذ تتحقق المساواة ولو حدثت معاملة تمييزية بين الممولين لاعتبارات اجتماعية ومالية، بينما لو نظرنا إليها من الناحية القانونية نجد أن مفهومها يعني المساواة امام القانون فلا تجوز بين الممولين حسب جنسهم وهكذا (68).

وأما العدالة في الشريعة فتعني المعنى الشامل للعدالة من جميع جوانبها الاجتماعية والقانونية بأعتبار أن نظام الزكاة نفسه عادل وراعى فيه الشارع الحكيم تحقيق العدالة والمساواة وتجسيد الأخوة ومجتمع التكافل والتعاون ومن مظاهر هذه العادلة رعاية الشرع لحقوق الفقراء وكذلك لحقوق الاغنياء، على عكس النظام المالي الرأسمالي (قبل تأثره بالفلسفات الاجتماعية ) حيث يراعي دائما حقوق الأغنياء والنظام الشيوعي أو الاشتراكي الذي يحكم الأغنياء بدعوة مساعدة الفقراء بينما الإسلام أعطى حقوق الفقراء ولكنه راعى أيضا حقوق الأغنياء من حيث اشتراط النصاب، وعدم ثني الزكاة وعدم أخذ الأموال وأجودها بل عليه يأخذ أوسطها، كما أعفى الأشياء المستخدمة من الزكاة كسيارته الخاصة، وفرصه، ومنزله الخاص ونحو ذلك، كما انه لم يوجب الزكاة في الحيوانات العالفة، ومن جانب آخر فإن نسبة الزكاة بسيطة جدا وقليلة جدا إذا قسمناها بنسبة الضرائب التي قد تصل إلى90% فسعر الضرائب قد يكون مجحفا جدا بحقوق الممولين كما أن نسبة التصاعدية  لا توجد في الزكاة، بل بالعكس قد تقل النسبة فيها في بعض الموجودات الزكوية كما كثرت فمثلا في أربعين شاة واحدة 120 كذلك راعى الإسلام المساواة بين كل من له نصاب دون تفرقة كما راعى مدى الجهد البشري المبذول في تحصيل المال حيث أوجب العشر فيما سقي من الزروع والثمار بغير آله، في حين أوجب نصف العشر فيما سقي بآله كما راعى الظروف الشخصية لدافع الزكاة من خلاف إعفاء الحد الأدنى لمعيشة الفرد ومن يعوله حيث يعتبر من الحاجيات الأصلية، كذلك إعفاء المدين من زكاة ماله إذا كان مستغرقا بالدين، أو خصم ديونه عنه، كذلك طرح النفقات والتكاليف حيث تكون الزكاة في صافي الربح وكما راعى الإسلام العدالة في تشريع الزكاة وأحكامها كذلك راعى العدل في ت