– نظام B.O.T وما في فقهنا العظيم :
بالاضافة إلى ما
ذكرنا من التكييفات الفقهية فإن فقهاءنا العظام قد سبقوا فقهاء العصر ،
والقانونيين بعقود شبيهة تماماً بهذا النظام ، وذلك من خلال بعض الصور لعقد
الإجارة ، وعقد الحِكر ، ولذلك سنلقي عليهما بعض الأضواء.
أ ـ
عقد الكراء ( الإجارة ) حيث نجد في الفقه المالكي مسائل شبيهة بهذا النظام ، منها
ما ذكره ابن رشد في البيان والتحصيل : ( قال ابن القاسم في رجل قال لرجل أعطني
عرصتك هذه أبنيها بعشرة دراهم، أو بما دخل فيها، على أن أسكنها في كل سنة بدينار حتى
أوفي ما غرمت فيها وأصلحت؟ قال: إن سمى عدة ما يبنيها به، وما يكون عليه في كل سنة
فذلك جائز، وإن لم يسم فلا خير فيه ) قال محمد بن رشد : (وهو كما قال؛ لأنه إن سمى
عُدّة ما يبنيها به، ولم يسم ما يكون عليه في كل سنة كان كراءً مجهولاً، وإن سمى
ما يكون عليه في كل سنة، ولم يسم ما يبنيها به كان الكراء معلوماً، وأمده مجهولاً،
وإذا سمى الوجهين كان كراء معلوما إلى أجل معلوم فجاز. وإنما جاز وإن لم يبين هيئة
بناء العرصة والأغراض في ذلك مختلفة من أجل أن المكتري كالوكيل له على ذلك، فإذا
بنى العرصة على الهيئة التي تشبه أن تبنى عليها لزمه…..ولو وصف البنيان، وعدد ما
يسكنها من السنين لجاز وإن لم يسم عُدّة ما يبنيه به ولا ما يكون عليه في كل سنة ،
بل لا يجوز إذا اكتراه منه سنين معلومة ببناء موصوف أن يسمي للبنيان عددا ًمعلوماً
، لأنه يعود بذلك غرراً ويكون من بيعتين في بيعة ، وبالله التوفيق )[1]
.
وهذا النص واضح في أن هذه الصورة المذكورة فيه
أصل صالح لنظام البناء والتشغيل واإعادة ، بل إنها لا تختلف عنه سوى التطوير في
العقود المنظمة والتوسع في التشغيل حيث يتم تشغيل المباني لغير المستأجر .
ففي ضوء ما ذكر فإن هذا العقد المنظم هو عقد
واحد وهو عقد الكراء ، وان الأجرة تحدد بمبالغ متفق عليها ، تجعل في المقابل
البناء والمشروع ، فمثلاً يتفق الناظر مع المؤسسة المستثمرة على أن تكون أجرة
الأرض مليون دولار لعشر سنوات ، ويتفقان أيضاً ان يكون البناء أو المشروع مقابل
هذا المبلغ للفترة الزمنية المذكورة ، ثم تنزل على الأقساط الايجارية الشهرية أو
السنوية ، بل إن المالكية أجازوا أيضاً أن تكون أجرة الأرض بناء العقار أو المشروع
نفسه أو غرس الأشجار فيها ، جاء في الشرح الكبير للدردير : ( أو كراء أرض مدة كعشر
سنين لغرس معلوم فإن انقضت المدة فهو ـ أي المغروس ـ يكون لرب الأرض ملكاً …
فالأجرة هي الشجر …) ، وعلق على ذلك الدسوقي فقال : (مفهومه : أنه يجوز إجارتها
مدة البناء ، وبعد انقاضء المدة يكون البناء كله أو بعضه لرب الأرض أرجة ، قال في
المدونة : وإن أجرته أرضك ليبني فيها ويسكن عشر سنين ثم يخرج ويدع البناء فإن بيّن
صفة البناء والمدة التي يسكن فيها المكتري فهو جائز وهو إجارة ، وان لم يصفه لم
يجز )[2]
.
وجاء في البيان والتحصيل : ( وسئل مالك عن رجل
تكارى عرصة خربة على أن ينفق عليها، ويكون كراؤها كذا وكذا، قال مالك: أرى أن يسمى
ما ينفق فيها ويقاصه بذلك في كراء ما تكارى به من السنين ، فقيل له: أفيجعل كراءها
دراهم؟ قال: بل أجزاء يجعل نفقته عشرة دنانير، وكراءها إياها عشرين سنة، في كل سنة
نصف دينار، أو أقل من ذلك، أو أكثر من السنين والأجزاء، فعلى هذا يتكارى
المتكارون، ويكري صاحب الدار.
قال
محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة في المعنى؛ لأن مآلها إن أكراه العرصة عشر
سنين، سنة بعشرة دنانير على أن يبني العرصة لربها، إذا شرط أن يقاصه بالنفقة في
الكراء لم يجز؛ لأنه إذا لم يكن الكراء بالنقد لم يوجب الحكم المقاصة به، ووجب أن
يتبعه بنفقته سلفاً حالاً عليه، ويؤدي إليه الكراء بقدر ما سكن شيئاً بعد شيء على
ما يوجبه الحكم في ذلك. ووجب أن يتبعه بنفقته سلفاً حالاً عليه، ويؤدي إليه الكراء
بقدر ما سكن شيئاً بعد شيء على ما يوجبه الحكم في ذلك. قال ابن المواز: وهذا إذا
كان البناء لرب العرصة، ويسمي ما بنى به، وكان ذلك من الكراء لا يزيد عليه، وشرط
ابن المواز أن يكون ذلك الكراء لا يزيد عليه، صحيح مثل ما في المدونة؛ لأنه إن شرط
أن ينفق في العرصة أكثر من كرائها كان الزائد على الكراء سلفاً منه لرب العرصة؛
فدخله كراء وسلف.
قال ابن المواز: وأما إن كان
البناء للمكتري فلا يحتاج إلى تسمية ما يبني، ولا ما ينفق، ولا أحب شرطه في أصل
الكراء إلا أنه إن بنى فمتى ما خرج فلرب العرصة أن يعطيه قيمته مقلوعاً، أو يأمره
بقلعه. وقول ابن المواز: إن البناء إذا كان للمكتري فلا أحب اشتراطه في أصل الكراء
صحيح بيّن؛ لأنه إذا اشترط ذلك عليه فقد وقع الكراء على أن يأخذ المكري من المكتري
بنيانه بقيمته مقلوعاً عند انقضاء أمد الكراء، وذلك غرر لا يجوز، وإنما لم يرَ في
الرواية أن يجعل كراءها دراهم إذا كان ينفق فيها دنانير، ويفاصله بها في الكراء؛
لأنه يدخله عدم المناجزة في الصرف؛ إذ لا يحل الكراء عليه إلا بالسكنى شيئاً بعد شيء،
ولو قال: أكتري منك العرصة لعشرين سنة بعشرة دنانير، نصف مثقال لكل سنة على أن
أنفق فيها مائة درهم من مالي تكون مقاصة بالكراء، أو قال أكتري منك العرصة بمائة
درهم من مالي تكون مقاصة الكراء، أو قال أكتري منك العرصة بمائة درهم لعشرين سنة
على أن أنفق فيها عشره دنانير تكون مقاصة بالكراء لجاز ذلك، وإن سمج القول؛ لأن
الأمر يؤول فيه إلى صحة الفعل، وهو كراء العرصة عشرين عاماً بالعدد الذي سمى أنه ينفق
فيها، وبالله التوفيق)[3]
.
ب
ـ الحكر ، أو حق القرار :
الحِكر ـ بكسر الحاء وسكون الكاف ـ العقار المحبوس ، وجمعه
أحكار ، وبفتحهما : كل ما احتكر[4].
وفي اصطلاح الفقهاء يطلق على ثلاثة معان :
1.العقار المحتكر نفسه ، فيقال : هذا حكر فلان .
2.الإجارة الطويلة على العقار .