وسائل
مساعدة للتسامح والتراحم :
أ)
من
أهم الوسائل المساعدة للتسامح والتراحم أن الإسلام أجاز للمسلم أن يتزوج من نساء
اهل الكتاب ، وبالتالي تصبح الكتابية زوجته ، وأم أولاده ، وإخوانها نسائبه ،
وأخوال أولاده ، وأمها بمثابة والدته وهي جدة لأولاده ، وأبوها جد لهم ، وهكذا ،
فيصبح بين المسلمين وأهل الكتاب مصاهرة وقرابة لها حقوق ونفقات وتكافل ، وقد أمر
القرآن الكريم بالإحسان إلى الوالدين حتى ولو جاهدا على إضلال أولادهما فقال تعالى
: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا
تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ
أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ )[1].
ب) وكذلك فرض الإسلام حقوقاً حتى للجار غير المسلم ، وبالتالي
فإن جميع النصوص الواردة في حقوق الجوار المطلق تشمل الجار غير المسلم[2] .
ج) الالتزام بالآداب الراقية عند الجدال حيث خصّ الله تعالى
الجدال مع أهل الكتاب بأن يكون بالأحسن صورة وشكلاً وأسلوباً ولغة ومنطقاً ، فقال
تعالى : (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ
إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ
مُسْلِمُونَ)[3] .
د) تطبيق الأخلاقيات الراقية في التعامل ، فقد طبق الرسول صلى
الله عليه وسلم ذلك في حواراته معهم ، وفي تعامله معهم ، حيث كان يزورهم ويحسن
إليهم ويعود مرضاهم ، بل يسمح لهم أن يصلوا صلاتهم في مسجده عرضاً ، فقد روى علماء
السيرة بسندهم : أنه لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا
عليه مسجده بعد صلاة العصر ، فحانت صلاتهم ، فقاموا يصلون في مسجده ، فأراد الناس
منعهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دعوهم ) فاستقبلوا المشرق ، فصلوا
صلاتهم )[4] .
وقد علق على ذلك ابن القيم
فقال : ( ففيها : جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين ، وفيها تمكينهم من صلاتهم
بحضرة المسلمين ، وفي مساجدهم أيضاً إذا كان ذلك عارضاً …)[5] .
ثم قال : ( والمقصود أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم لم يزل في جدال الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم إلى أن
توفي ، وكذلك أصحابه من بعده ، وقد أمر الله سبحانه بجدالهم بالتي هي أحسن في
السورة المكية والمدنية … وبهذا قام الدين ، وإنما جعل السيف ناصراً للحجة …)[6].
بل أكثر من ذلك فإن الرسول
صلى الله عليه وسلم قد قبل هدايا أهل الكتاب واحترمهم حتى كان يقف عندما تمر جنازة
أحدهم ، وعندما سئل عن ذلك قال : ( أليست نفساً ) فقد روى البخاري ومسلم بسندهما
عن جابر بن عبدالله ، قال : ( مرّ بنا جنازة فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم
فقمنا به ، فقلنا : يا رسول الله : إنها جنازة
يهودي ، قال : (إذا رأيتم الجنازة فقوموا )[7] ورويا كذلك عن سهل بن حنيف ، وقيس بن سعد : أن النبي صلى الله مرت به
جنازة فقال ، فقيل له : إنها جنازة يهودي ، فقال : ( أليست نفساً ؟)