المضمون الاقتصادي للفلاح :
بما أن الفلاح
هو السعادة ، والظفر والتمتع بالطيبات بالدنيا والآخرة ، فإن هذا يدل بوضوح على
أهمية إشباع الحاجيات للجميع حتى يتحقق هذا الفلاح في الدنيا وذلك لأن الفلاح
الكامل هو ما عبر عنه القرآن الكريم من خلال الدعاء الذمكور في قوله تعالى : (
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ)[1]
أي تحقيق الفلاح الجامع بين طيبات الدنيا والآخرة ، وكما عبر عنه القرآن
الكريم بالخير فقال تعالى : ( وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ
رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً )[2]
.
ومن الجانب
التأصيلي فإن الإسلام جاء لتحقيق الفلاح والخير في الدنيا أولاً وفي الآخرة فيما
بعد،وحينئذ يكون إشباع الحاجيات الدنيوية جزءاً مهماً أيضاً من الفلاح في نظر
الإسلام،فالإسلام ليس دين الآخرة فقط،وإنما جاء لإقامة الجنة في الدنيا،والفوز
بجنة الله الخالدة في الآخرة .
ومن أهم أسباب
الفلاح والسعادة الدنيوية ـ بعد الإيمان والإسلام ـ وجود المال لدى الإنسان وتمتعه
به ، ولذلك سماه الله بالخير فقال تعالى : ( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ ـ أي
المال ـ لَشَدِيدٌ)[3]
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( نعم المال الصالح للرجل الصالح )[4]
.
وقد روى ابن
أبي الدنيا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس خيركم من ترك دنياه
لآخرته ، ولا من ترك آخرته لدنياه ، حتى ينال منها ، فإن كل واحدة منها مبلغة إلى
الأخرى ، ولا تكون كلاًّ على الناس )[5]
.
يقول الخليفة
عمر ابن الخطاب رضي الله عنه : ( يا أيها الناس أصلحوا معايشكم ، فإن فيها صلاحاً
لكم وصلة لغيركم)[6]
، وقال خالد بن صفوان : ( خصلتان إذا حفظتهما لا تبالي ما صنعت بعدهما : دينك
لمعادك ، ودرهمك لمعاشك )[7] .
ويقول الحافظ
ابن أبي الدنيا : ( ينبغي للعاقل أن يحب حفظ المال في غير إمساك ، فإنه من المروءة
، يكف به وجهه ، ويكرم به نفسه ، ويصل منه رحمه )[8]
.
الحرية أحد مقومات الفلاح :
لا يمكن أن يتحقق
الفلاح بمعناه الشامل في ظل الاستبداد والذل والعبودية لغير الله تعالى ، ولذلك
جعل الإسلام الحرية إحدى القيم الأساسية للمجتمع ، وأحد المبادئ المهمة للدين ويدل
على ذلك الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة[9]
.
فالحرية لها علاقة مباشرة بتحقيق الفلاح من حيث الوجود
ومن حيث العدم :
أ ـ أما من حيث وجود الحرية فإن علاقة الفلاح بها من
النواحي الآتية :
أولاً ـ أنه مع الحرية تكون مجالات العمل كبيرة وواسعة ،
فلا تحدها حدود إلاّ حدود الالتزام بثوابت الشرع ، وبالتالي فتكون أبواب الاكتساب
مفتحة على مصراعيها ، ومجالات الارتزاق كبيرة ، واحتمالات النجاح أكبر ، فإذا لم
يفلح إنسان في عمل تحول إلى عمل آخر حتى يجد المجال المناسب .
وهذا ما أشار
إليه القرآن الكريم من السعي في جميع أطراف الأرض فقال تعالى : ( فَامْشُوا فِي
مَنَاكِبِهَا)