أهداف
الانتاج وتوجيهه في الاسلام وعلاقتها بالأخلاق :
يستهدف الانتاج في ظل الاسلام الخروج من حدّ
الكفاف إلى حد الكفاية لكل إنسان باعتبار أن ذلك واجب عبادي يجب على الفرد
والمجتمع ، والجماعة والدولة السعي لتحقيق التنمية الشاملة .
وهذا الهدف ليس آخر المطاف ، بل هو هدف مرحلي
أساسي للانطلاق منه إلى ما سماه الفقهاء ( تمام الكفاية ) أي : الرفاهية والتقدم ،
أو حسب التعمير القرآني للوصول إلى فتح بركات السماء والأرض ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ
الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[1]
وقال الله تعالى على لسان نوح : ( فَقُلْتُ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ
مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً)[2]
.
فالفكر الاسلامي لا يكتفي بحد الكفاية ، وإنما
يطلب تعمير الأرض كلها ، والوصول إلى التمكين من الكون كله ، والاستفادة من خيراته
وبركاته ، وما في داخله وباطنه وظاهره ، لأن كل ذلك خلق للانسان للاستفادة منه .
المؤمن
ينتج لأجل إسعاد الآخرين :
وقد دل الكتاب والسنة على أن المؤمن المفلح هو
الذي ينتج لأجل إسعاد الآخين ، فهو يعمل ويتاجر ، ويزارع ويصنع ، وينتج لأجل أن
تكون له أموال فيؤدي زكاتها للمستحقين ، فقال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ
اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ )[3]
أي أنهم يفعلون في كافة مجالات الحياة لأجل دفع الزكاة للمستحقين لإغنائهم
وإسعادهم، ولذلك عبر القرآن الكريم بهذه الصيغة الدالة على ما قلت ، ولم يعبر
بقوله : ( للزكاة مؤدون ، أو مؤتون) .
رابعاً
ـ المبادئ والقيم الحاكمة للتبادل في الاقتصاد الاسلامي :
وقد نظم الإسلام التبادل من خلال العقود المنظمة
لها سواء كانت عقوداً ناقلة للمكلية التامة كالبيع ، أم للملكية الناقصة كالإجارة
، أم من خلال عقود المشاركات ، أم نحوها .
وقد أحاط الاسلام التبادل أيضاً بمجموعة من
القيم الاساسية من الصدق والأمانة والنصيحة والرحمة والسماحة ، وعدم الغش والتدليس
والاكراه ، كما حرم مجموعة من الاشياء مثل الربا ، والغرر ، والتطفيف ، والنجش ،
والاحتكار في الطعام ، ونهى عن تلقي الركبان وبيع الحاضر للبادي ، وبيع ما لم يقبض
وبيع ما ليس عنده وعن الغبن الفاحش وعن كل ما يضر بالآخر[4]
.
وأهم
المبادئ الحاكمة للتبادل هي بإيجاز :
1- مبدأ العدل ، وعدم الظلم ،
وهو مبدأ عام ، بل هو أساس الشريعة ، وعليه قامت السموات والأرض ، ولأجل تحقيقه
نزلت كل الشرائع السماوية ، يقول ابن القيم : ( فإن الشريعة مبناها وأساسها على
الحكم والمصالح في المعاش والمعاد ، وهي عدل كلها …. ، فكل مسألة خرجت عن العدل
إلى الجور … فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل ، فالشريعة عدل الله بين
عباده …. )[5]
.
والمقصود بالعدل في التبادل والعقود هو أن
يلتزم العاقدان بمقتضى العقد وآثاره الشرعية الأصلية ، وأن يستغل أحدهما قوته ، أو
ضعف الآخر للإخلال بالتوازن بين حقوق الطرفين ، فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن توزع
الحقوق والواجبات ( الايجابيات والسلبيات ) بين الطرفين ، حيث إن لكل عقد ميزاناً
له كفتان ففي كل كفة حقوق وواجبات ( ايجابيات وسلبيات ) فمثلاً أن عقد المضاربة له
كفتان ، ففي كفة رب المال حق وواجب ، الحق ( الايجابية ) هو مشاركته في الربح الذي
حققه المضارب ، وواجب ( سلبية ) وهو أن يتحمل الخسارة إذا تحققت دون تعدي المضارب
أو تقصيره ، واما كفة المضارب ففيها حق ( ايجابية ) وهو أنه غير ضامن عند تحقق
الخسارة إلاّ عند التعدي أو التقصير ، ولكن عليه واجب ( سلبية ) وهو بذل كل الجهد
، وأن يعطى النسبة المتفق عليها من الربح المحقق لرب المال .
وهذا الأمر في القرض حيث إن كفة المقرض فيها
ايجابية الضمان على المقترض بمجرد القبض ، وسلبية عدم استحقاقه لأي ربح أو فائدة ،
وفي كفة المقترض ايجابية أن الناتج كله له ، وسلبية أن القرض مضمون عليه ، فحينما
يجتمع الحقان ( الايجابيتان ) في كفة المقرض ، وهما ضمان رأس المال ، وضمان زيادة
له فقد اختل التوازن فعلاً وتحقق الظلم ، وليس الظلم هنا ظلماً شخصياً ، وإلاّ لما
كان المقترض الراضي بالربا مظلوماً ، ولما كان المقترض المحتاج ملعوناً ، فهذا
الظلم لحقه الله تعالى وهو له ولشريعته ، ثم للمجتمع ، حيث إن الربا يترتب عليه
آثار خطيرة على المجتمع لا يسع المجال لذكرها .
2- مبدأ التملك والتمليك في
عقود المعاوضات ، وهو مبدأ من الأحاديث الدالة على منع التصرف فيما لا يملكه
الإنسان ، ومبدأ الغرم بالغنم في المشاركات ، وهو مبدأ منبثق من حديث صحيح ، وهو :
( الخراج بالضمان ) ومن مبدأ العدل ، ولكن له أهميته ، وخصوصيته وتطبيقاته في عقود المشاركات ، ونحوها [6]
.