يحيى عسكر:
الدوحة – جريدة الشرق
ألقى فضيلة الدكتور علي القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين كلمة في بداية المهرجان تحت عنوان القدس الشريف، الأمل والتاريخ قائلا: أما الأمل فهو ليس مجرد أمل وإنما هو وعد حق ويقين بنصرة المسلمين الملتزمين، وبشائر حق بنصرتهم على هؤلاء الصهاينة، فقال تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا) سورة الاسراء الآية 4 – 5، ثم قال في الكرة الثانية (فإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا).
وقال إن الآيات والأحاديث بهذا الوعد الحق أكثر من أن تُحصى، سواء كانت بدلالات عامة، أو خاصة، مثل قوله تعالى (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)، وقوله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ).
فالقدس الشريف وفلسطين كلها تعاد الى أهلها اذا توافرت فيهم الشروط المذكورة في هذه الآيات وهي: أن نكون عباداً خالصين لله تعالى عاملين في سبيل الله وحده وتكون نيتنا خالصة لوجهه الكريم بعيدة عن كل عصبية جاهلية، فالقدس لم تتحرر، ولم تطهر الا في ظل الراية الاسلامية الواضحة، بل احتلت ومعها كل الاراضي الفلسطنية، بما فيها غزة، والضفة، والجولان، وسيناء في ظل رايات جاهلية.
والشرط الثاني هو أن نكون أولي بأس شديد، أي أن نملك القوة بكل معانيها، قوة الوحدة، وقوة العقيدة، وقوة السلاح والعلم.
والشرط الثالث هو السير على المنهج الصحيح وهو منهج القرآن الكريم، ولذلك جاء قوله تعالى: (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) جاء بعد الحديث عن فساد اليهود، ونصرة العباد المخلصين عليهم، كما في سورة الاسراء.
وأضاف: نحن لا نتحدث عن الامل فقط، بل عن النصر المحقق وأن الوعد الحق يرتبط به من حيث الزمن فقط وليس من حيث الوقوع، ونحن نقول بعد ما أصابت اهلينا البأساء والضراء: “متى نصر الله؟” فكان الوعد الحق من الله (ألا ان نصرالله قريب) وقال تعالى (وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)، فاذا كان الصهاينة يراهنون على أن العرب والمسلمين ينسون وينشغلون عن قضيتهم مع مرور الزمن فنقول لهم هذا مناقض للتاريخ ومخالف للواقع، لاسيما للقدس الشريف، فكيف ينسى ونحن نذكر المسجد الاقصى في صلاتنا، حيث كان قبلتنا الاولى: قبلة رسول الله وصحبه الكرام طوال الفترة المكية، وستة عشر شهرا في المدينة المنورة.
وقال فكيف ينسى القدس، والمسجد الاقصى وهو ثاني مسجد وضع على الارض، فقد روى البخاري بسنده عن أبي ذر: قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع في الارض أولا؟ قال المسجد الحرام، قال: قلت ثم أي؟ قال: المسجد الاقصى. قلت كم بينهما؟ قال: أربعون سنة.
وتابع القره داغي قائلا كيف ينسى هو وما حوله، وما حوله أيضا أرض مباركة، وكيف ينسى الأقصى وهو مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أمّ النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء والمرسلين، ومن قدسيته أن سيدنا موسى عليه السلام كان يدعو – كما في البخاري – عند موته أن يدنيه من الارض المقدسة رمية بحجر، وكيف يُنسى وإليه تشد الرحال، وفيه يضاعف أجر الصلاة، وأن الله يغفر لمن يصلي فيه، عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما فرغ سليمان بن داود من بناء سقف القدس سأل الله ثلاثاً: حكماً يصادف حكمه، وملكاً لا ينبغي من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أما اثنتان فقد أعجلهما، وأرجو أن يكون أعطي الثالثة” رواه النسائي وابن ماجه – وهو مقام الطائفة المنصورة وأرض المحشر والمنشر.
وأما التأريخ فهو أن فلسطين كانت لأهلها الفلسطينيين العرب منذ بداية التأريخ، ثم حررها الخليفة الراشد الفاروق عمر وتسلم مفتاح القدس الشريف من القساوسة، ثم احتلها الفرنجة حسب مصطلح المؤرخين المسلمين (أو الصليبيين حسب تاريخ الغرب) فحررها صلاح الدين الأيوبي رحمه الله.
فالتاريخ شاهد على أن القدس وفلسطين هو المؤشر (ترمومتر) لقوة المسلمين أو ضعفهم، لوحدتهم أو فرقتهم، فيوم تفرق المسلمون على خلافتين، خلافة ضعيفة في بغداد، ودولة أخرى سمت نفسها بالدولة الفاطمية في مصر، وتونس والجزائر والمغرب (أي المغرب الاسلامي) تمكن الصليبيون من احتلال القدس وفلسطين ومعظم الشام وبقوا في القدس الشريف فقط حوالي 90 سنة وفي معظم مناطق الشام 200 سنة، وحينما جاء صلاح الدين ووحد المغرب الاسلامي مع المشرق الاسلامي، ووحد جيش مصر مع جيش الشام والعراق واليمن استطاع بسهولة أن يقضي على الفرنجة (الصليبيين) فقد انطلق صلاح الدين من توحيد الأمة الى التحرير، ومن الاجتهاد والاعتماد على العلماء الى الجهاد.
واضاف ان التاريخ يشهد أن صلاح الدين هو كان نتاج حملة عظيمة من العلماء بدأت مباشرة بعد احتلال القدس الشريف الذي كان كارثة عظيمة ومصيبة عظمى على قلوب المسلمين سجلتها مشاعر الفقيه أبو المظفر الابيوردي بقصيدة نعى ورثاء وهجوم مطلعها:
مزجنا دماءً بالدُّموعِ السَّواجمِ فَلَمْ يَبْقَ مِنَّا عَرْصَة ٌ لِلَمراجمِ
وَشَرُّ سِلاحِ المَرْءِ دَمْعٌ يُفيِضُهُ إذَا الحَرْبُ شُبَّت نارُها بِالصَّوارِمِ
واستطرد الأمين العام للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين قائلا التاريخ يعيد نفسه، حيث ضعفت أمتنا الاسلامية منذ عدة قرون انتهى هذا الضعف بالاحتلال لمعظم بلادنا من قبل المستعمرين، ثم اسقطوا آخر رمز سياسي لوحدة الامة وهو الدولة العثمانية، وحينما دب الضعف والفرقة فينا ظهر هذا الضعف بجلاء في فلسطين المباركة من خلال زرع الدولة الصهيونية.
ولكن سنة الله تعالى في هذه الامة هي حينما تعود الى الله يعود معه النصر والقوة، فبعد أربعين سنة بالضبط والتمام من تيه امتنا حول القضية الفلسطينية من 1947 الى 1987 ظهرت اول امارات القوة من خلال بروز الحركة الاسلامية في فلسطين من خلال انتفاضتها المباركة بهذه الحركة التي هي نتاج صحوة مباركة بدأت بعد سقوط الدولة العثمانية في مصر وغيرها بجهود كل الدعاة من جميع الأطياف، كل بقدره ولذلك بدأ النجم السداسي الصهيوني يسير نحو الافول والانتكاس ومعه امريكا القوة التي لم تكن عادلة مع قضيتنا الاولى في أي موقف من المواقف، بل كان لها معايير مزدوجة بسبب اللوبي الصهيوني.
واذا كان مؤشر اسرائيل نحو النزول وكذلك مؤشر حاضنتها المنشغلة بالأزمات العسكرية في العراق وأفغانستان، والمنهكة بالازمات المالية التي لا تخرج من أزمة، فتأتي أزمة أخرى، فإن مؤشر نجم الصحوة الاسلامية في صعود عظيم، بل في طفرة من خلال هذه الثورات العربية، والربيع العربي الذي غيّر مجرى التأريخ.
وشدد القره داغي على أن الأمل بالله كبير أولا، ثم بهذه الثورات التي أعادت للأمة حريتها وكرامتها، والأمة اذا خرجت من عبودية الذل والاستبداد لن تقبل ببقاء اخوانهم في فلسطين أن يعيشوا في ظل دولة ظالمة جائرة، فعلينا اذن دعمنا المتواصل لهذه الثورات في سوريا وغيرها ووقوفنا معها بكل قوتنا فهذه هي الطريق الصحيح للوصول الى القدس الشريف، فصلاح الدين حرر القدس وفلسطين والشام بجيوش مصر والشام والعراق.
وأكد أن واجبنا جميعاً نحن المسلمين حكاماً وشعوباً عظيم نحو هذه القضية نحو القدس الشريف نحو إخواننا الأسرى نحو الحصار الظالم على غزة العزة حتى حرمت من الوقود. وكونوا على علم فإن قافلة النصر تسير فليكن لنا شرف المساهمة فيها وفي تحرير القدس الشريف بالنفس والمال والفكر والاعلام.