الدوحة- الشرق
كتاب “إستراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية النقدية والمالية في ظل الربيع العربي ، يخص به فضيلة الشيخ د. علي محي الدين القره داغي الشرق في رمضان من هذا العام ليكون عونا لكل شعوب الأمة العربية والإسلامية في مسارها ونهضتها وإنقاذ البشرية مما يعتريها من ظلم وفقر وحرمان، إذ يقدم الكتاب عبر الفصول المختارة التي ننشرها تباعا استراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية (النقدية والمالية) في ظل الربيع العربي وهي دراسة فقهية اقتصادية، ومحاولة لبديل إسلامي، مع حلول طارئة.. يقول فضيلته:
النمو مع المساواة: هذا هو عنوان كتاب صدر عام 1993م من معهد “بركنجز ” ألفه ثلاثة من كبار الاقتصاديين والمحللين الأمريكان وهم: مارت نيل بايلي، وجاري بيرتلس، وروبرت إ.ليتان، وخلاصته كما يقول المؤلفون: (ابتلى الاقتصاد الأمريكي على امتداد ما يقرب من عقدين باتجاهين اقتصاديين للاضطراب: تباطؤ النمو والانتاجية، وتزايد عدم المساواة في توزيع الدخل) ويقولون أيضاً في الرد على الحلول السريعة: (إذ ان المشكلتين التوأم: تباطؤ النمو، وزيادة التفاوت في توزيع الدخل قد رافقتنا فترة زمنية طويلة، بحيث يتعذر حلهما بين يوم وليلة… حيث زعم المتحمسون في إدارة “ريجان” أن خفض معدلات ضريبة الدخل بكافة صورها، يحل المشكلة… وقدمت مقترحات أخرى… من وجوب تبني أمريكا لسياسة صناعية جديدة على غرار الياباني…).
ثم يقول المؤلفون: (ونحن نتبنى في هذه الدراسة مدخلاً أكثر حذراً وانتقائية لزيادة النمو طويل الأجل وفي الوقت نفسه: تحسين عدالة التوزيع…) ثم ربطوا بين النمو والعدالة من خلال مجموعة من التجارب والأدلة
وقصدي من استعراضي لهذا الكتاب هو التأكيد على أن التنمية منظومة تحتاج إلى مجموعة من الامكانات والاستعدادات، وأن العدالة والمساواة وكرامة الانسان ورعاية حقوقه لها الدور الأكبر في التنمية.
علاقة حقوق الانسان بالتنمية:
إن إحساس الانسان بحريته وكرامته وحقوقه المحفوظة والتعامل معه بعدل وانصاف يجعله شريكاً فعلياً في العملية الانتاجية، ونتائجها، وحينئذ يبذل أقصى جهده لأنه شريك فعلاً وليس خادماً أو عبداً مأموراً.
ويجب التوجه المركز نحو الإنتاج الكلي في مختلف المجالات وإبعاد ثقافة الترفيه المفرط والاسراف والتبذير، فقد وصف الله تعالى الحضارات البائدة بقوله تعالى: (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) أي أن وسائل الإنتاج النافعة معطلة عن الإنتاج، مع وجود قصور فارهة شيدت، وفي ذلك إشارة إلى الخلل الحاصل، وتوجيه للأمة المسلمة بالابتعاد عن مثل هذا الخلل، ولكن مع الأسف الشديد نرى أن معظم السياسات الاقتصادية في عالمنا الإسلامي يسير على هذا الاتجاه القائم على التوسع في الرفاهيات مع عدم أو قلة المصانع وأدوات الإنتاج.
ولا بد من اختيار (القوي الأمين) أي: أهل الاخلاص والاختصاص للتعمير والانتاج وكل مفاصل النشاط الاقتصادي، إذ بدون الاخلاص لله تعالى يكون الفساد الاداري، وبدون الاختصاص لا يكون هناك التطور والابداع وكلاهما من ضروريات التنمية.
كما ان هناك ضرورة لإحياء الوقف الاسلامي الذي كان له الدور الأكبر في تحقيق الحضارة الاسلامية، حتى يمكن القول: (بأن الحضارة الاسلامية هي هبة الوقف) حيث نشط الوقف بمختلف أنواعه الكثيرة المتنوعة التي شملت رعاية الحيوانات، إلى رعاية المستشفيات (بيمارستان) والجامعات، فكان لها دور عظيم في التنمية الشاملة.
ويجب ان تقوم الدولة بانشاء بيوت الزكاة للجمع والتحصيل، وللتوزيع العادل من خلال هيئة مستقلة مخلصة متخصصة، بحيث تأخذ مقادير الزكاة من الشركات ومن جميع الأموال المتاحة، ووضع سياسة دقيقة مدروسة لتوجيه أموال الزكاة وبقية الأموال العامة لتحقيق التنمية الشاملة، من خلال وضع خطة محكمة واستراتيجية للقضاء على الفقر، أو التخفيف منه.
الزكاة من الصناديق الاستثمارية للدول الإسلامية:
لا شك أن أموال الدولة المرصودة لصرفها في المصالح العامة لا تجب فيها الزكاة، ولكن ثار خلاف قديم منذ عصر الإمام محمد بن حسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، حيث ذهب إلى أن الزكاة تجب في استثمارات الدولة بنسبة 2،5 % باعتبارها ملكاً خاصاً لها خلافاً للجمهور.
والذي يظهر لي رجحانه هو قول محمد بن حسن الشيباني وبالتالي فتجب الزكاة في كل استثمارات الدولة المستمرة المتمثلة في الأسهم والصكوك (أو السندات) وفي الصناديق الاستثمارية التي تسمى: الصناديق السيادية التي تقدر الموجودات العربية فيها قبل الأزمة المالية بحوالي 2،5 تريليون، وهي استثمارات دائمة، إذن فكيف تعفى من الزكاة؟
وهذا الرأي قال به بعض المعاصرين.
فإذا أضيفت هذه الأموال إلى الزكاة فإنها كثيرة جداً وبالتالي فهي في مجموعها قادرة على القضاء على الفقر والبطالة، وتحقيق التنمية الشاملة.
والأموال الزكوية ليست قليلة إذا أخذت بشكل كامل، فإذا فرضنا أن الأموال الاسلامية المستثمرة في الخارج تريليون وخمسمائة مليار، فهذا يعني أن الزكاة 37.5 مليار دولار، فإذا أضيفت إليها بقية الأموال الزكوية، وبخاصة أموال الشركات الموجودة المستثمرة في بورصات العالم الاسلامي وبنوكه، فإن زكاتها في حدود مائة مليار دولار أي أن زكاة الأموال الموجودة للعالم الاسلامي في حدود 137،5 مليار دولار سنوياً.
وارى بضرورة تخصيص جزء من واردات المعادن للتنمية الشاملة للأمة الاسلامية.
وهذه الفكرة مرتبطة بالفقرة السابقة، طرحتها في بحث خاص بالموضوع تتلخص في النقاط الآتية:
* ان الاسلام قد فرض في الركاز الخمس – أي 20 % – وذلك من خلال حديث صحيح يدل على ذلك، يرويه البحاري ومسلم بسندهما عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (…وفي الركاز الخمس) والركاز لغة، وحسب الراجح من أقوال الفقهاء (الحنفية وبعض التابعين) يشمل الكنوز والمعادن.
* وأن المعادن على الراجح من أقوال أهل العلم (المالكية وغيرهم) ملك لله تعالى، أو ما يسمى بالحق العام الذي تمثله الدولة، وأما الجمهور فقد فرقوا بين المعادن التي وجدت في أرض خاصة لشخص حيث تكون ملكاً له وحينئذ يجب فيما تنتجه الخمس، وفيما عداها تكون ملكاً للدولة.
* أن مصير ما يؤخذ من الركاز اما مصارف الفيء، أي المصالح العامة للأمة الاسلامية، أو مصارف الزكاة الثمانية.