بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب السعادة والفضيلة
اخواني واخواتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يشرفني أن أقف أمام هذا الجمع الكبير ممثلا عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ولرئيسه فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي الذي كان حريصا على الحضور لكنه لم يستطع المشاركة لظرف طارئ، لألقي كلمة الاتحاد راجيا وداعيا ان يجعل مؤتمرنا هذا نافعا مؤثرا وبداية لخطوات عملية للدفاع عن امتنا وعن المظلومين في كل مكان
أيها الاخوة والاخوات
ان امتنا الاسلامية في هذا القرن الواحد والعشرين تمر بمرحلة خطيرة حيث تعود اليها الديكتاتورية والانقلابات العسكرية والقتل والتعذيب واهانة الانسان وهضم حقوقه ، بل قتل الانسان بصورة همجية وحرقه واهانته ميتا دون خوف من الخالق او حياء من مخلوق ، وهذا ما شاهدناه في مصر الحبيبة في رابعة والنهضة وغيرهما من مجازر، بل محارق في سيناء ودلجا وكرداسة ، ورأينا ما يشيب له الولدان في سوريا من مذابح ومجازر يندى لها جبين الانسانية ، فتم استخدام الاسلحة المحرمة بكافة اشكالها وانواعها ، مما ادى لمقتل واستشهاد بحدود مائتي ألف شهيد ومئات الالاف من الجرحى والمعتقلين والاسرى، وتدمير أربعة آلاف مدرسة ، وخمسة ملايين لاجئ خارج سوريا وسبعة ملايين لاجئ بداخلها ،
هذا بالإضافة لانتهاكات خطيرة لإخواننا البورميين في مينامار ، وفي بنغلاديش وغيرها من دول عالمنا الاسلامي.
بل وأخطر من ذلك فإن العدو الصهيوني استغل ذلك لمصالحه وجني ثمار كل هذه المشاكل ، فتدمير الجيوش العربية القوية في العراق وسوريا ومصر لمصلحة العدو ، وتدمير الاسلحة الكيماوية أمنية العدو ، وتدمير المؤسسات والشعب ، والفوضى الهدامة كل ذلك لمصلحة العدو
وأمام هذا الوضع لا بد لعلماء الأمة الربانيين أن يقوموا بواجبهم الذي بينه الله تعالى ( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ) كما أن هذا الواجب هو واجب الامة جميعا ولا سيما البرلمانيون والحقوقيون والسياسيون والاعلاميون ونحوهم، ولذا كانت الدعوة الى هذا المؤتمر في وقته وضمن أداء هذه الفرائض الكفائية، شكر الله لكل من ساهم فيه
سيداتي وسادتي
ان ما حدث في مصر ليس مجرد انقلاب عسكري على الشرعية فحسب ، وانما هو انقلاب على كل المبادئ والقيم الاسلامية والانسانية والديموقراطية والدستور ، وجريمة بحق الشعب في الحرية والعدالة والحياة الكريمة والارادة والاختيار ، فهو انقلاب على ثورة الشعب المصري العظيم في يناير ضد الظلم والطغيان ، ضد حكم حسني مبارك الذي عاث في الارض الفساد ، فهذا الانقلاب اعاد حكم حسني ورجاله واعوانه ولكن بشكل اسوأ من الحكم السابق نفسه ، اذ ان ما حدث في ظل الانقلاب من القتل والحرق والاعتقال والاهانة والتدمير زاد على ما فعله العسكر طوال ستين سنة أو يزيد
ولذلك فإن هذه القضية في مصر ومحاولات استنساخها في جميع دول الربيع العربي ليست قضية مصرية فحسب ، بل هي عربية واسلامية وانسانية
ولذلك يجب على جميع المصريين المسلمين وغيرهم ممن لديهم القيم والمبادئ الدينية والانسانية ان يتحدوا ويعملوا ضد هذا الانقلاب الذي لم يترك قدسية لا للأحياء ولا للأموات ، لا للمساجد ولا للكنائس ، ولا لحرمات الناس ، واذا تُرك الانقلاب فسيندم الجميع ولكن « ولات ساعة مندم » وهي قضية عربية ايضا لما لمصر من دور عظيم على مر التاريخ ، كما ان امن الجميع امن واحد لا يتجزأ ، وقد وقف العرب الجاهليون ضد الظلم والتعسف والاضطهاد للمستضعفين في حلف الفضول الذي قال عنه الرسول الكريم { لَوْ دُعِيتُ إِلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ }
وهي ايضا قضية اسلامية حيث ان الاسلام يجعل المسلمين كجسد واحد ، اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، بالإضافة الى ان كرامة الانسان وحقوقه مقدسة فقال الله تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم} حتى أن قتل امرئ واحد عند الله أشد عند الله من هدم الكعبة حجراً حجرا .
وبالتالي فالواجب على المسلمين جميعا ان يقوموا بواجباتهم لحماية الامة ودرء المخاطر ومنع الانتهاكات في اي مكان ، فالرسول الكريم يقول { المسلمون تتكافئ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم }
وهي أيضا قضية انسانية ، حيث اننا نحن بنو الانسان اخوة في النسب الاعلى فكلنا من آدم وحواء ، وكلنا فينا نفحة من روح الله ، ولذلك قال العلماء في تفسير قوله تعالى { وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ } قالوا إنها أرحام الانسانية
وقد ترسخت مجموعة من المبادئ العظيمة لحقوق الانسان في العالم أجمع ، لكن تم انتهاكها وبشكل صارخ في سوريا ومصر وماينمار وفي فلسطين وغيرها ، فأين دور الشرفاء في العالم على مستوى الاشخاص والمنظمات والهيئات الحقوقية والاهلية ؟!
أيها الاخوة والاخوات
إن أمن العالم كله واحد ولا سيما في عصرنا الحاضر الذي اصبح العالم فيه كقرية صغيرة تتأثر بما يحدث في كل بقعة فيها ، ولذلك يجب على جميع من يهمهم امر الانسان أن يسعى جاهدا لمنع الاعتداء على الانسان واهانته وهضم حقوقه وحريته، وهو بهذا الفعل يخدم نفسه وأمته والبشرية جمعاء ، وهذا ما اكده القرآن الكريم في قوله تعالى { والْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَام{
اننا جميعا مسؤولون امام الله تعالى ثم امام امتنا وامام الاجيال القادمة عما سنفعله أمام الانقلاب على الشرعية والديموقراطية والمبادئ والقيم، وما الذي سنفعله في منع عدوان الطغاة الديكتاتوريين في سوريا وماينمار، وأمام الاحتلال الغاصب في فلسطين، هذا هو السؤال الذي يجب آن نجيب عنه في الدنيا قبل أن نقف أمام الخالق { وَقِفُوَهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ }
وبناءً على ذلك وحتى يكون مؤتمرنا المبارك خطوة عملية وايجابية نحو الامام، فأقدم أمام حضراتكم المقترحات التالية :
أولا: تشكيل لجنة عالمية للدفاع عن الحقوق والحريات والديموقراطية، ومحاربة الانقلابات على الشرعية ودعاتها، تضم الحقوقيين والبرلمانيين ومنظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني، ولا بد أن تنبثق منها لجان فرعية وتخصصية، وفروع في كل البلاد المتاحة.
ثانيا: لجنة فكرية متخصصة لدراسة ثورات الربيع العربي تقوم بعقد المؤتمرات وورش العمل للتقييم والترشيد والتنوير
ثالثا: صندوق مالي دولي لضحايا الانقلاب من أسر الشهداء والمعتقلين، وعلاج الجرحى، يرتب له وضع قانوني – بمنتهى الشفافية -، ونحن في الاتحاد مستعدون للمساهمة فيه
رابعا: لجنة إعلامية دولية تضم الاعلاميين الشرفاء في العالم كله لبيان الحق، وفضح الانقلاب وجرائمه في مصر، وجرائم الطغاة والديكتاتوريين في الانظمة المستبدة في سوريا وماينمار وجرائم المحتلين الغاصبين في فلسطين
خامسا: وأخيرا فقد تبين مما حدث في مصر بعد الانقلاب ان بعض الليبراليين شاركوا في دعم الانقلاب ضد حكم الدكتور مرسي لأي أسباب كانت، واليوم تبين للبعض منهم ان الانقلاب فعلا هو ضد كل ما يسمى بالحرية والديموقراطية، فعادوا الى رفض الانقلاب بقوة، وكذلك بعض المسيحيين الشرفاء، ومع الاسف الشديد حدث مثل ذلك لبعض المحسوبين على التيار الاسلامي الذين دفعهم الحسد الحزبي وغيره من الاسباب لأن يكونوا مثل اخوة يوسف {اُقْتُلُوا يُوسُف أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْه أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْده قَوْمًا صَالِحِينَ} ولما تبين لهم الحق عاد بعضهم وبقي الآخرون في غيهم يعمهون
فلجميع هؤلاء الذين يتفقون معنا على مبادئ الحرية والكرامة للإنسان، والديموقراطية والتعددية في السياسة، واحترام الشرعية، نقترح عقد مؤتمر حول المصير الواحد لنجتمع على كلمة سواء والاتفاق على الثوابت الاسلامية والوطنية،
فالإسلام الحقيقي رحمة للعالمين، وحق وعدل كله، وكما قال علماؤنا “اينما تكن المصلحة فثم شرع الله “ واينما تكن ثوابت الشريعة المجمع عليها فثم المصالح الحقيقية،
فلنجتمع جميعا قبل ان نندم ونقول “ أكلنا يوم أكل الثور الابيض”
أيها الاخوة والاخوات الكرام
إننا نطالب أمتنا بالبقاء على استمرار روح المقاومة للباطل والتضحية والفداء، والاستفادة من التجارب، والقدرة على نقد الذات، وليس جلد الذات، وضرورة تطوير الفكر والتجديد ومناهج الاصلاح والخطاب الديني، واتاحة المجال امام القيادات الشابة بعد الاعداد الكامل لها، واهتمام اكبر بالاعلام الحر النزيه، وبالفكر المؤسسي
وفي الختام لا يسعنا ونحن في هذا البلد الطيب ، بلد الجلال والجمال، تركيا ، الا ان نتقدم بالشكر الجزيل لهذا البلد العظيم شعباً وحكومة ورئاسة على رعاية هذا المؤتمر، وللأستاذ رجب طيب أردوغان على مواقفه المشرفة ، حفظه الله وسدد خطاه.
كما نشكر نائب رئيس الجمهورية على حضوره وكلمته الطيبة
كما لا يسعنا الا ان نتقدم بالشكر الجزيل للمنظمات الدولية، وللدول التي كان لها مواقف مبدئية مشرفة ضد الانقلاب مثل تركيا وقطر، ولجميع الدول التي تقف ضد الظلم والقتل والاضطهاد والاحتلال في سوريا وفلسطين ومينمار وغيرها، والشكر موصول لوسائل الاعلام المتميزة التي لم تألُ جهداً في تبيان الحق والوقوف ضد الظلم، مثل قناة الجزيرة وغيرها من القنوات الحرة والشريفة، والشكر الجزيل كذلك للمنظمين لهذا المؤتمر وللحاضرين الكرام .
دمتم في رعاية الله وحفظه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أ.د. علي محي الدين القره داغي
الامين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين