السؤال :
ما هي آثار تضارب الفتاوى على مستقبل العمل المصرفي الاسلامي على المستويين
المحلي والدولي ؟
الجواب :
وقبل أن أخوض في الجواب على هذا السؤال أود أن أبين أن الاختلافات المعقولة في
دائرة الاجتهادات القائمة على النصوص الشرعية ، والمقاصد المعتبرة لا تعتبر تضارباً
، ولا مضرة بالعمل المصرفي الاسلامي ، بل تعتبر إثراءً له ، وتطويراً للمنتجات
المالية الاسلامية ، وإنما الذي يضر الاختلافات التي لا تـنضبط بالضوابط المعتبرة ،
وإنما تعتمد على الحيل والمخارج والرخص الفقهية ، والمنظومة العقدية التي لا تحقق
مقاصد الاقتصاد الاسلامي ، بل تؤدي في جوهرها ، وحقيقتها ومآلاتها إلى أحد
المحظورات الشرعية ، وتكون بمثابة قول ابن عباس رضي الله عنهما في بيع العينة : (
بيع درهم بدرهمين بينهما حريرية ).
وأما آثار هذه التضاربات فهي كثيرة وخطيرة يمكن أن نذكر أهمها في الجانب
المحلي :
- إضعاف ثقة جماهير المسلمين بالمؤسسات المالية الاسلامية ، وبالتالي
فقدان أهم سبب للتعامل معها ، وذلك لأن الدافع الحقيقي وراء معظم المتعاملين مع
المؤسسات المالية الاسلامية هو الاسلام والخوف من الوقوع في الربا الذي سماه
الله تعالى بالحرب ( فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) (سورة
البقرة / الآية 279) وفي الوقوع في بقية المحرمات التي يخاف المسلم أن يتقرب
منها خوفاً من عقاب الله تعالى ، وعدم قبول دعائه ، وعبادته في الدنيا والآخرة
، والخوف من عذاب القبر ، والنار . - النزول إلى هاوية الحيل ، والتوجه نحو الفتاوى المرخصة تطبيقاً
للقاعدة الاقتصادية المعروفة القاضية بأن العملات الرديئة تطرد العملات الجيدة
، ثم تنتهي إلى الفساد والخراب . - عدم تحقيق مقاصد الاقتصاد الاسلامي من التعمير ، والتنمية الشاملة في
مجالات الصناعة ، والزراعة ، والتجارة ، وتضييق أهداف الاقتصاد الاسلامي في هذه
المؤسسات للمساهمة في النهوض بالمجتمع في جميع المجالات والارتقاء به إلى مجتمع
تمام الكفاية .
وأما على المستوى الدولي فكما يأتي :
- عدم احترام الاقتصاديين الدوليين لهذه الاختلافات ، ولا سيما لهذه الرخص
الفقهية القائمة على الحيل حتى إن أحدهم ذكر أن الحيل الموجودة في المؤسسات
المالية الاسلامية لا يقبل بها مشروع القانون الوضعي لو علم بها ، فكيف يقبل
بها ربّ العالمين .
بل إنني حضرت مؤتمرات كثيرة حضرها الاقتصاديون الغربيون فتندروا من التورق
المنظم ، ومن أخذ المبالغ الشهرية أو السنوية على بطاقات الائتمان الاسلامية
الخاصة بكشف الحساب ، حتى قال أحدهم إن الربا أرحم ، أنه لا يؤخذ إلاّ في حالات
الاقتراض ، أما بعض بطاقات الائتمان الاسلامية التي يؤخذ عليها كل شهر مطلقاً
مبلغ 125 ريالاً شهرياً مثلاً فهذا أسوأ لأنه يشجع على الاستهلاك ، كما أنه ظلم
، وأنه زيادة على الدين ، لأن البطاقة هي بطاقة دين . - عدم اعتراف المحاكم الغربية بمثل هذه العقود التي تنظم على هذا
الأساس ، حتى ولو نصت على تطبيق الشريعة الاسلامية ، لأنها تقول : ( إن شريعتكم
مختلفة ، فبأي رأي نحكم ) . - عدم تقديم قدوة صالحة في الاقتصاد حتى يحتذى بها في الغرب ، ولا سيما
في ظل هذه الأزمة العالمية ، إذ أن البنوك الاسلامية بسبب هذه الفتاوى المضطربة
، وبسبب هذه الرخص لا يبقى فرق جوهري في نظرهم بينها وبين المؤسسات المالية
الغربية .