التعريفات :

نحاول بإيجاز أن نعرف بالعنوان وهو : ( فقه القضايا الطبية المعاصرة ) لنكون على بينة من الموضوع .

 هذا العنوان يتكون من أربع كلمات ، نعرف بكل واحدة منها في اللغة والاصطلاح بإيجاز .

 

 

1 ـ  تعريف ” الفقه ” :

 الفقه : لغة : الفهم ، والراجح : الفهم الدقيق[1] .

وفي الاصطلاح : كان له معنى واسع في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام والتابعين حيث كان يطلق على فقه الكون والسنن ، وفقه الدين كله والحياة ، وحتى في عصر تابعي التابعين كان يطلق على فقه العقيدة،وفقه الآخرة،ولذلك سمى الإمام أبو حنيفة فقه العقيدة بالفقه الأكبر .

 لكنه منذ القرن الثالث الهجري أصبح معناه خاصاً بفقه الفروع والأحكام العملية حيث عرفوه بأنه : العلـــم بـالأحـكام الشــرعيـة العـمليـة المكـتسـب مـن الأدلــة التـفصـــيليـة .

 

 فالمراد بالعلم هنا : مطلق الإدراك الشامل لليقين والظن ، وذلك لأن الفقه منه ما هو قطعي ، ومنه ما هو ظني وهو الذي أخذ من الأدلة الظنية .

 

الأحكام الشرعية : هي الأحكام الشرعية التكليفية وهي: الفرض ، والإيجاب ، والندب ، والتحريم ، وكراهة التحريم ، والكراهة ، والإباحة ، والأحكام الشرعية الوضعية وهي السبب ، والمانع ، والشرط ، والصحة والبطلان والفساد.

 

العملية : وهي التي تتعلق بالأعمال ، لذلك يحترز بها عن الأحكام العقدية والأخلاقية حيث تبحث هذه في علم العقيدة ، والأخلاق .

 

المكتسب : أي أنه مكتسب من النظر والاجتهاد ، واحترز به عن الوحي الذي يوحى به إلى الأنبياء حيث هو من لدن الله وليس مكتسباً ، ولذلك لا يسمى بالفقه .

(من الأدلة التفصيلية) الأدلة هي أدلة الشرع من الكتاب والسنة ثم الإجماع والقياس والمصالح المرسلة ، والاستحسان ، والعرف ، وشرع من قبلنا ما لم يرد ناسخ ونحو ذلك.

 

والمراد بالأدلة التفصيلية : جزئيات الأدلة كقوله تعالى : (أقيموا الصلاة) في الاستدلال على وجوب الصلاة ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (الوتر حق) وهكذا واحترز به عن الأدلة الإجمالية التي تبحث في علم أصول الفقه مثل الكتاب حجة ، والقياس حجة ، والعام يبقى على عمومه إلاّ بدليل يخصه ، وهكذا .

 

الحكم الشرعي  :وهو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على سبيل الاقتضاء ، أو التخيير ، أو الوضع.

 

خطاب الله : أي الوحي الشامل للكتاب والسنة ، وأما بقية الأدلة فمرجعها إليهما ، فهما الأصل والبقية مصادر تبعية .

 

المتعلق بأحكام المكلفين : فالمراد بالفعل هنا هو كل ما صدر عن الإنسان سواء كان عن طريق الجوارح ، أو اللسان ، أو القلب ، وهذا دليل على أن حكم الله تعالى يتعلق بكل تصرفات المكلف وحركاته وسكناته ، وما يعمل داخل قلبه .

والمراد بالمكلفين:هم البالغون العاقلون،فالصبي غير المميز غير مكلف على الإطلاق ، والمميز أيضاً غير مؤاخذ،ولكنه يؤمر ببعض الأمور للتأديب والتهذيب،ولذلك جاء الخطاب الخاص بصلاة الصغير موجهاً إلى أولياء الأمور فقال صلى الله عليه وسلم :(مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين….)[2].

 

على سبيل الاقتضاء : والاقتضاء هو الطلب ، والطلب إما طلب فعل ، أو طلب ترك ،وكل واحد منهما إما على سبيل الإلزام أو غيره ، فترتب على ذلك أربعة أحكام وهي : الإيجاب والندب ، والتحريم والكراهة.

 

فالإيجاب : هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على سبيل طلب الفعل طلباً جازماً (لازماً) مثل قوله تعالى : ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )[3] وما تعلق به هذا الخطاب (وهو الفعل) يسمى الواجب .

 

والندب: هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على سبيل طلب الفعل طلباً غير لازم مثل قوله صلى الله عليه وسلم : (صلّ الضحى…)[4] وما تعلق به هذا الخطاب (وهو الفعل) يسمى المندوب .

 

التحريم : هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين على سبيل طلب الترك طلباً جازماً مثل قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً)[5] وما تعلق به هذا الخطاب (وهو الفعل) يسمى المحرم .

 

الكراهة : هو مثل التحريم ولكن الطلب فيها غير جازم مثل نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في وقت طلوع الشمس ، أو عند الزوال ، أو الغروب[6] ، وما تعلق به هذا الخطاب (وهو الفعل) يسمى المكروه .

 هذا عند جمهور الأصوليين ، وزاد الحنفية حكمين آخرين انبثقا بسبب النظر في كون الدليل قطعي الثبوت والدلالة أولا ، حيث قالوا : إن الخطاب المتعلق بفعل المكلف على سبيل طلب الفعل طلباً جازماً إن كان دليله قطعي الدلالة والثبوت فيسمى الفرض ، وإلاّ فيسمى الإيجاب .

 وكذلك الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين على سبيل طلب الترك طلباً جازماً إن كان دليله قطعي الثبوت والدلالة فيسمى التحريم ، وإلاّ فيسمى كراهة التحريم.

 وأما التخيير فهو الإباحة مثل قوله تعالى : (وإذا حللتم فاصطادوا)[7] والفعل الذي تعلق به هذا الخطاب يسمى المباح .

الوضع وهو ما جعله الله علامة ودلالة على كون الشيء سبباً ، أو شرطاً ، أو مانعاً ، أو صحيحاً ، أو فاسداً ، أو باطلاً .

 

 فالسبب : هو وصف ظاهر منضبط معرف للحكم مثل القتل العمد العدواني سبب للقصاص ، ومثل الإيجاب والقبول في البيع سبب لنقل الملكية ، والسبب بمعنى واحد ، وأما الحكمة فهي المصلحة التي قصدها الشارع من خلال تشريع الحكم ، مثل رفع المشقة بالنسبة لجواز الإفطار في رمضان[8].

 

والمانع : هو وصف ظاهر منضبط معرف لعدم الحكم ، مثل الحيض مانع عن الصلاة ، وقتل المورّث مانع من الإرث.

 

الشرط : هو ما يلزم من عدمه عدم المشروط ، ولا يلزم من وجوده ولا عدمه ، أما الركن فهو يلزم من وجوده الوجود ، ومن عدمه العدم .

 

الصحيح : هو توافر الأركان والشروط بحيث يترتب عليه الآثار الشرعية من نقل الملكية في البيع ، وسقوط القضاء في العبادات .

 

الباطل : هو ما كان الخلل في الركن مثل بيع الميتة .

 

والفاسد : هو ما كان الخلل في شرطه ، مثل بيع درهم بدرهمين .

 وهذه التفرقة بين الباطل والفاسد عند الحنفية ، أما الجمهور فلم يفرقوا بينهما ، وقالوا : هما بمعنى واحد ، حيث يطلق على ما كان فيه الخلل في الركن ، أو في الشرط ، أو في كليهما الباطل والفاسد .

 

 

الشريعة :

لغة : من شرع ، بمعنى مورد الماء ، والطريق ، والبيان ، وشرعه ، أي بينه ، وسنّه فقال تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)[9] ، وشرع : بفتح الراء المشددة مبالغة : شرع ، والشرعة ابتداء الطريق ، والمنهاج هو الطريق الواضح ، والشارع الطريق الأعظم في المدينة ، وسانّ الشريعة ، وجرى العرف بإطلاق (المشرع) على البشر الذي يسنّ القوانين[10] .

 

 والشريعة تطلق في الاصطلاح على عدة معان :

أحدها : أن الشريعة هي كل ما أنزله الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة من الأحكام الخاصة بالعقائد ، والأخلاق والأعمال .

الثاني : أن الشريعة هي الأحكام العملية المنزلة ، وبذلك تكون أحصى من المعنى الأول حيث لا تشمل العقائد ، وبهذا فسر قوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً)[11] .

الثالث : رأي ابن عباس من أن الشريعة : ما ورد في القرآن ، والمنهاج ما ورد به السنة[12].

 والراجح هو الرأي الأول لأنه تعالى قال: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)[13] فهذه الآية تدل على أن الشريعة تشمل كل الأحكام المنزلة من عند الله تعالى سواء كان عن طريق القرآن أو السنة .

 وبذلك فالعلاقة بين الفقه والشريعة هي أن الشريعة هي النصوص المنزلة من عند الله تعالى التي تبين الأحكام الربانية ، أما الفقه فهو فهم هذه الشريعة ، والاستنباط فيها ، فهو فقه شامل لفقه النصوص الشرعية المنزلة ، وللاجتهادات الفقهية التي استنبطها الفقهاء ، ولذلك فالشريعة معصومة من الخطأ والزلل ، ولكن الفقه الاجتهادي ليس معصوماًَ من حيث المبدأ ، أما الفقه الخاص بالنصوص القطعية في الدلالة فهو ملحق بها ، ومع كل ذلك فالفقه الإسلامي  في جملته هو فهم الرعيل الأول والأجيال اللاحقة للإسلام .

 كما أن الشريعة من حيث هي نصوص منزلة لا تتغير ولا تتبدل ، وأما الفقه (أي اجتهادات الفقهاء) فهو يتغير ويتبدل ، ولذلك عقد الإمام ابن القيم باباً كبيراً لتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والأحوال والأعراف.

 ومن جانب آخر فمصادر الشريعة الأصلية المباشرة هي الكتاب والسنة فقط ، وأما بقية المصادر من الإجماع والقياس والاستحسان ، والمصالح المرسلة ، والعرف ، وشرع من قبلنا ، وأقوال الصحابة فهي مصادر تبعية أي أقرتها الشريعة نفسها ، واعتمدتها باعتبارها أدلة وطرقاً ووسائل لاستنباط الأحكام على ضوء المبادئ العامة والقواعد الكلية ، وضوابط الاجتهاد والاستنباط[14] .  

 

 

2 ـ تعريف ” القضايا ” :

القضايا : هي جمع قضية وهي مصدر قضى بمعنى حكم ، وفصل ، والقضية : الحكم ، والمسألة التي يتنازع فيها والتي تعرض على القضاء للفصل فيها[15].

والمقصود بالقضايا هنا : الأمور أو المسائل ، أو الأشياء التي تحتاج إلى البحث للوصول إلى بيان حكمها في الفقه أو في الطب .

 

 

3 ـ  تعريف ” الطبية ” :

الطبية : هي نسبة إلى الطب وهو في اللغة علاج الجسم والنفس ومنه علم الطب ، وجاء بمعنى الحذق والمهارة ، والحكمة ، فالطبيب لغة هو من حرفته الطب ، أو الطبابة ، وهو الذي يعالج المرضى ونحوهم ، والعالم بالطب ، والحاذق الماهر ، والرفيق اللبق والحكيم[16].

والمقصود بالطبية هنا : الأمور المتعلقة بالطب بجميع أنواعه ، وفي جميع مجالاته .

 

 

4ـ تعريف ” المعاصرة ” :

المعاصرة : أصل المعاصرة من العصر بمعنى الوقت والزمن ونسب إلى شخص ، مثل عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو عصر هارون الرشيد ، أو إلى دولة مثل عصر العباسيين ، أو إلى تطورات طبيعية ، أو اجتماعية ، مثل العصر الحجري ، وعصر البخار والكهرباء ، وعصر الذرة ، وفي التأريخ : العصر القديم ، والمتوسط ، والحديث…..[17]  .

والمقصود بالمعاصرة هنا : المسائل والقضايا التي جدّت وظهرت في عصرنا الحاضر أي في القرن الرابع عشر الهجري ، والقرن الخامس عشر الهجري (القرن العشرين ، والقرن الواحد والعشرين) وتحتاج إلى بيان حكمها الشرعي ، وهي التي تسمى بالمستجدات ، أو النوازل .

ومسألة المعاصرة مسألة نسبية ، فما كان معاصراً في القرن الأول لم يظل معاصراً في القرن الثاني ، وهكذا ، وكانت القضايا المعاصرة في القرون السابقة تسمى في كتب الفقه: النوازل والوقائع أي الحوادث التي تحتاج إلى استنباط حكم شرعي لها[18].

والمقصود بفقه القضايا الطبية المعاصرة هو : العلم بالحكم الشرعي للأمور الخاصة بالإنسان من حيث العلاج بجميع أنواعه من الأدوية والعمليات والعلاج الجيني ، ونحوها ، ومن حيث التصرف في اعضائه ومن حيث الممارسات الطبية من قبل الأطباء .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


  1. لسان العرب ، والقاموس المحيط ، والعجم الوسيط مادة (فقه)

  2. الحديث

  3. سورة البقرة / الآية144

  4. الحديث

  5. سورة الاسراء/ الآية 32

  6. الحديث

  7. الحديث

  8. يراجع لمزيد من البحث : مباحث العلة في القياس للدكتور عبدالحكيم السعدي ط. دار البشائر ص 000103

  9. سورة الشورى/ الآية 13

  10. يراجع : القاموس المحيط ، لسان العرب ، المعجم الوسيط ، المصباح المنير : مادة (شرع) ويراجع : الكليات لأبي البقاء ط. الرسالة ص 524

  11. سورة  المائدة / الآية 48

  12. المفردات في غريب القرآن للأصفهاني ، ط. دار المعرفة / بيروت ص 258

  13. سورة الشورى/ الآية 13

  14. يراجع لمزيد من التفصيل : اعلام الموقعين (3/3) والمستصفى (2/63) والأحكام للآمدي (4/28) وشرح الكوكب المنير (4/457)

  15. لسان العرب ، والقاموس المحيط ، والمعجم الوسيط مادة (قضى)

  16. المراجع السابقة أنفسها مادة (طبب)

  17. المراجع السابقة أنفسها مادة (عصر)

  18. د. محمد رواس قلعجي ، وحامد قنيبي : معجم لغة الفقهاء ط.دار النفائس ببيروت عام 1985 ص 471 ، ود. محمد عثمان شبير : المعاملات المالية المعاصرة ط. دار النفائس 1416 هـ ص 11 ـ 12