اختتمت المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في العاصمة البوسنية “سراييفو” الدورة الثالثة لهذا المجلس منذ تأسيسه في “دبلن” عام 1997، ويهدف اجتماعات المجلس إلى تقديم الإسلام في أوروبا في صورته الحقيقية، ولمساعدة المسلمين في أوروبا على حل مشكلاتهم والقضايا المتعلقة بدينهم.
وكان أول المتكلمين في الاجتماع الاول نائب رئيس المجلس الدكتور “علي القره داغي”، وتوجه فيها بكلمة إلى الحضور عضو المجلس الرئاسي في جمهورية “البوسنة والهرسك” “بكر علي عزت بيغوفيتش”، ثم توجه إلى الحضور بكلمة رئيس المجس العلامة الشيخ الدكتور “يوسف القرضاوي”. وافتتح اجتماعات المجلس رسميًّا رئيس العلماء في “البوسنة والهرسك” “حسين كافازوفيتش”، الذي أعلن الافتتاح الرسمي للدورة.
وعقدت اجتماعات المجلس في لمناقشة القضايا المرتبطة بعيش المسلمين في أوروبا، وخاصةً فيما يتعلق بالغذاء الحلال وإصدار فتاوى بشأنها.
وفيما يلي نص بيان الختامي للمجلس:
للدورة العادية الثالثة والعشرين
للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقدة بمدينة سراييفو بدولة البوسنة والهرسك
في الفترة من: 16 – 19 شعبان 1434هـ الموافق 25-28 حزيران (يونيو) 2013 م
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أمّا بعد. فقد انعقدت بتيسير الله وتوفيقه الدّورة العادية الثالثة والعشرون للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في مدينة سراييفو عاصمة دولة البوسنة والهرسك، وذلك بدعوة من المشيخة الإسلامية في هذه البلاد الكريمة، وذلك في الفترة من السادس عشر إلى التاسع عشر من شهر شعبان من سنة 1434هـ، الموافق للخامس والعشرين إلى الثامن والعشرين من شهر حزيران (يونيو) سنة 2013م، برئاسة سماحة الشيخ الدكتور العلاّمة يوسف القرضاوي رئيس المجلس وبحضور أغلبية أعضائه وعدد من الضيوف والمراقبين.
وقد جرى افتتاح أعمال هذه الدورة في مبنى مكتبة الغازي خسرو، وذلك بحضور عضو مجلس الرئاسة لجمهورية البوسنة والهرسك والرئيس الحالي للبلاد الدكتور باقر علي عزت بيجوفيتش، ورئيس المشيخة مفتي البوسنة فضيلة الشيخ حسين كافازوفيتش مع عدد من أعضاء المشيخة في البوسنة، كما حضر عدد من أعضاء السلك الدبلوماسي في دولة البوسنة والهرسك، وبحفل كبير تضمن برنامجاً ترحيبياً بالمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، قدم فيه الأستاذ الدكتور علي القره داغي نائب رئيس المجلس كلمة عرف فيها بالمجلس وأهدافه، حيث بين أن من أهم مقاصده أن يكون مرجعاً لمسلمي أوروبا وأن يقدم الحلول للمشكلات التي تواجههم، تلا ذلك كلمة ترحيبية من فخامة رئيس الجمهورية أشاد فيها بدور المجلس ورئيسه في خدمة المسلمين في أوروبا والنهوض بهم، كما رحب بعقد هذه الدورة في بلده متمنياً أن يتكرر ذلك في المستقبل القريب، تلتها كلمة لسماحة الإمام العلامة رئيس المجلس الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي، استفاض فيها في بيان دور المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في البلاد الأوروبية، وأهميته للوجود الإسلامي في الغرب، وأنه مجمع علمي مكمل لدور المجامع الفقهية في العالم الإسلامي، كما تعرض لتوضيح منهجية هذا المجلس في إصدار قراراته وفتاويه في سياق المنهج الوسطي للإسلام، والقائم على اعتبار تحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد، وأن هذا المجلس جرى على الاعتناء بالاستدلال الشرعي المؤصل لما يصدر عنه، مدعماً بالبحوث التأصيلية والتفصيلية، التي تراعي منهج الدقة في البحث في سياق الأدلة ومذاهب العلماء منذ عهد الصحابة وما تلاه حتى يومنا هذا، مع الترجيح لما يقوى دليله فيما يختلف فيه بين العلماء، ويحقق مصالح الوجود الإسلامي في الغرب في إطار المقاصد الشرعية. كما تحدث سماحته عن مكانة دولة البوسنة والهرسك في نفوس المسلمين بعامة، وأبان عن جانب من مآثر هذه البلاد وأهلها ومزاياهم، وحرصهم على الحفاظ على هويتهم الإسلامية، وشكر رئيس الدولة على حضوره، كما شكر للمشيخة الإسلامية دعوتهم للمجلس لينعقد على أرضهم للمرة الثالثة منذ إنشائه.
ثم كلمة ترحيبية من سماحة رئيس المشيخة ذكر فيه دور المشيخة في خدمة مسلمي البوسنة والهرسك والحفاظ على هويتهم الإسلامية، كما أبدى استعداده للتعاون التام بين المشيخة والمجلس.
ثم ختمت هذه الجلسة بالدعاء من قبل فضيلة الدكتور مصطفى سيريتش.
وَمن ثَم توالت أعمال المجلس لهذه الدورة، حيث كان موضوعها الأساس (أحكام الأطعمة والذبائح والأشربة وما يخص مسلمي أوروبا في ذلك)، عُرض فيها اثنا عشر بحثاً في هذا الموضوع، بالإضافة إلى ثلاثة بحوث في حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر.
وتخللت العروضَ مناقشاتٌ وتعقيبات واسعة.
من بعدُ تتابعت أعمال هذه الدورة، لتتناول بعض ما ورد المجلس من استفتاءات، وصدرت عنه الفتاوى بخصوصها.
وبناء على ما جرى استعراضه ومناقشته في هذه الدورة، فإن المجلس يصدر ما يلي:
أولاً: القرارات
قرار 1/23
بشأن الذبائح وطعام أهل الكتاب
بعد اطلاع المجلس على البحوث المقدمة والدراسات الميدانية في موضوع الذبائح وطعام أهل الكتاب، وبعد المناقشات المستفيضة من قبل الفقهاء والخبراء، قرر المجلس ما يلي:
الأمر الأول: تأكيد ما انتهى إليه قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي “قرار رقم 95 (3/10)” في النقاط الآتية:
أولاً: التذكية الشرعية تتم بإحدى الطرق التالية:
1. الذبح، ويتحقق بقطع الحلقوم والمريء والودجين. وهي الطريقة المفضلة شرعاً في تذكية الغنم والبقر والطيور ونحوها، وتجوز في غيرها.
2. النحر، ويتحقق بالطعن في اللَّبَّة، وهي الوهدة (الحفرة) التي في أسفل العنق، وهي الطريقة المفضلة شرعاً في تذكية الإبل وأمثالها، وتجوز في البقر.
3. العقر، ويتحقق بجرح الحيوان غير المقدور عليه في أي جزء من بدنه، سواء الوحشي المباح صيده، أو المتوحش من الحيوانات المستأنسة. فإن أدركه الصائد حياً وجب عليه ذبحه أو نحره.
ثانياً: يشترط لصحة التذكية ما يلي:
1. أن يكون المذكي بالغاً أو مميزاً، مسلماً أو كتابياً (يهودياً أو نصرانياً)، فلا تؤكل ذبائح الوثنيين، واللادينيين، والملحدين، والمجوس، والمرتدين، وسائر الكفار من غير الكتابيين.
2. أن يكون الذبح بآلة حادة تقطع وتَفري بحدها، سواء كانت من الحديد أم من غيره مما ينهر الدم، ما عدا السن والظفر. فلا تحل المنخنقة بفعلها أو بفعل غيرها، ولا الموقوذة: وهي التي أزهقت روحها بضربها بمثل (حجر أو هراوة أو نحوهما)، ولا المتردية: وهي التي تموت بسقوطها من مكان عال، أو بوقوعها في حفرة، ولا النطيحة: وهي التي تموت بالنطح، ولا ما أكل السبع: وهو ما افترسه شيء من السباع أو الطيور الجارحة غير المعلمة المرسلة على الصيد. على أنه إذا أدرك شيء مما سبق حياً حياة مستقرة فذكي جاز أكله.
3. أن يذكر المذكي اسم الله تعالى عند التذكية. ولا يكتفى باستعمال آلة تسجيل لذكر التسمية، إلا أن من ترك التسمية ناسياً فذبيحته حلال.
ثالثاً: للتذكية آداب نبهت إليها الشـريعة الإسلامية للرفق والرحمة بالحيوان قبل ذبحه، وفي أثناء ذبحه، وبعد ذبحه: فلا تحد آلة الذبح أمام الحيوان المراد ذبحه، ولا يذبح حيوان بمشهد حيوان آخر، ولا يذكى بآلة غير حادة، ولا تعذب الذبيحة، ولا يقطع أي جزء من أجزائها، ولا تسلخ ولا تغطس في الماء الحار ولا ينتف الريش إلا بعد التأكد من زهوق الروح.
رابعاً: ينبغي أن يكون الحيوان المراد تذكيته خالياً من الأمراض المعدية، ومما يغير اللحم تغييراً يضر بآكله، ويتأكد هذا المطلب فيما يطرح في الأسواق، أو يستورد.
خامساً: الأصل في التذكية الشرعية أن تكون بدون تدويخ للحيوان؛ لأن طريقة الذبح الإسلامية بشروطها وآدابها هي الأمثل، رحمة بالحيوان وإحساناً لذبحته وتقليلاً من معاناته، ويُطلب من الجهات القائمة بالذبح أن تطور وسائل ذبحها بالنسبة للحيوانات الكبيرة الحجم، بحيث تحقق هذا الأصل في الذبح على الوجه الأكمل. (انتهى قرار المجمع).
الأمر الثاني: بما أن الأصل في الذبح الشرعي أن يكون بلا تدويخ ولا صعق، إلا أنه في حال صعوبة تحقيق ذلك فإنه يشترط ألا يؤدي التدويخ أو الصعق إلى موت الحيوان قبل تذكيته.
الأمر الثالث: طعام أهل الكتاب:
إن طعام أهل الكتاب حلال بنص القرآن الكريم، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5]. والمقصود بأهل الكتاب اليهود والنصارى. ولا يؤثر في هذا الحكم كونهم على عقائد مخالفة لأصل التوحيد ونحوه، مثل عقيدة التثليث، وتأليه المسيح عليه السلام؛ لأن الحكم السابق في سورة المائدة نزل بعد ذكر الله تعالى عنهم كل ذلك وأكثر.
ولكن الشرط الأساسي في إباحة طعام أهل الكتاب أن يكون معتداً به من طعامهم الذي يأكله أحبارهم ورهبانهم، وألا يكون ميتة، ولا خنزيراً؛ إذ نص على حرمتهما مطلقاً القرآن الكريم.
وفي هذا يؤكد المجلس توصيته السابقة في دورته الثالثة (قرار 2) في أن يتخذ المسلمون في ديار الغرب مذابح خاصة بهم حتى ترتاح ضمائرهم ويحافظوا على شخصيتهم الدينية والحضارية، ويدعو المجلس الدول الغربية إلى الاعتراف بالخصوصيات الدينية للمسلمين، ومنها تمكينهم من الذبح حسب الشريعة الإسلامية، أسوة بغيرهم من الجماعات الدينية الأخرى كاليهود. كما يدعو الدول الإسلامية إلى استيراد اللحوم الحلال التي تخضع لمراقبة شرعية من قبل المراكز الإسلامية الموثوق بها في ديار الغرب.
قرار 2/23
بشأن هيئات الرقابة الشرعية على الأطعمة والذبائح
بعد اطلاع المجلس على البحوث المقدمة والدراسات الميدانية في موضوع هيئات الرقابة الشرعية على الأطعمة والذبائح، وبعد المناقشات المستفيضة من قبل الفقهاء والخبراء، قرر المجلس ما يلي:
1. يرى المجلس ضرورة وجود هيئات شرعية يتوافر فيها الإخلاص والاختصاص، وأن يقوموا بواجبهم بمنتهى الإتقان والبيان والشفافية، ووجوب الالتزام الكامل بمصداقية الشهادات التي تصدرها هذه الهيئات؛ لأنها شهادات تترتب عليها الحقوق والآثار، وبالتالي فأصحابها يتحملون المسئولية أمام الله تعالى ثم أمام من يعتمد عليها.
2. يوصي المجلس هذه الهيئات بتقوى الله، وتشكيل هيئة عليا لهيئات الرقابة للتنسيق والمتابعة والإشراف، ولا مانع لدى المجلس أن يكون له دور فيها، وأن تأخذ هذه الهيئات بالمعايير الشرعية للذبح الحلال، كما أن عليها أن تستفيد من المعايير الدولية للرقابة، والمعايير التي أصدرها مجلس مسلمي بريطانيا الذي يضم الشروط الشرعية والمهنية والتقنية ونحوها.
وقد شكل المجلس لجنة لإعداد مشروع “ميثاق الطعام الحلال” يتضمن المعايير الشرعية والفنية والتقنية ليكون مرجعاً لهذه الهيئات بإذن الله تعالى.
قرار 3/23
بشأن الاستحالة والاستهلاك
بعد اطلاع المجلس على البحوث المقدمة والدراسات الميدانية في موضوع الاستحالة والاستهلاك، وبعد المناقشات المستفيضة من قبل الفقهاء والخبراء، قرر المجلس ما يلي:
أولاً: حكم الاستحالة والاستهلاك:
بما أن الاستحالة هي تحول مادة إلى مادة أخرى بتغير حقيقتها وأوصافها، فإنها مؤثرة شرعاً في الحكم حيث يتغير حسب تغير المادة وتحولها، كالعصير المتخذ من العنب حلال، فإذا تحول إلى خمر يصبح حراماً. ثم إذا تحول إلى خل يصبح حلالاً، سواء تم التحلل بذاته، وهو المتفق عليه، أو تم بفعل الإنسان على الراجح القوي المسنود بالأدلة المعتبرة.
ثانياً: بما أن الاستهلاك لدى الفقهاء هو زوال صفات مادة بسبب وقوعها في كمية كبيرة من الماء أو المائعات، حتى تصبح الأولى مستهلكة في الثانية، فإنه مؤثر في الحكم الشرعي، كالماء النجس يزاد عليه الماء الكثير الطاهر فيطهر، إذ تزول صفاته من الطعم واللون والرائحة.
ومن أمثلة الاستحالة والاستهلاك في الأطعمة والأدوية المركبة المشتملة على المحرمات التي تحولت إلى مادة أخرى، ما يأتي:
أ – إذا تغيرت حقيقة الدم المستعمل في بعض الأطعمة والأدوية واستحال إلى مادة أخرى تصبح حلالاً طاهراً، أما إذا لم تتحقق الاستحالة وبقيت حقيقة الدم وأوصافه فتكون محرمة، وفي هذا النطاق يؤكد المجلس ما انتهت إليه الندوة الفقهية الطبية التاسعة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالدار البيضاء (يونيو 1997) حيث نصت على أن “المركبات الكيمائية المستخرجة من أصول نجسة أو محرمة، كالدم المسفوح أو مياه المجاري، والتي لم يتحقق فيها الاستحالة بالمصطلح الشرعي؛ لا يجوز استخدامها في الغذاء والدواء، مثل الأغذية التي يضاف إليها الدم المسفوح كالنقانق المحشوة بالدم، والعصائد المدماة (البودينج الأسود) والهامبرغر المدمى، وأغذية الأطفال المحتوية على الدم، وعجائن الدم، والحساء بالدم ونحوها، وتعتبر طعاماً نجساً محرم الأكل؛ لاحتوائها على الدم المسفوح الذي لم تتحقق فيه الاستحالة”.
ب – بلازما الدم التي تستعمل في الفطائر والحساء، والنقانق وأنواع المعجنات، كما تمزج باللبن في تصنيع بعض منتجاته، وفي صناعة بعض الأدوية وأغذية الأطفال، فهذه البلازما ليست دماً لا لوناً ولا حقيقة، ولذلك لا تعتبر حراماً. وفي هذا المجال نؤكد الفتوى الصادرة من الندوة الفقهية الطبية التاسعة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالدار البيضاء (يونيو 1997) نصت على أن “بلازما الدم، التي تعتبر بديلاً رخيصاً لزلال البيض، وقد تستخدم في الفطائر والحساء والعصائد (بودينج) والخبز، ومشتقات الألبان، وأدوية الأطفال وأغذيتهم، والتي قد تضاف إلى الدقيق، فقد رأت الندوة أنها مادة مباينة للدم في الاسم والخصائص والصفات، فليس لها حكم الدم، وإن رأى بعض الحاضرين خلاف ذلك”.
ج – أما إذا وصف لشخص دواء فيه دم أو مشتقاته، فإن وَجَدَ غيره من الأدوية البديلة بنفس المستوى فلا يجوز له استعماله وتناوله، أما إذا لم يجد ذلك فيحل له شرب ذلك الدواء؛ لأن الحاجة للتداوي بالمحرمات، ما عدا الخمر التي ورد بها نص، تنزل منزلة الضرورة عند الحنفية والشافعية على الصحيح في المذهب وأبي ثور وابن حزم.
ثالثاً: حكم الجبن الناتج عن استعمال أنفحة الحيوان غير المذكى:
إن الجبن المصنوع باستعمال أنفحة الحيوان غير المذكى محل خلاف لدى الفقهاء، حيث ذهب جمهور الفقهاء إلى أنها نجسة، وبالتالي فلا يجوز أكل الجبن المصنوع بها، إلا عند من يقول منهم بتحقق الاستحالة، وذهب جماعة منهم أبو حنيفة وداود الظاهري وأحمد في رواية إلى أنه طاهر يؤكل، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن الصحابة أكلوا الجبن لما دخلوا المدائن، وكان يعمل بالأنفحة المأخوذة من ذبائح المجوس المحرمة في شريعتنا أو من الميتة، وهذا الرأي هو الذي اختاره المجلس؛ تيسيراً على المسلمين.
رابعاً: وفي موضوع الجيلاتين المصنوع من جلود الخنزير والميتة ومن عظامهما، أُجِّل البت فيه لدورة لاحقة لمزيد من البحث.
قرار 4/23
بشأن دفع القيمة في زكاة الفطر
بعد اطلاع المجلس على البحوث المقدمة في موضوع دفع القيمة في زكاة الفطر، وبعد المناقشات المستفيضة من قبل الفقهاء والخبراء، قرر المجلس ما يلي:
أولاً: أن الأدلة الكثيرة واردة في جواز دفع القيمة في صدقة الفطر، وإلى ذلك ذهب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المذاهب، حكاه التابعي أبو إسحاق السبيعي عمن أدركهم، وفيهم علي بن أبي طاب والبراء بن عازب وغيرهما، كما أنه قول الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والخليفة عمر بن عبدالعزيز، ومذهب أبي حنيفة وسفيان الثوري والبخاري.
ثانياً: ينبغي للمسلم أن ينظر إلى ما يحقق المصلحة للفقير، فإذا كانت في دفع القيمة دفعها، ويغلب اليوم أن تكون أنفع للفقير وأيسر على المزكي، والعبرة بالقيمة هنا حسب بلد إقامة المزكي، أما في مثل حالة المجاعة والإغاثة، فالأولى أن تدفع طعاماً من غالب قوت البلد، أو تدفع القيمة للجمعيات الإغاثية والمراكز والمؤسسات الإسلامية لتقوم هي بصرف الطعام على هؤلاء المحتاجين.
ثالثاً: تحقيقاً للمصلحة فإن المجلس يحث على تعجيل دفع زكاة الفطر ابتداء من أول شهر رمضان، وبخاصة إذا كانت تنقل خارج بلد المزكي.
رابعاً: يوصي المجلس المراكز الإسلامية والمساجد والهيئات الإغاثية في أوروبا عندما تقوم بتقدير قيمة زكاة الفطر برعاية ما يعادل القيمة المتوسطة للصاع من غالب قوت البلد، ولا تبالغ بمقدارها فترهق المزكي ولا تقصر فتبخس حق الفقير الذي كان مقصوداً بهذه الزكاة من أجل إغنائه ليوم عيده.
ثانياً: الفتاوى
فتوى 1/23
حول جواز تقديم صلاة التراويح قبل صلاة العشاء
السؤال: تعترض المسلمين في أوروبا في فترة التوقيت الصيفي صعوبة تأخر دخول وقت صلاة العشاء، بحيث يلجأ البعض إلى الأخذ بفتوى الجمع بين المغرب والعشاء، ومع قدوم شهر رمضان في هذه الفترة يتوقف الناس عن الأخذ بالجمع؛ لأنهم يرغبون في أداء صلاة التراويح، فيصلون المغرب ثم يعودون بعد إفطارهم إلى المساجد لأداء صلاة العشاء والتراويح، ولكن تأخر وقت صلاة العشاء ثم أداء صلاة التراويح بعدها مما يشق على الناس، خصوصاً وأن صلاة الفجر تكون في ساعة مبكرة، فهل يجوز تيسيراً تقديم صلاة التراويح على صلاة العشاء؟
الجواب: الوقت ما بين المغرب والعشاء وقت نافلة وتطوع في الصلاة، أما صلاة التراويح فوقتها بعد صلاة العشاء تأسياً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذا ذهب جمهور الفقهاء إلى أن وقت صلاة التراويح بعد صلاة العشاء.
قال المرداوي في “الإنصاف”: “أول وقتها بعد صلاة العشاء وسنتها، على الصحيح من المذاهب، وعليه الجمهور”.
وقد أجاز بعض متأخري الحنفية والحنابلة في قول مرجوح عندهم أداء صلاة التراويح قبل صلاة العشاء، فقد ذكر بدر الدين العيني وابن عابدين من الحنفية أن وقت صلاة التراويح فيه ثلاثة أقوال: الليل كله، قبل العشاء وبعده وقبل الوتر وبعده. وذكر المرداوي من الحنابلة أنه أفتى بعض المتأخرين من الأصحاب بجوازها قبل العشاء.
ونظراً للمشقة الحاصلة المذكورة في السؤال، بسبب تأخير صلاة التراويح بعد صلاة العشاء، ورفعاً للحرج، وبناء على ما سبق من أقوال الفقهاء، فيجوز لمن يتأخر عندهم وقت صلاة العشاء أن يختاروا بين الآتي:
أولاً: أن يفطروا في بيوتهم ثم يجتمعوا بعد نصف ساعة أو أي فترة يتفقون عليها، فيصلون المغرب والعشاء ثم يصلون التراويح.
ثانياً: أن يصلوا المغرب ثم يفطروا في بيوتهم، ثم يجتمعوا بعد نصف ساعة أو أي فترة يتفقون عليها، فيصلون التراويح أولاً، ثم العشاء في وقتها.
ثالثاً: أن يفطروا في المسجد إفطاراً خفيفاً، ثم يصلوا المغرب، ثم التراويح، ثم صلاة العشاء في وقتها.
وكل هذه الحالات جائزة، وللمراكز اختيار أحدها بحسب الظروف المناسبة لهم.
والمجلس في هذا السياق يؤكد على ما سبق أن نبه عليه المسلمين من وجوب مراعاة حقوق الجيران وعدم إزعاجهم أو الإساءة إليهم، خصوصاً في ليالي رمضان، فلا يصح بحال أن ترتكب كبيرة الغير وبخاصة الجار من أجل المحافظة على نافلة.
فتوى 2/23
حكم الرضاعة الحاصلة من إدرار الحليب بالعقاقير
السؤال: امرأة عاقر، أخذت طفلاً من دور الرعاية لتربيه، وتريد أن ترضعه ليكون محرماً، وقد أفادها الطبيب بأن إدرار الحليب أصبح ممكناً بالعقاقير، حتى من المرأة غير المتزوجة أو العاقر، فهل يجوز لها أن تفعل ذلك؟ وهل حليبها يجعلها أماً له من الرضاعة؟ وهل زوجها يكون أباً من الرضاعة؟
الجواب: لقد تكلم الفقهاء في ذلك في المرأة البكر أو الثيب إذا ثاب (أي خرج) لها حليب، فإن جمهور الفقهاء قالوا بأنه يُحَرِّم (بمعنى أن المرأة تكون أماً له من الرضاعة). بل نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك. وذكر ابن رجب الحنبلي في “جامع العلوم والحكم” قال: “لو كان اللبن الذي ارتضع به الطفلُ قد ثاب (أي خرج) للمرأة من غير وطءِ فَحلٍ (أي زوج)، بأنْ تكون امرأة لا زوجَ لها، قد ثاب لها لبن أو هي بكرٌ أو آيسةٌ، فأكثرُ العلماء على أنّه يَحْرُمُ الرضاعُ به، وتصيرُ المرضعةُ أُمّاً للطفل … وذهب الإمامُ أحمد في المشهور المنصوص عنه إلى أنَّه لا ينتشِرُ (أي لا يقع) التَّحريمُ به بحالٍ حتى يكونَ له فحلٌ يدرُّ اللبن من رضاعه. وحُكي للشَّافعي قولٌ مثله”. وقال المرداوي في “الإنصاف”: “قوله (وإن ثاب لامرأة لبن من غير حمل تَقَدَّم لم ينشر الحرمة) نَصَّ عليه في لبن البكر، وهو المذهب، وعللوه بأنه ليس بلبن حقيقةً، بل رطوبة متولدة؛ لأن اللبن ما أنشز العظم وأنبت اللحم وهذا ليس كذلك”.
والذي يظهر من هذا رجحان القول بالتحريم (أي أنه يكون ابناً لها في الرضاعة)؛ لأنه حليب خرج وارتضعه الصغير، ولا فرق بين البكر وبين المتزوجة العاقر.
وأما بالنسبة للزوج فقد جاء في “المدونة” قول سُحنُون عن ابن القاسم: “قلتُ: أرأيتَ الرجل يتزوج المرأة فترضع صبياً قبل أن تحمل، دَرَّت له فأرضعته ولم تلد قط وهي تحت زوج، أيكون اللبن للزوج أم لا في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئاً، وأرى أنه للفحل (أي للزوج)”.
والذي يظهر من هذا أن أثر الرضاعة لا ينتقل إلى الزوج؛ لأنه لا دخل له في إدرار الحليب، وإنما كان الأثر في حليب الزوج أن اللبن دَرَّ بسببه، فإذا انتفى السبب انتفى المُسَبَّبُ. كما لو أن هذه الزوجة أرضعت طفلاً قبل الزواج، فإنها أم رضاعية؛ لأنها أرضعته، ولا ينسب إلى الزوج.
ويبقى بعد ذلك قول الأطباء المختصين: هل هذا الذي خرج بواسطة العقاقير أو غيرها هو لبن يجتمع مع حليب الأم في جميع الصفات أو غالبها فيعطى الغالب حكم الجميع؟ فإن كان كذلك فإنه يُحَرِّم (أي يكون الرضيع ابناً رضاعياً للأم)، وإن كان غير ذلك فإنه لا يُحَرِّم (أي لا يكون الابن رضاعياً)؛ لأنه لا يسمى لبناً حينئذٍ.
وأما القدر المحرم من الرضاعة فهو: إما على رأي جمهور الفقهاء، خمس رضعات مشبعات متفرقات، وإما على رأي المالكية ومن معهم وهو رضعة واحدة تحرم.
ويترتب على القول بالتحريم أن الأم تكون أمّاً رضاعية للطفل -كما سبق -، وتكون رضيعتها ربيبة لزوجها، فيحرم زواجه منها بهذا الاعتبار، ويكون محرماً لها.
فتوى 3/23
حول عناية الطبيب بالأطفال الخدَّج
السؤال: في حال ولادة الطفل وعمره 23 أسبوعاً، يخولني القانون في بريطانيا الحق في اتخاذ القرار: إما أن أنشِّط عملية التنفس لديه مثلاً عن طريق “قبلة الحياة”، أو لا أفعل إذا رأيت فرصته في الحياة غير محتملة، فماذا أفعل؟ كذلك في حال أن يكون الطفل يعاني من انسداد في مجرى التنفس إضافة إلى نزيف دماغي بالغ، وهذا ما يحدث عادة في الأطفال الخدج، يصبح لي الحق في اتخاذ القرار: إما أن أستمر في مساعدته على التنفس والإنعاش، أو لا، فماذا أفعل؟
الجواب: إن الشريعة الإسلامية حرصت على صيانة النفس الإنسانية بكل وسيلة ممكنة، وجعلت الاعتداء عليها بالقتل جرماً عظيماً يعدل فيه قتلُ نفس واحدة قتلَ الناس جميعاً، كما أن السعي لإحيائها واستنقاذها من الهلاك يعدل إحياء الناس جميعاً، كما قال تعالى: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]. وقد كرم الله بني آدم على سائر المخلوقات، فليس لأحد أن يعتدي على هذا التكريم ولا أن يفرط في المحافظة على النفوس. وبناءً على ما ذكر فإن تنشيط عملية التنفس وعمل ما يساعد الطفل الخَديج على الاستمرار في الحياة من الأدوية أو غيرها أمر متعين على الطبيب المسلم؛ لأن الموت والحياة بإذن الله، فلعل هذه المساعدة والمعالجة تكون سبباً في حياته. وهذا هو اللائق بتكريم الله للإنسان وإيجاب المحافظة على النفوس، لكن إذا غلب على ظن الطبيب أن الحالة ميؤوس منها وأنه لا جدوى من عمل أي شيء، فإن عليه استشارة طبيبَيْنِ مختَصَّيْنِ آخَرَيْنِ ليصبح عددهم معه ثلاثة احتياطاً؛ لوجوب المحافظة على النفس، فإن وافقوه في ترك المداواةِ فلا حرج عليه.
أمَّا الجزء الثاني من السؤال، وهو إذا ولد الطفل خَديجاً ولديه انسداد في مجرى التنفس، إضافة إلى نزيف دماغي بالغ، فالحكم الشرعي يختلف حسب الحالتين الآتيتين:
الحالة الأولى: أن تكون أجهزة التنفس (أو الإنعاش) لم توضع على هذا الطفل، ففي هذه الحالة لا يجب على ولي أمره أو الطبيب أن يطلب وضعها، وذلك بناء على أن العلاج في مثل هذه الحالة غير واجب، وأن حالة الطفل ميؤوس من شفاءها حسب الظاهر وحسب رأي الخبراء.
الحالة الثانية: أن أجهزة التنفس (أو الإنعاش) قد وضعت على ذلك الطفل، وحينئذ لا يجوز رفعها ما دام ذلك يؤدي إلى موته، بل يجب أن يستمر إلى أن يموت موتاً حقيقياً من خلال توقف الدماغ وجذعه، وإلا فيكون إثماً، علماً بأنه لا يغير هذا الحكم وجود قانون يسمح بذلك، وبمثل هذا صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي الدولي.
ثالثاً: التوصيات
وخلص المجلس من هذه الدورة إلى عدد من التوصيات، أهمها:
أولاً: يوصي المجلس بخصوص موضوع هذه الدورة المسلمين أفراداً ومراكز بضرورة دعم جمعيات حقوق المستهلك المسلم؛ من أجل العمل على اقتراح قوانين جديدة تتضمن حقوق المسلمين في أوروبا؛ للدفاع عن خصوصيتهم الدينية في مجال الطعام، مع الانفتاح الإيجابي على المجتمع الأوروبي، وذلك بشرح مميزات التعاليم الإسلامية في رعاية الطيبات، والعلاقة المتلازمة بين الحلال والطيب النافع، وبين الحرام والخبيث والضار.
ثانياً: ويوصي المجلس المسلمين في أوروبا ويذكرهم بواجبهم تجاه إخوانهم المظلومين في بلاد عديدة في العالم الإسلامي، وبخاصة إخوانهم في سوريا وما يتعرضون له من الظلم العظيم بالقتل والتنكيل والتشريد والتدمير لجميع مقومات الحياة، وذلك بالدعاء لهم، وتقديم الدعم لمساعدة عشرات الآلاف من الأسر في مخيمات السوريين في داخل سوريا وخارجها لما يوفر لهم الطعام والشراب واللباس والسكن، وذلك بالصدقة كزكاة المال وزكاة الفطر.
ثالثاً: كذلك يوصي المجلس المسلمين المقيمين في أوروبا بما اعتاد أن يوصي به ويؤكد عليه، من مراعاة الحقوق كلها، وأن يعطوا الصورة الطيبة والقدوة الحسنة من خلال أقوالهم وتصرفاتهم وسلوكهم، وأن يلتزموا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وأجمع عليه فقهاء الإسلام، من وجوب الوفاء بمقتضيات المواطنة أو عقد الإقامة، والالتزام بالقانون والنظام العام في البلاد التي يعيشون فيها. وأن يجتنبوا العنف بكل صوره ومظاهره، وأن يكون أسلوبهم الرفق والرحمة والحكمة في التعامل مع الناس جميعاً كما يأمرهم الإسلام، وأن ينكروا على كل من حاد عن هذا الطريق الإسلامي السوي.
كما يوصي المجلس المسلمين عامة والمقيمين في أوروبا خاصة بالاعتصام بحبل الله تعالى، والأخوّة، والسماحة، والوسطية، والتعاون على البر والتقوى، والتزام الحوار الهادئ والأساليب السليمة في معالجة قضايا الخلاف، بعيداً عن مناهج التشدد ومسالك التطرف التي تشوه صورة الإسلام، وتسيء أبلغ الإساءة إلى المسلمين عامة وإلى الأقليات المسلمة خاصة، فيتلقفها خصوم الإسلام والجاهلون به للتشنيع عليه والتخويف منه ومن أهله واستعداء الأمم عليهم، وقد قال الله تعالى: ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَن ]النحل: 125[.
والمجلس في ختام دورته يتقدّم بخالص الشكر الموصول بالدعاء للمشيخة الإسلامية في دولة البوسنة والهرسك على دعوتها واستضافتها لهذه الدورة، كما يشكر لجميع من ساهم في إنجاح أعمالها من الإخوة أهل البوسنة، ويشكر للحكومة البوسنية دورها في تيسير انعقاد هذه الدورة على أرضها الطيبة، وبخاصة في تسهيل إجراءات دخول أعضاء المجلس لأراضيها.
كما يشكر الأمانة العامة للمجلس وجميع من قام من الإخوة والأخوات في العمل على إنجاح أعمال هذه الدورة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.