الإسلام مصطلح جميل اختير بعناية من السلم ، والسلام ، وكما اختير الإيمان من الأمن والأمان ، والإسلام في حقيقته اللغوية الخضوع والانقياد لله تعالى[1] ، وفي الاصطلاح القرآني هو الدين الخالد الذي أنزله الله تعالى إلى البشرية جميعاً بدءاً من نبيّ الله آدم ومروراً بأنبياء الله تعالى نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وختماً بنبيّ الله تعالى محمد عليهم الصلاة والسلام حيث أنزل الله تعالى ما تحتاج إليه البشرية من هداية ونور ،واكتمل بناء الدين كله بالرسالة الخاتمة .
وقد اشتهر لفظ ” الإسلام” على الدين الخاتم المنـزل على محمد صلى الله عليه وسلم في مقابل الأديان الأخرى مثل اليهودية ، والنصارى …. [2].
والإسلام والإيمان بمعنى واحد ، لكنهما إذا اجتمعا يراد بالإيمان الجانب العقدي ، وبالإسلام الجانب العملي من الأركان[3] ، كما في حديث جبريل الصحيح الذي سأل فيه عن الإيمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ، قال ـ أي جبريل ـ صدقت ، فقال وأخبرني عن الإسلام ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً …..))[4] .
والإسلام دين شامل ينظم حياة الإنسان كلها من كل جوانبه وبالأخص الجانب النفسي ، والروحي ، والبدني ، فهو يهتم ببناء الإنسان الصالح النافع لنفسه السعيد في الدنيا والآخرة ، والمفيد لغيره ،كما يهتم بربط الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالقيم السامية ، فقد قال تعالى : ( قل إن صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)[5].
فالإسلام يريد أن يحي الإنسان بالقيم الإيمانية فتكون فيه روح الإيمان والشفافية والصفاء والسعادة والنقاء فقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحيـيكم)[6] .
كما يريد الإسلام أن تكون حركته لا تخرج عن إطار ما تفرضه عقيدته وقيمه الأخلاقية ، وهذا لا يعني تقييد الإنسان وكبت حريته ، وإنما يقصد به أن لا يكون عنده ازدواجية في الشخصية بحيث يكون في المسجد شخصاً عابداً خائفاً وجلاً ، وفي السوق وأماكن عمله شخصاً آخر لا يهمه الحرام ولا إيذاء الآخرين ، وإلاّ فمجالات حرية الإنسان كبيرة ، وذلك لأن ساحة المحرمات صغيرة ضيقة ، وأن الشعائر التعبدية لا تشكل إلاّ جزءاً يسيراً من وقته ، ولكنه يستطيع أن يحول حياته كلها إلى العبادة من خلال أي عمل صالح مع النية .
الدين ضرورة للفرد والمجتمع :
تكاد الدراسات الاجتماعية والنفسية تجمع على أن الدين فطرة كامنة داخل النفس ، وضرورة من ضرورات المجتمع والحياة ، لأنه يوجه الفرد نحو الالتزام بالقيم التي تدفعه إلى الصفاء ، والعمل والبناء والتعايش مع الآخرين وتكامل المقاصد والأهداف [7].
فالدين بصورة عامة والإسلام بصورة خاصة يقوم بضبط حياة الفرد ، وتنمية ضميره ، وصياغة شخصيته ، وتحقيق تماسك الجماعة ، والتماسك الاجتماعي من خلال الترابط والتقارب والألفة والقوة بين أبناء المجتمع .
كما أنه يقوم بتصحيح القانون الأخلاقي في المجتمع وضبطه من اجل تحقيق الخير،ودرء الشر ونشدان الكمال المطلق ، يقول الفيلسوف المعروف” كانت “:(وجود الذات الإلهية في اعماق النفس الإنسانية التي تشعر بأن نشدان الكمال مطلوب عقلي فطري ، فلا بدّ إذن من مبدأ على تحقيق التوازن بين الفضيلة والرذيلة،مبدأ تخضع الطبيعة لإرادته على وفق قانون عادل،وما ذلك إلاّ خالق الطبيعة والإنسان جميعاً،فكان وجود الله هو المطلب الأخير الذي لا بدّ من تسليمه لتصحيح القانون الأخلاقي)[8].
ويقول المارشال مونتغمري في خطبته أمام الجيش الثامن في 4 مارس 1951 🙁 إن أهم عوامل الانتصار في الحرب هو العامل الأخلاقي ، ولا يمكن لقائد أن يدفع جنوده إلى بذل أقصى جهودهم في العمل إلاّ إذا كانت ضمائرهم مرتاحة إلى ما يعملونه ، ويقيني أن الجيش إذا سار على غير مرضاة لله سار على غير هدى )[9] .
وهناك الكثيرون من علماء الاجتماع والنفس يصرحون بضرورة الدين للمجتمعات حتى إن أبا علم الاجتماع الغربي دوركايم يقرّ بأنه(لا يمكن لأية جماعة بشرية أن تستغني عن الدين،ولهذا يستحيل أن نعيش بلا دين)[10].
وقد عرف فلاسفة الغرب أن الأخلاق لا تقوم إلاّ على دين ، وأن حياة الإنسان لا تستقيم إذا انحصرت في دائرة الحسيات ، وقد حاول بعض المفكرين (المذهب الأخلاقي الطبيعي) إقامة الأخلاق على أسس فلسفية مادية ،ولكن هذه المحاولات لم تحقق سوى الفشل والإفلاس،وقد اعترف بذلك كبار المفكرين الغربيين،يقول المفكر الفرنسي برتراند دي جوفنيل (Jovvnel) 🙁 إن أية مجموعة من القيم تتصدى للحرب والتعذيب والطمع والفساد والاستغلال يجب في نهاية المطاف أن تأتي من خارج الإنسان بالذات .. ) [11]، ويقول المفكر “جود” في كتابه : نقد الفلسفة الوضعية المنطقية الصادر عام 1950 : ( إن الإنسان لم يشعر أبداً طوال تأريخه بحاجة إلى الدين شعوره بها اليوم ) [12].
سماحة الإسلام وجماله الجِواني، وإسلام جارودي :
يقول الفيلسوف الفرنسي المعروف جارودي : ( أحب أن أقول إن انتمائي للإسلام لم يأت بمحض الصدفة ، بل جاء بعد رحلة عناء بحث ، ورحلة طويلة تخللتها منعطفات كثيرة حتى وصلت إلى مرحلة اليقين الكامل ، والخلود إلى العقيدة التي تمثل الاستقرار ، والإسلام في نظري هو الاستقرار )[13] ، ويمكن تلخيص أسباب إسلامه فيما يأتي :
لم يزعم النبي صلى الله عليه وسلم أبداً أنه اختلق ديانة جديدة ، بل يدعونا إلى عقائد الأنبياء السابقين وبالأخص إبراهيم وموسى ، وعيسى ( عليهم السلام ) .
لا يفصل الإسلام بين علم الحكمة ، وعلم الوحي الذي لا يتعارض مع العلم ولا مع الحكمة ( فالإيمان عقل بلا حدود ) وبذلك يضع العلاقة بين العقل والدين في إطارها الصحيح .
يسمح الإسلام بوضع مشكلة العلاقات بين العقيدة والسياسة دون أن يخلطهما مع العلاقات بين الكنيسة والدولة مثلما حدث في أوربا وبخاصة في فرنسا [14].
ثم ذكر الجارودي عظمة الإسلام التي تكمن فيما يأتي :
أ ـ جوهر الإسلام وروحه حيث كشف للإنسان أن الكون كله مظهر من مظاهر قدرة الله وأن التأمل فيه ، والعمل الإنتاجي فيه شكل من أشكال العبادة المقربة إلى الله تعالى .
ب ـ انفتاح الإسلام وتسامحه ، حيث يتجلى ذلك في تسامح الإسلام مع بقية الأديان وإعطائه الحرية الكالمة لأصحابها في ممارسة شعارها وطقوسها ، بل سمحت الدولة الإسلامية من أن يتقلد فيها اليهود والنصارى وغيرهم مناصب ووظائف هامة ، ومن هذا المنطلق يؤكد جارودي أن الإسلام لم ينتشر بقوة السلاح ولم يسلّ النبي السيف إلاّ دفاعاً عن دعوته ، وأن الفتح الإسلامي لم يكن استعماراً بل كان إنقاذاً لهؤلاء الشعوب من طغيان وغطرسة سلطات بلادهم الروحية والزمنية ، لذلك لم يقاوموهم ، ولعل أصدق صورة تعكس هذه الحقيقة هي أن العرب فتحوا الأندلس في بحر سنتين فقط ، في حين تطلبت استعادتها منهم سبعة قرون [15].
ج ـ ملحمة الإيمان في الزهد وجهاد النفس ، حيث أعطى الإسلام دفعة قوية لجهاد النفس وتزكيتها والارتقاء بالروح ، والعناية بالداخل الجِواني ليتوافق مع الإرادة الإلهية .
د ـ تكامله من حيث العقيدة والسياسة والأخلاق والحقوق : ينطلق الإسلام من مبدأ مسلم به عنده وهو نفي الفصل بيم مشاكل الحياة الدنيوية ، وبين مبادئ العقيدة والأخلاق ، فالاقتصاد في ظل النظم الوضعية يهدف إلى الإنتاج والاستهلاك دون أدنى رعاية للغايات الإنسانية ، بينما لا يهدف الاقتصاد في ظل الإسلام إلى النمو لذاته ولكن إلى التوازن ، كما انه ليس محايداً تاركاً الحبل على الغارب ، ومع الحرية التجارية لكن السوق توجه نحو إشباع الحاجات الحقيقية للإنسان مع التجاوب مع أسس الإسلام وقواعده من خلال التوازن في توزيع الدخل ، والحيلولة دون الاحتكار فقال تعالى 🙁 رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) [16].إضافة إلى فرض حقوق على المال مثل الزكاة لتحقيق التأمين الاجتماعي الذي لم تعرفه أوربا إلاّ في القرن العشرين .
لقد وضع المسلمون قواعد الحرب وأخلاقها في عصر الرسالة وتطورت فيما بعد ، بينما لم يدون الغرب شيئاً من ذلك إلاّ في سنة 1340م في برشلونة بالأندلس بعد اقتباس الكثير من القواعد الإسلامية إثر دعوة الصليبيين من فلسطين ، ومن مدونة (الفونس العاشر) التي تشمل في قسمها العاشر على تشريع حول الحرية لم تكن إلاّ انتحالاً لكتاب ألفه أحد علماء الأندلس وكان يعالج كيفية حماية الأطفال والنساء والعجزة وكيفية الالتزام بالعهود والمواثيق وقت الحرب[17] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يراجع لسان العرب ، والقاموس المحيط : مصطلحا الإسلام والإيمان
يراجع :
يذهب جماعة من العلماء إلى أن الإيمان والإسلام بمعنى واحدوذهب الآخرون إلى أنهما مختلفان،يراجع لمزيد من التفصيل فتح الباري في شرح صحيح البخاري ط.السلفية بالقاهرة(1/114-115)ولكن الحافظ رجح القول الذي ذكرناه.
صحيح البخاري ـ مع فتح الباري ، كتاب الإيمان (1/114) ومسلم ، كتاب الإيمان (1/39)
سورة الأنعام / الآية ( 162)
سورة الانفال / الآية ( 24 )
د. مصطفى الخشاب :علم الاجتماع ومدارسه،ط. لجنةالبيان العربي(ص350)،ود. محسن عبدلحميد : قضايا في الفكر الإسلامي المعاصر ط.2001 ص20
د. محمد عبدالله دراز : الدين ، بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان ، ط.دار القلم ببيروت 1970 ( ص148 )
المرجع السابق ( ص101 )
طه الهاشمي : تأريخ الأديان ، ط.منشورات مكتبة الحياة ببيروت 1963 (ص240 )
رونالد سترومبرج : تأريخ الفكر الأوربي الحديث ( 5/94 )
المصدر السابق ص95 ، ويراجع : د. أكرم العمري : الإسلام والوعي الحضاري ط. دار المنارة / جدة (ص21)
جارودي:محاضرة حوار الحضارات التي ألقاها في الاسكندرية يوم 21/3/1983 نقلاً عن جريدة الأخبار في 23/3/1983
جريدة الأخبار المصرية في 9/8/1983 نقلاً عن مجلة لوموند الفرنسية .
جارودي : لماذا أسلمت (ص90)
سورة النور / الآية (37 )
جارودي : لماذا أسلمت ( ص93ـ 94 )