السؤال :
ما هي أهم الجهات التي تتولى الافتاء للمصرفية الاسلامية في العصر الحديث (مجامع
الفقه الاسلامي ، المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية
الاسلامية ، الهيئات الشرعية….. ،……. ) ؟
الجواب :
الفتوى : هي بيان الحكم الشرعي لقضية من القضايا عند السؤال عنها .
وللمفتي شروط :
- بعضها يعود إلى : جانب التقوى والعدالة
- وبعضها يعود إلى : جانب الكفاءة والعلم
- وبعضها يعود إلى : القدرة على التنزيل ، وفقه الواقع ، والأعراف ،
والأحوال .
والفتوى ـ من حيث الأصل ـ ليست ملزمة للمستفتي ، ولكن إذا التزم المستفتي فيلتزم
بها ، ومن هذا الباب فتاوى ، أو قرارات الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية
ملزمة للإدارة ، بحكم النظام الأساس الذي ينص على هذه الإلزامية ، وكذلك الأمر إذا
نص عليها العقد المنظم لعلاقة المؤسسة بالهيئة الشرعية .
وهذا يعني أن المؤسسين قد أوكلوا مهمة الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها
إلى الهيئة الشرعية ، وألزموا الإدارة بذلك .
وذلك لأن التزام الإدارة بأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها فريضة شرعية لا يجوز
التنازل عنها سواء نص النظام على ذلك أم لا ، ولكن هذا الالتزام إذا لم يخصص
بالهيئة الشرعية فيبقى للإدارة الحق في أن تأخذ الرأي الشرعي في حالة الاختلاف من
أي عالم معتبر ، أو رأي فقهي موثق ، ولكن بحكم النظام أو العقد يصبح الالتزام
بقرارت (فتاوى) الهيئة الشرعية للمؤسسة واجباً ، لقوله تعالى : ( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ولقوله تعالى : (
وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) ، ولأحاديث كثيرة في
هذا المجال توجب الالتزام بالعقود والعهود والوعود وتجعل مخالفتها خصلة من خصال
النفاق .
وهذا ما نص عليه البند ( 2 ) من معيار الضبط لهيئة المحاسبة والمراجعة
للمؤسسات المالية الإسلامية ، حيث جاء فيه : (هيئة الرقابة الشرعية ، هي : جهاز
مستقل من الفقهاء المتخصصين في فقه المعاملات ، ويجوز أن يكون أحد الأعضاء من غير
الفقهاء على أن يكون من المتخصصين في مجال المؤسسات المالية الإسلامية وله إلمام
بفقه المعاملات ، ويعهد لهيئة الرقابة الشرعية توجيه نشاطات المؤسسة ومراقبتها
والإشراف عليها للتأكد من التزامها بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية ، وقراراتها
ملزمة للمؤسسة) .
وجاء في المعيار الشرعي رقم (29) في بيان ضوابط الفتوى ما يأتي :
3/2 تتعين الفتوى على الهيئة للمؤسسة المالية للارتباط بينها وبين تلك
المؤسسة .
3/3 حكم الاستفتاء الوجوب على المؤسسة لمعرفة حكم الشرع في حادثة وقعت ،
أو يتوقع حدوثها ، كما يجب عليها الاستفتاء عن الحكم الشرعي لأي عملية يراد الدخول
فيها .
3/4 مع أن الأصل أن للمستفتي أن يختار ـ بحسب طاقته ـ الأعلم أو الأتقى
من المفتين ، ولو في كل مسألة على حدة ، ولكن المؤسسات ـ بحسب نظمها ولوائحها ـ
مقيدة باستفتاء هيئتها .
ونص البند 6 على أنه :
6/1 يلزم المؤسسة العمل بالفتاوى الصادرة عن الهيئة الشرعية بمجرد
إصدارها ولا يتوقف ذلك على قناعة الإدارة ، وهذا اذا كان مقتضى الفتوى وجوب الفعل
أو الترك أما إن كان مقتضاها الجواز فيحق للمؤسسة عدم العمل إذا رأت المصلحة
العملية في ذلك وفي حال مخالفة إدارة المؤسسة لقرار الهيئة يرفع الأمر للجميعة
العمومية .
وبالتالي فإن الجهة التي تتولى الافتاء للمصرفية الاسلامية هي هيئة الفتوى
والرقابة الشرعية للمؤسسة نفسها ، وليست مجامع الفقه ، أو المجلس الشرعي لهيئة
المحاسبة والمراجعة …. ، ولكن الهيئة لا ينبغي لها أن تخالف قرارات المجامع
الفقهية ، أو المعايير الشرعية التي صدرت من هيئة المحاسبة والمراجعة ، إلاّ في
حالات خاصة يكون للهيئة أدلتها المعتبرة .
إذن فالأصل هو الالتزام بهذه القرارات المجمعية ، والمعايير الشرعية ، لأنها
تأتي بعد دراسات ومناقشات من عدد كبير من فقهاء الأمة ، ومن الاقتصاديين ، فرأي
الجماعة أفضل من رأي الفرد .
أما أنه يجوز استثناء مخالفة هذه القرارات والمعايير ، فلأن بعض هذه القرارات
والمعايير لا تصدر بالاجماع ، وإنما بالغالبية ، وحتى ولو صدرت بالاجماع ، فإن
الحاضرين لا يمثلون جميع علماء الأمة ، ولذلك لا تعتبر هذه القرارات إجماعاً ، عند
جميع الفقهاء المعتبرين .
ولنفس السبب فإن هذه القرارات قابلة للمراجعة والتعديل ، وقد حدث فعلاً إعادة
النظر في بعض القرارات ، وصدرت قرارات أخرى قد تختلف عن سابقتها .
ومهما يكن من أمر فإن تنزيل قرارات المجامع أو المعايير الشرعية على الوقائع التي
تحدث في المؤسسات المالية من مسؤوليات الهيئة الشرعية للمؤسسة ، ومن واجباتها ،
ولذلك يجب على المؤسسة أن تلتزم بقرارات هيئتها الشرعية ، وهذا ما نص عليه البند
6/3 من المعايير : ( ليس للمؤسسة العمل بما صدر من غير هيئتها إلاّ بموافقة
هيئتها ) ، وجاء في البند 6/4 من المعايير : ( ليس للمؤسسة مطالبة الهيئة
بالافتاء طبقاً لمذهب معين ولو كان المذهب الرسمي في بلد مقر المؤسسة ، أو المذهب
الذي التزمت به جهة الفتوى الرسمية ، ومع هذا ينبغي مراعاة ما إذا كان القضاء أو
القانون مقيداً بمذهب معين ، وكان الموضوع مما يحتمل في المستقبل الرجوع فيه إلى
القضاء) .
طريقة الفتوى للمؤسسات المالية الإسلامية :
إن طريقة الفتوى للهيئات الشرعية يجب أن تعتمد أولاً على كتاب الله ، والسنة
الصحيحة الثابتة والاجماع ، ثم القياس والمصالح المرسلة ، وبقية الأدلة التبعية كما
أن عليها أن تستفيد من أقوال الصحابة والتابعين ، ومن آراء الفقهاء المجتهدين ،
ولكن لا يجوز الافتاء على الرأي المجرد عن الدليل المعتبر شرعاً وقد شرحت المادة (7)
من معيار ضوابط الفتوى هذه المسألة ، نذكرها لأهميتها ، وهي :
7/1 أول ما تستند إليه الفتوى ما جاء في كتاب الله تعالى صريح الدلالة ،
وما جاء في السنة الثابتة الصريحة الدلالة ، وما وقع عليه الاجماع ، أو ما ثبت
بالقياس ، ثم ما يرجحه المفتي من الأدلة المختلف فيها ، مثل الاستحسان والمصلحة
المرسلة …. الخ .
7/2 لا يجوز شرعاً الفتوى بمقتضى الرأي المجرد عن الاستدلال بما سبق
بيانه في البند 7/1 أو بما يخالف النصوص العامة الصحيحة القطعية الدلالة ،
أو بما يعارض الإجماع الثابت أو القواعد الكلية المستندة إلى النصوص .
7/3 لا يسوغ التحرج من الفتوى في الأمور المستجدة بسبب عدم توافر النصوص
فيها أو عدم وجود كلام عنها للفقهاء السابقين ، ويتم النظر فيها بمراعاة قواعد
الاستنباط المقررة في أصول الفقه .
7/4 للهيئة بالتنسيق مع المؤسسة إحالة الاستفتاء عند الحاجة إلى هيئة
تتوافر فيها صفات طمأنينة أعلى مثل كثرة المشاركين في عضويتها أو انضمام خبرات أخرى
إليهم مثل المجامع الفقهية أو المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات
المالية الاسلامية ، أو الهيئات الشرعية العليا .
7/5 من وسائل تسهيل الوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح للمسائل ما يأتي :
7/5/1 المعرفة الدقيقة بالواقعة المستفتى فيها مع استخلاص حقيقتها اذا لم
تتضح في الاستفتاء وذلك من خلال سؤال المستفتي أو التشاور مع الهيئات الأخرى أو
الرجوع للخبراء وجهات الاختصاص مع مراعاة الأعراف والعادات حسب المكان والزمان .
7/5/2 تتبع الحكم الشرعي المحرر في المذاهب وبذل الجهد فيما إذا كان
الدليل في القضية مما تعارضت فيها الأدلة أو لم يرد فيها نص أو قول للفقهاء
السابقين .
7/5/3 الاستفادة من الاجتهادات الجماعية مثل : قرارات المجامع ، وفتاوى
الهيئات الأخرى ، والندوات والمؤتمرات الفقهية .
7/6 يجب على الهيئة إذا ورد إليها استفتاء من المؤسسة أن تجيب عليه ببيان
الحكم الشرعي إلاّ إذا خيف استغلال الفتوى لما ليس مشروعاً فإن للهيئة الامتناع عن
الفتوى وحفظ الاستفتاء ، أو الافتاء مع وضع قيود على نشر الفتوى .
7/7 العمل على نشر فتاوى الهيئة وتبادلها مع الهيئات الأخرى والجهات ذات
الصلة .