العنصر الثاني: ربط الاقتصاد الإسلامي بالأخلاق وتفعليه:
إن للأخلاق دوراً مهماً ذاتياً في الاقتصاد من ثلاثة جوانب:
الجانب الأول: دوره في الالتزام بالعقود والعهود والوعود، حيث أمر الله تعالى بالوفاء بها، وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم مخالفتها ونقضها من علامات النفاق، وهذا مفصل في كتب التفسير والحديث والفقه.
الجانب الثاني: الأوامر الواردة حول وجوب الحفاظ على البيان، والأمانات ونحوها، وكذلك النواهي الواردة في حرمة الغش والخيانة والتدليس، والتحايل، والاختلاس، والظلم ونحوها.
الجانب الثالث: دور الأخلاق في تحقيق الجانب الإنساني، والعدالة الاجتماعية، وذلك من حيث الإحساس الإنساني، بل الإحساس لكل مَنْ فيه روح، بل حتى الرحمة بالبيئة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، فالأخلاق الإسلامية تقتضي تحقيق التكافل الإنساني والإسلامي لأنها تدفعه نحو أداء ما عليه الواجب نحو أخيه الإنسان، ويزداد هذا الإحساس نحو أخيه المسلم الذي يشاركه، وبالتالي فلا يقبل أن يعيش مرفّهاً أو شبعاناً وأخوه محتاج وجائع، وهكذا، وهذا يقتضي العدالة في إعادة التوزيع بما يحقق العدالة الاجتماعية فعلاً.
وقد أفاض شيخنا في هذه الميزة إفاضة طيبة –كما سيأتي–
العنصر الثالث: ربط الاقتصاد الإسلامي بالتنمية الشاملة:
وذلك من خلال ربط الأنشطة الاقتصادية كلها بتحقيق التنمية الشاملة، وربطها بتحقيق الطيّبات للأفراد والمجتمع جميعاً، وتوجيه الإنتاج نحو تحقيق مصالح الناس حسب فقه الأولويات، وربط الاستهلاك بالسلوك الرشيد المعتدل.
والتركيز على هذه القضية كان ديدنه في كل كتبه –كما سيأتي–
العنصر الرابع: ربط الاقتصاد الإسلامي بمحاربة الفساد الاقتصادي والمالي:
إن الفساد في العالم الإسلامي هو السبب الأكبر لما نراه من آثاره البارزة من الغش والتدليس، والرشوة والظلم، وعدم احترام العقود والمواثيق، والاعتداء على أموال الدولة والقطاع العام، والخاص، وغسيل الأموال وغير ذلك. وكذلك فإن الفقر المدقع الذي انتشر في العالم الإسلامي ووصل إلى مرحلة بالغة الخطورة يعود سببه الأخطر إلى الفساد العام، والحروب المدمرة التي أكلت الأخضر واليابس. والفساد هو المسؤول الأول أيضاً عن زيادة الهوّة بين الفقراء والأغنياء، مما أدى إلى تضييق دائرة الوسط، وتوسيع دائرة الفقر، ووجود النظام الطبقي، وكثرة العاطلين وانتشار البطالة.
فالحقيقة هي أن الفساد المالي والإداري هو سرطان في جسم الأمة يقضي عليها إن لم يتم القضاء عليه.
وسنتحدث عن جهود شيخنا الغزالي رحمه الله، في هذه المجالات الأربعة. وشيخنا الغزالي شن هجوماً حاداً على الفساد والمفسدين بجميع أصنافهم في جميع كتبه، ولنا عودة إليه فيما بعد.
التجديد في فكر شيخنا الغزالي:
تثار منذ عدة عصور مسألة التجديد، ويختلف الكثيرون حول مضمونه، ومَنْ يقوم به؟ وإلى أين يتجه؟ وغير ذلك من الأسئلة. والسبب في ذلك أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد تحدث عن هذا التجديد فقال: «إن الله تعالى يبعث على رأس كل مائة سنة مَنْ يجدد لها دينها» رواه أبو داود، والحاكم وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، وفي بعض الروايات بلفظ: «أمور دينها»، ولكن الأصح هو اللفظ الأول.;