أكد د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن هناك أهمية كبرى لأن يبدأ الإنسان بإصلاح نفسه من الداخل أولا مشيرا إلى أن هذا الإصلاح هو المنطلق والقوة المفجرة لكل أعمال الإنسان وتصرفاته.
وأضاف في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس أن هناك ثلاث قضايا أساسية يحتاج إليها الإنسان لتكون إرادته صحيحة نحو الإصلاح: أن يكون معتمدا على الله في كل عمل حتى يوفقه الله، وأن تكون هذه الإرادة خالصة لله سبحانه وتعالى حتى يكون معه، ثم قبل ذلك ومعه أن يتوكل على الله وأن لا يتوكل على قوته أو ماله أو على جاهه أو على ما آتاه الله من النعم التي لا تعد ولا تحصى، ثم بعد ذلك يرجع الإنسان إلى الله وينيب إليه وينظر في نيته مرة ومرة حتى تكون هذه النية خالصة، حتى تكون مقبولا عند الله، وحتى يكون معها توفيق الله.
بالنسبة لأعمال الإنسان أن تكون هذه الإرادة الداخلية فيها أمران متوازيان من باب عدل الله سبحانه وتعالى، ففي الداخل قوة تدفع الإنسان نحو الشرور ونحو المعاصي ومع هذه القوة أيضا الشهوات وحب الدنيا والجاه والتمتع باللذات، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره).
القوة الشريرة
وأشار إلى أنه في مقابل هذه القوة الشريرة هناك قوة أقوى من ذلك وهي قوة الإيمان والفطرة السليمة وشاء الله تعالى أن تكون هذه الأعمال الصالحات أن تكون نابعة من الفطرة (يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) أي ما يطيب للإنسان في حقيقته فهذا هو الذي أحله الله، والخبائث هي الأشياء التي تضر بالإنسان وصحته وأمواله وبيئته، وهذه القوة الأساسية التي هي قوة الفطرة مع الخير والمعروف والحسنات والطيبات وحتى العبادات فيها هذا الجانب رغم أن العبودية لله فيها استئناس للنفس وراحة القلب والتواصل مع الله.
وقال إن الإنسان يرتاح عندما تواجهه مشكلة ما فيرى أن له ربا يسمعه فيسرع بالتضرع والتوسل إليه.
وأكد أن القوة الأخرى المضافة هي أن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب، وهذه الكتب وهؤلاء الرسل يبينون طريق الحق ونتائجه ويبينون طريق السيئات ونتائجها، ثم بين الله بقاعدة ثالثة وهي قاعدة الثواب والعقاب أي الثواب على ما نفعله من الحسنات رغم أننا ننتفع بها في الدنيا فالثواب في الدنيا وكذلك الثواب في الآخرة والعقاب على ما نفعله في الدنيا وسيكون العقاب شديدا وأسوأ يوم القيامة.
القواعد الأساسية
ولفت إلى أن هذه القواعد الأساسية حينما تقارنها تجد في الظاهر أن هناك توازنا وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) هذه النفس على علم كامل بما يفجر به الإنسان وهذه النفس فيها هاتان اللمّتان كما ورد في بعض الأحاديث لمّة الملائكة ولمّة الشيطان ولكنه لمّة الملائكة أقوى لأن لمّة الملائكة مع الفطرة السليمة ولذلك عبّر الله سبحانه وتعالى بهذه القوة فقال (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) قد أفلح من زكّى هذا النفس وطهرها وأبعد عنها اللمّة الخبيثة وهذه النيات السيئة والحظ الخطير من حظوظ الشيطان ومن حظوظ النفس الأمارة بالسوء ثم قال (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا).
وأوضح أن الدس هو إخفاء الشيء في التراب أو في غيره وقد عبر القرآن عن هذه الخفاء المتعمد بالدس، وخاصة إذا كان خفيا، فهذا يدل على أن من يسير مع الباطل هو لم يسير مع فطرته السليمة فلو عاد إلى فطرته السليمة لدفعته الفطرة السليمة نحو الطيبات ولكنه بسبب غلبة الشهوات عليه وأمور النفس عليه يتجه إلى إخفاء الحقيقة.
وقال إنه لو عاد الإنسان إلى فطرته السليمة لما كان له إلا أن يؤمن بالله سبحانه وتعالى.
الإيمان الصادق
وتطرق د. علي القره داغي للحديث عن سبل تقوية إرادة الإنسان فقال:
من أهم أسباب تقوية الإرادة: الإيمان بالله سبحانه وتعالى وهو الإيمان الصادق الحقيقي الذي يجعلك كأنك ترى الله فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
والثاني: الإيمان باليوم الآخر وإذا كان هذا الإيمان حقيقياً فإنه يقوي إرادة الإنسان نحو الخير واليوم الآخر يبدأ من الموت إلى أن يستقر الإنسان في الجنة أو في النار ونحن لا نعرف موعدا محددا للموت ولا يعرف هذا الموعد إلا الله تبارك وتعالى وهو يأتي فجأة وعلينا أن نكثر من ذكر هادم اللذات ونتذكر ما يحدث للإنسان عند الاحتضار وفي القبر فهو إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران.
وقال إنه علينا أن نذكر يوم المحشر عند الحساب ويوم الخزي للظالمين ويوم الرحمة والبركة والسعادة للمسلمين.
وأشار د. القره داغي إلى أن العامل الثالث لتقوية إرادة الإنسان هو: النظر في القرآن الكريم وتدبر آياته وما يذكره من سير الأنبياء والصالحين وكذلك الآيات التي تدل على أهمية العمل بل الإكثار والتفاني في العمل لله سبحانه وتعالى. ويقول القرآن الكريم حتى لا نغتر في صفات المؤمنين (إنهم كانوا قبل ذلك محسنين) والمحسنون لها معنيان الأول: أنهم كانوا في مرحلة كأنهم يرون الله سبحانه وتعالى، والثاني: أن لديهم الإحسان والفعل الكبير (قليلا من الليل ما يهجعون) وبقية الليل يصلون ويذكرون الله تعالى ومع هذه الحالة الإحسان في المال والإحسان في العلاقة مع الله وكثرة الصلاة والتهجد (وبالأسحار هم يستغفرون) خوفا من أن ما فعلوه لم يكن خالصا لله.
وأشار إلى أنه في سورة المؤمنون تحدث القرآن الكريم عن قضية المال (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) أي أنهم يعطون كل ما أتاهم الله كما فعل أبو بكر رضي الله عنه ومع ذلك وقلوبهم خائفة ووجلة أشد من الخوف ولما يصل الخوف إلى مسألة الاضطراب تسميه الوجل، ومن ثم يصفهم الله تعالى بأنهم (يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون).
ولنا في رسول الله أسوة (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) فهو في النهار كان مجاهدا وبالليل قائما وتتورم قدماه من كثرة القيام والسجود فيقول أفلا أكون عبدا شكورا.
ويساعدنا في تقوية هذه الإرادة النظر إلى آيات الله سبحانه وتعالى في الإنسان والكون، وتقوى الإرادة بالتربية السليمة وتحديث النفس دائما بنعم الله تعالى وبجزاء وثواب الطاعات وأثرها في الناس وبشرِّ المعاصي وأثرها في الناس وكذلك في التدبر والتفكر في أسرار العبادات وغاياتها، وتقوى الإرادة بالصبر والتحمل والتريث وعدم التسرع.