الشرق – الدوحة
الحلقة الأولى
يعتبر هذا الكتاب ميثاقاً للوحدة بين شعوب ودول العالم الإسلامي، إذ يرصد فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور علي محيي الدين القرة داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رئيس المجلس الأعلى الاستشاري للتقريب بين المذاهب الإسلامية “إيسسكو” في تلك الدراسة (الوحدة الإسلامية مبدءاً ثابتاً، والخلافات المذهبية تنوعاً وإثراءً: ميثاق للعمل الإسلامي الموحد) والتي قدمت إلى المنظمة العالمية الإيسسكو وهي المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة لدول العالم الإسلامي عناصر هذا الميثاق من خلال تفعيل القواعد والمبادئ التي تحكم العلاقة بين المسلمين.. وهي التي فصلها في هذه الدراسة القيمة..
قال فضيلته: إن القرآن الكريم قد بيّن في آيات كثيرة أن الله تعالى خلق الإنسان لتحقيق مهمتين رئيستين هما: الأولى: الإيمان بالله تعالى وتوحيده وباليوم الآخر وببقية أركانه، مع أداء الشعائر التعبدية لله، والالتزام بالقيم الأخلاقية السامية، حيث يصبح الإنسان بتنفيذ ذلك سليم القلب صالح العمل بعيداً عن الفحشاء والمنكر، وعن الإيذاء، والإفساد، بل يكون حريصاً على العدل والإحسان حتى يرضى الله تعالى، ويهيئ لنفسه السعادة في الدنيا والآخرة.
الثانية: تعمير الكون في ضوء منهج الإصلاح والخير للجميع، وكلا الأمرين داخل في مفهوم العبادة – بمعناها الشامل – إذ أن كل واحد منهما أمر الله تعالى به، فكما أمر الله تعالى بالصلاة والحج والصيام ونحوها من الشعائر التعبدية فكذلك أمر الله تعالى باستعمار الأرض، والتنمية الشاملة، واكتساب الرزق والتجارة، والزراعة والصناعة ونحوها، بل نجد على سبيل المثال في صلاة الجمعة أمرين يتعلقان بأدائها وهما: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).
وأمرين حول الاكتساب والعمل بعدها، وابتغاء الربح أي التجارة الناجحة وهما: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
تلك هي الغاية من خلقا لإنسان فقال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ولذلك يكون الأصل والمطلوب أن يجتمع الناس على عبادة الله، ويتجدد على الإسلام له، ولكنهم اختلفوا بسبب البغي واتباع الأهواء والشهوات، وتأثروا بالبيئة والتقاليد والعادات، بالإضافة إلى أن من مقتضى العقول المختلفة تنوع التصورات، واختلاف التصديقات، وذلك لأنها من سنن الله تعالى في خلقه القاضية بالاختلاف والترفق، فقال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
وقال تعالى: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) وقال تعالى: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وقال تعالى: (وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
إذن فالاختلاف والتفرق سنة لازبة ولازمة لا محيص منه، وبالتالي يجب التعامل معه، ولكن هذا التعامل تختلف كيفيته وقوته وضعفه:
أ- فإن كان الاختلاف حول العقائد والأصول والثوابت وما علم من الدين بالضرورة فإنه داخل في الاختلاف المذموم، والتفرق المحرم الذي جاءت الآيات الكثيرة والأحاديث الشريفة بالنهي عنها، والحذر منها، والابتعاد عنها.
وفي هذا النطاق فإن الإسلام يطبع لنا منهجاً عظيماً وأسلوباً حكيماً في التعامل مع هذه الاختلافات في الأديان والملل والنحل، وداخل الفرق الضالة، يكمن فيما يأتي:
(1) بيان الحقائق الثابتة فيما يتعلق بالعقائد والشعائر والقيم وعالم الغيب ونحوها بالحكمة والموعظة الحسنة وبالجدال والحوار بالتي هي أحسن.
(2) الالتزام بكل ما يؤدي إلى التعايش السلمي مهما اختلفت الأديان والآراء من الالتزام بأسس التعامل ومبادئه وقيمه العظيمة التي أرساها الإسلام.
ب- الاختلاف الداخل في إطار الإسلام بين المسلمين أنفسهم ممن يشتركون في الإيمان والعمل على الثوابت العامة للإسلام وأصوله العامة التي سنذكرها – إن شاء الله.
وهذا الاختلاف أيضاً منه ما هو اختلاف فقهي فقط فهذا تنوع وثراء لفقهنا الإسلامي العظيم كالاختلاف بين جميع المذاهب الفقهية المعتمدة مثل الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، والإمامية، والزيدية، والإباضية، والمذاهب الفقهية المندثرة مثل مذاهب أبي ثور، والأوزاعي، والطبري.
فهذه المذاهب الفقهية كلها من حيث هو مذهب فقهي ليس هناك إشكال في قبولها، وإنما الإشكال في الجناب العقدي والأصولي لدى بعضها، فمثلاً إن الشيعة تتوزع على عدة فرق فمنهم الغلاة فلا نتحدث عنهم، وإنما نتحدث عن الشيعة الإمامية الذين يؤمنون ببعض الأصول زيادة على أركان الإيمان المعترف بها لدى المذاهب السنية والإباضية والزيدية.
وتلك الأصول هي: الإيمان بالإمامة والعصمة، والوصاية، حيث نذكر بإيجاز ما ذكرته مصادرهم القديمة والمعاصرة، حيث اتفقت على أن الإمامة أصل من أصول الدين وأن من ينكرها ولم يؤمن بها فهو إما فاسق، أو كافر على خلاف بينهم، ومنهم من قال: إنه مسلم بالمعنى العام، فمثلاً قال العلامة الحلي: (الإمامة لطف عام، والنبوة لطف خاص، لإمكان خلو الزمان من نبي حيّ بخلاف الإمام… وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص).
وقال ابن بابويه القمي الملقب عند بالصدوق: (اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والأئمة بعده أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء…) وقال الشيخ المفيد وهو من رؤساء الإمامية: (اتفقت الإمامية على أن من جحد إمامة أحد الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار).