الدوحة – الشرق
دعا فضيلة الشيخ د. علي محي الدين القره داغي الأمين العام لاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الأمة الإسلامية إلى التوبة والعودة إلى الله والإخلاص الذي اعتبره من شروط استمرار التوبة، بقوله: لو وجد فينا وفوضنا أمرنا إلى الله وعملنا له وحده وأردنا إرضاء الله دون الحاجة إلى إرضاء الناس، لما أصاب هذه الأمة ما أصابتنا من هذه المصائب.
وأشار في خطبة الجمعة اليوم بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق ليب إلى أنه من أشد المصائب التي ابتليت الأمة بها ما حدث من غرس هذه الجرثومة السرطانية من خلال وعد بلفور حينما اختلف العرب والأتراك والمسلمون، حتى سقطت دولة الخلافة حينئذ تمكن الإنجليز من إعطاء وعد بلفور وفي سنة 1847 حدثت نكبة الأمة وليست نكبة فلسطين، حينما اُعترف بالجرثومة في قلب الأمة الإسلامية وهذه الجرثومة تنتشر وكل ما يحدث اليوم في مصر والعراق واليمن وسوريا من وراء هذه الجرثومة ومن يقف معها أو يريد إرضاءها، ناعيا انشغالنا بقضايانا وجروحنا، ثم دعا الأمه فعلينا بالعودة إلى الله وليس غيره وان نعتمد عليه وحده لا على أمريكا ولا على الغرب فهم قد باعوا أقرب أصدقائهم من شاه إيران وغيره، وعلينا المساهمة بكل إخلاص في حل مشاكلنا ولم شملنا.
باب التوبة مشرع
وقد بدأ فضيلته خطبته قائلا: خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ضعيفا، ولذلك عامله بلطفه وبرحمته، وحينما يقع الإنسان في السيئات أو الخطيئات بسب ضعف يعتريه فإن الله سبحانه وتعالى يفتح له أبواب التوبة وأبواب رحمته، فشرع الله التوبة، وأمر المؤمنين جميعا من الأنبياء والصالحين والمجاهدين والربانيين والعصاة والطائعين بالتوبة دائماً، فقال سبحانه وتعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) ، أمرنا أن نرجع إليه وأن نتوب إليه توبة تتعمق في الجذور، وتصل إلى كل أجزاء الإنسان، وإلى مشاعره، بحيث يعود الإنسان ببدنه فتكون أعماله لله، ويعود إلى الله بقلبه وقلبه مرتبط بالله، ويعود الإنسان بنفسه فتكون لذة النفس لا بالشهوات بل تكون في الطاعات (أرحنا بها يا بلال) فكانت الصلاة راحة ولذة، وليست هناك شيء عند الصالحين والأنبياء والصالحين ألذ من المعيشة مع الله ومن طاعة وذكر الله .
التوبة النصوح وجزاؤها
وعرّف التوبة النصوح قائلا: هي التوبة الدائمة التي تتمكن من الجوارح، وتجعل هذا الإنسان مرتبطا بالله سبحانه وتعالى، وتجعل من هذا الإنسان إذا أخطأ أن لن يعود إلى خطئه مرة أخرى. أما الجزاء على هذه التوبة بفضل الله ومنته فيقول الله سبحانه وتعالى (عَسَى رَبُّكُمْ) وكلمة عسى بالنسبة للقرآن الكريم عندما يسند إلى الله فهي للتحقيق وليس لمجرد القرب كما هو الحال حينما يسند إلى فعل الإنسان. فالجائزة الأولى : (أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) والجائزة الثانية: (وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) جنات الفردوس مع الرسول والصديقين والأنبياء والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، والجائزة الثالثة: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) عدم الخزي لا في الدنيا ولا في الآخرة .
وأضاف ” إن الله يستر عليك وعلى عيبوك في الدنيا ويدخلك الجنة في الآخرة ما دمت مع الله، فلن يخزيك الله أبداً، الجائزة الرابعة: (نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ) فهؤلاء لهم أنوار، هؤلاء المؤمنون التائبون التوبة النصوح الدائمة التي تجعل الإنسان يعود إلى الله بظاهره وباطنه وبقلبه وعقله وروحه ونفسه ولسانه وجوارحه وعينه، فيعطيهم الله أنوارا يُعرفون به بين الأمم، ويحسدهم حتى الأنبياء السابقون من جمال هذا النور، ومن روعته ومن قربهم من الله سبحانه وتعالى ، وهؤلاء التائبون يطلبون المزيد ( يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) بأن يتم الله لهم نورهم، وإتمام النور هو الفردوس الأعلى مع النبيين ومع الرسول وأعلى من ذلك التشرف بالرؤية والنظر إلى الله تعالى .
شروط التوبة النصوح
والتوبة النصوح: هي التوبة التي تتوافر فيها شروطها وأول الشروط: الندم على ما فعلت والحس والندامة والبكاء على الذنوب والاعتراف بالخطيئة أمام الله ، والثاني: أن تقلع وأن تترك تماماً من كل هذه الذنوب ، الثالث: ألا تعود إلى هذه الذنوب أبداً، والأمر الرابع وهو الأخطر: فإذا كانت الذنوب في حق الله فتكفي الشروط الثلاثة من الاعتراف والإقلاع وعدم العودة إلى الذنب تكفي ولكن إذا كانت الخطيئة في حق العباد فجرت سنته وهو قادر على كل شيء أن لا يغفر في حقوق العباد، وإنما حقوق العباد تعود إلى العباد، فإذا أكلت مال شخص فيجب أن ترده إليه، وإذا اعتديت بالغيبة والنميمة فعليك أن تستعفيه وتطلب من العفو.
فإذا توافرت الشروط حينئذ تدخل في التوبة النصوح، وإلّا فالله سبحانه وتعالى يقول في سورة النساء (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) إذاً بين الله أن التوبة على الله، بنص القران الكريم الصريح الواضح الدلالة، حينما الإنسان يعمل السوء بجهالة وليس عن عمد، ولا كما يقال عن سبق الإصرار والترصد، فهذا له أمر آخر وأخطر منه ولن تفتح أبواب التوبة أبدا ولكن له جزاء أكبر ،ولا يدخل في هذا، فحينما يقع الإنسان في شيء بجهالة ثم يتوب من قريب فالله يتوب عليه وهو التواب الرحيم ولا شك في ذلك.
استهزاء بالله
وأشار إلى أن الكثير يتوب اليوم ثم يعود إلى نفس الخطيئة وكأنه يستهزئ والعياذ بالله، ويجب أن ننتبه إلى هناك بعض الوعاظ والدعاة يركزون على هذا الجانب وينسون الجانب الثاني، وبالتالي يحس الإنسان بأنه لا يهمه الذنوب، وأنه سوف يستغفر ربه في رمضان أو في الجمعة وتكفر السيئات وهذا صحيح، ولكن هذه لا تزيل حقوق العباد، ولا يجوز أن تتكرر السيئات، فمن يضمن لك أنك إن عملت المعصية أنك تتمكن من التوبة، لذلك يجب علينا أن ننظر إلى الآيات والأحاديث التي ترهبنا نظرة جدية مثلما ننظر إلى الآيات التي فيها الرحمة فنحن دائما يجب أن نكون بين الخوف والطمع.