الحلقة : الرابعة
القدوة في التعامل من خلال:
أولاً – قصة يوسف عليه السلام ، ودلالاتها (قدوة للأقليات المسلمة) :
إن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته بالاقتداء والاهتداء بما ذكره القرآن الكريم للأنبياء والمرسلين، فقال تعالى بعدما ذكرهم : “أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ” وقال تعالى في سورة الأنبياء بعدما ذكر عدداً من الأنبياء مخاطباً رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته : “إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” ودلت الآيات والأحاديث على أن رسالة الإسلام واحدة ، وممتدة من سيدنا آدم عليه السلام إلى أن ختمت وأكملت برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقال تعالى : “شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ” وقال تعالى : “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً” وبالتالي فما أسنده القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة إلى الأنبياء والمرسلين، هو حق وثابت وقدوة وشرع لنا؛ إلاّ إذا دلّ دليل صحيح على نسخه ، وهذا رأي المحققين من العلماء .
* أوضاع المسلمين
إن قصة يوسف عليه السلام تكاد تنطبق تماماً على أوضاع المسلمين في الغرب ، فقد خرج سيدنا يوسف عليه السلام مضطهداً من إخوانه الذين قالوا “اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ” ، ومعظم من جاء إلى أوروبا ، او أمريكا جاؤوا مضطهدين في بلادهم إما سياسياً أو اقتصادياً ، وقلة منهم جاء للتعلم ولم يرجع.
وحتى الظروف الصعبة التي مرت بسيدنا يوسف داخل مصر من الخدمات الصعبة كادت أن تكون متوافرة لدى بعض الأقلية، ونحن هنا نذكر أهم الاستنباطات المتعلقة بالأقلية المسلمة لتكون قدوة لهم، وهي:
1- فقد عاش يوسف عليه السلام في مصر محافظاً على دينه وعقيدته وأخلاقه ، ولم ينزلق – بفضل الله تعالى- نحو الشهوات على الرغم من الضغوط الشديدة من امرأة العزيز ، ونسوة أخريات ، حتى بلغ الأمر إلى ما ذكره القرآن الكريم : “… وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ” . وقد ضحى في سبيل الحفاظ على أخلاقه بكثير من المميزات ، بل سجن على ذلك عدة سنوات.
وهو أن على الأقلية المسلمة أن تأخذ القدوة من يوسف عليه السلام في أن يكون همها الأكبر الحفاظ على دينها ، وعقيدتها ، وأخلاقها ، وأخلاق الأجيال اللاحقة من خلال الأخذ بكل الأسباب المادية والمعنوية ، والآليات التربوية والعملية الممكنة لتحقيق هذا الهدف ، وهنا يظهر دور الثبات والحفاظ على الهوية والأفراد ، وإلاّ فلا قيمة لأي هدف دنيوي مهما كان كبيراً وعظيماً إذا ترتب عليه ضياع الدين والأخلاق ، وهذا ما صرح به سيدنا يوسف فقال : “رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي” وذكر السجن مطلقاً حتى يفهم منه أن السجن حتى ولو طال كل العمر أحب وأفضل من الوقوع في معصية تؤدي إلى غضب الله تعالى ، فما بالك بوقوع الكفر ، والانصهار ، والذوبان للشخص نفسه ، أو للجيل اللاحق .
2- الوفاء لكل من أحسن إليه حتى ولو كان كافراً، حيث إن عزيز مصر حينما اشترى يوسف عليه السلام قال لامرأته : “أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا”.
فلم ينس يوسف هذا الجميل منه ، لذلك كان أحد الدوافع في عدم الاستجابة لطلب زوجته ـ بعد خوفه من الله ـ حيث قال : “إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ” حيث أرجع الضمير بعض المفسرين إلى عزيز مصر بقرينة الحال ، حتى لو رجع الضمير إلى الله تعالى، فإن تكملة الآية تدل على ذلك فقال : “إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ”.
3- عدم الظلم لأهل البلد حتى لو وقع من بعضهم أو من حكامهم ودولهم ظلم للمهاجر أو الأقلية، أو للدول الإسلامية بالاستعمار، فالظلم لا يقابل بظلم محض قال يوسف بعد محاولة زوجة العزيز معه “إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ”.