أثارت قضية رفض أب نسب ابنته بسبب الشك في زوجته ، والتي نشرتها
الراية يوم الأحد 31 يناير ردود أفعال واسعة داخل المجتمع، خاصة ان الطفلة – التي
سقط نسبها بحكم قضائي عبر دعوى “اللعان” التي أقامها الأب – هى التي
تدفع الثمن في النهاية ، فقدت مستقبلها قبل أن ترى نور الحياة ، وطاردتها وصمة
العار قبل أن يكتب لها شهادة ميلاد.
وتعود أحداث القصة إلى عام 2007 عندما حملت الزوجة للمرة العاشرة، لتفاجأ بالزوج
يتهمها بالزنا ويطالبها بإسقاط الجنين، وهو ما رفضته، وعندما أنجبت طفلة رفض الزوج
الاعتراف بها وأقام ضدها دعوى زنا، ولكن المحكمة رفضت الدعوى لعدم وجود شهود، ولجأ
الزوج إلى رفع قضية “لعان” وعندها حكمت المحكمة بالتفريق بينهما، ويرفض
الزوج الاعتراف بالطفلة التي تعاني من مرض غريب يصفه الأطباء بـ “الشلل
الدماغي”.
وفي محاولة لاستجلاء الحقيقة وحكم الشريعة الإسلامية في القضية؛ استطلعت الراية
آراء عدد من العلماء حول أحكام اللعان، وإشكالية نسب الطفلة، والحلول المتاحة أمام
الزوجة.
و قال الدكتور علي محيي الدين القرة داغي: إن الإسلام اعتنى بشدة بقضية الأنساب
والمحافظة عليها، وكما يقول الفقهاء فإن الشرع الحنيف يدعو إلى إثبات النسب وعدم
إضاعته لما يمثله من مخاطر كبيرة على المجتمع، وقد أحاطت الشريعة النسب برعاية
منقطعة النظير، وأولته عناية فائقة حفظا ووقاية وحماية وعلاجا ، وجعلته ضمن
الضروريات الخمس (أو الست) حسب تعبير الفقهاء والأصوليين، ونظمته تنظيمًا دقيقًا
من حيث الحقوق والالتزامات الناشئة، فالحفاظ على الأنساب (وعدم الخلط والكذب فيها)
مقصد شرعي من أهم مقاصد الشريعة، وإن تنظيمها قد أخذ مكانة كبيرة في الأحكام
الشرعية، ولذلك نجد القرآن الكريم ـ الذي يكتفي حتى في باب الشعائر الدينية
بالإجمال دون التفصيل – قد فصل القول في أحكام الأسرة بكل تفاصيلها وهذا إن دل على
شيء فإنما يدل على أهمية النسب وخطورته.
وأوضح القرة داغي أن هذه القضية لها عدة جوانب، وكان أمام القاضي طريقان قبل قضية
اللعان، فإما أن يقبل دعوى اللعان بخصوص التفريق بين الزوجين دون نفي النسب وكما
في رأي الإمام أحمد أن النسب لا ينتفي إلا بحكم الحاكم، كما كان يمكنه الإحالة إلى
تقنية البصمة الوراثية (DNA) بحيث إذا أثبتت نسب الطفلة إلى الأب، يرفض الدعوى، وإذا أصر الأب
على اللعان يكون للتفريق دون نفي النسب، خاصة وأن الآية القرآنية التي تحدثت عن
اللعان كانت تدور حول التفريق بين الزوجين وليس إثبات النسب من عدمه.
وأضاف: ولكن الآن بعد صدور الحكم يمكن للزوج أن يتراجع ويتوب إلى الله عز وجل
وعندها تنسب الطفلة إليه، كما للقاضي أن يطلب خبيرًا في “القافة” أي
المشابهة لتحديد مدى مشابهة الطفلة للرجل، وإذا استقر لديه وجود هذا الشبه يطلب
إجراء اختبار (DNA) لإثبات النسب، وهذا استنادًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:
“إن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الاليتين فهو للذي رميت
به”.
وأوضح أن القافة في الشرع هي التعرف على النسب بالفراسة والنظر إلى أعضاء المولود،
مشيرًا إلى أن لها استعمالات متعددة مثل الاشتباه في نسب المولود والتنازع عليه،
حيث يعرض على القافة، ومن ألحقته به القافة من المتنازعين نسبه، ألحق به، وذلك في
رأي جمهور العلماء.
وتابع: كما يمكن أن تقوم الزوجة بإجراء هذا الاختبار من البداية والتقدم به إلى
المحكمة كقرينة على صحة النسب.
ودعا القرة داغي إلى اعتماد تقنية (DNA) قبل الوصول إلى مرحلة اللعان، مضيفًا: كل الاحترام والتقدير
لأحكام القضاء، لكننا نطرح هنا مساهمة ووجهة نظر ورؤية مستقبلية للتغلب على الكثير
من هذه المشاكل المعقدة، بهدف التيسير على الناس في حياتهم الدنيا.