الدوحة – الشرق
الحلقة :الخامسة و العشرون
أكد القرآن الكريم على أن هذه الأمة أمة واحدة ، وأنها أمة وسط شهيدة على العالم ، وأنها خير أمة أخرجت لمنفعة الناس ، وتحقيق الخير للناس ، وأنها أمة أخرجها الله تعالى بقدرته ورحمته .
إن هذه الوحدة لن تتحقق دون حقوق وواجبات ، وجهود وتضحيات .
إن مما لاشك فيه أننا إذا أردنا أن ننجح إقامة علاقة متوازنة محترمة مع غير المسلمين والحوار معهم ، فلا بدّ أن نقوي ونؤصل العلاقة بين المسلمين بعضهم مع بعض على مختلف مذاهبهم وطوائفهم التقليدية ، وعلى مختلف الجماعات الفكرية الحالية من الإخوان والسلفية ، والتبليغ ونحوها .
فإذا لم نجتمع نحن المسلمين على مجموعة من الثوابت ولم يتسامح ، أو يعذر بعضنا البعض في المتغيرات الاجتهادية المختلف فيها فحينئذٍ لا يكون لنا وزن وقوة في الحديث مع الآخر، والحوار معه ، وهذا ما يتشدق به ممثلو الكنائس والأديان الأخرى ، حيث يحاولون توزيع الإسلام وتقسيمه حسب المذاهب والطوائف والجماعات ،بل والأشخاص فيقولون : الإسلام السني والإسلام الشيعي ، والإسلام الأصولي والإسلام التقليدي ، والإسلام الحداثي والإسلامي الديمقراطي ، والإسلام الإخواني ، و الإسلام السلفي ، والإسلام التبليغي وهكذا .
وفي التأريخ الحديث تنازل الفاتيكان عن أهم عقيدة ظل النصارى يؤمنون بها طوال القرون الماضية ، وهي أن اليهود هم الذين قتلوا المسيح عليه السلام ، حيث برأ اليهود في ع ام 1965 عن دم المسيح تميهداً للوحدة ، وتعاون الشعوب المسيحية مع اليهود في حربها ضد الغرب والمسلمين ، بل ظهرت المسيحية المتصهينة التي هي أخطر من الصهاينة أنفسهم في حربهم ضد الاسلام والمسلمين .
لماذا الذات المتحدة قبل البحث عن مؤامرات الخارج :
إن منهج الإسلام منهج واقعي حكيم يعالج الموضوع عن جذوره ، ولذلك حينما تحدث عن بعض هزائم المسلمين في عصر الرسالة أسند أسبابها إليهم أنفسهم ، فلم يحولها إلى الغير ولم يجعل الغير شماعة لتعليق كل المصائب ، فقال تعالى : (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .
وعلى ضوء ذلك لا طريق لنا لتحقيق ذلك إلاّ من خلال تفعيل القواعد والمبادئ التي تحكم العلاقة بين المسلمين وهي :
القاعدة الأولى : تفعيل الولاء والنصرة للمؤمنين :
إن هذه القاعدة تعني أن يكون ولاء المؤمن لله تعالى ولرسوله ثم للمؤمنين وجماعتهم ، فقال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) وقال : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .
والمقصود بولاء المؤمن للمؤمنين وجماعتهم هو أن يكون حبه لهم ، بأن يحب نصرهم على غيرهم ، ولا يؤثر غيرهم عليهم ، وأن يكون نصرته لهم عند حاجتهم إليه ، فالولاء : هو الحب والتعاون ، والنصرة ، والاتحاد والوقوف مع المؤمنين وقوفاً ثابتاً راسخاً.
عدم تفعيل الولاء بين المؤمنين فتنة :
وقد بيّن الله تعالى أن عدم تفعيل الولاء والنصرة بين المؤمين يؤدي إلى فتنة كبيرة ؛ لأن أهل الكفر والشرك والالحاد أمة واحدة ، وهم ولاء بعضهم لبعض أمام المسلمين ، فقال تعالى : (وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) .
وهذا الولاء والحب والنصرة للمؤمنين على ميزانين :
أ – ميزان الحرب ، فيجب على المؤمن نصرة المسلمين ، ومقاطعة المعتدين ، والغلظ عليهم ، والبراءة منهم ، وعدم إظهار المودة والمحبة لهم ، وهذا ما بينه القرآن الكريم .
ب – ميزان السلم ، حيث يجب على المؤمن البر والاحسان ، ويجوز له التعايش ، والتعامل مع الآخر كما حدد هذه العلاقة قوله تعالى : ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) . ولذلك فلا تعارض بين الولاء لله وللمؤمنين والبراء من الأعداء والمعتدين مع الاحسان والبر إلى غير المعتدين ، ولا مع المودة الشخصية ” الحب على أساس العلاقات الشخصية ” وليس على أساس الكفر .
القاعدة الثانية : تحقيق قاعدة الاخوة الإيمانية وآثارها :
دلت النصوص الشرعية على أن أسس العلاقات بين المسلمين تقوم على أخوة قائمة على الدين مقدمة على جميع الوشائج ، دون أن تلغيها ، ولكنها تتقدم عليها بحيث إذا تعارضت الاخوة الإيمانية مع وشائج القربى من الأبوة والبنوة والقرابة الأخرى ولم يمكن الجمع بينهما) فإن الاخوة الإيمانية هي التي يجب أن تتقدم ، وعلى هذا تكاثرت الآيات والأحاديث الكثيرة ، وإجماع المسلمين ، وتربية رسول الله للجيل الأول ، وعلى هذا سار الخلفاء الراشدون ، والصحابة الكرام (رضوان الله عليهم أجمعين .
وقد أولى الإسلام عناية منقطعة النظير بالوحدة بين المسلمين فوردت مئات الآيات والأحاديث تؤكد ضرورة وحدة المسلمين وأنها فريضة شرعية ، وضرورة واقعية ، وأن الاختلاف والتفرق محرم ، وأنه يؤدي إلى التمزق والضعف ، والهوان فقال تعالى : (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وقال تعالى : (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لكم لعلكم تهتدون) .
4. الجسد الواحد متراحم ومتعاون يراعي الحقوق :
ويترتب على كون المسلمين إخوة كجسد واحد أن لا يظلم بعضهم بعضاً ، ويراعي حقوق أخيه الذي هو بمثابة جزء منه فلا يظلمه ولا يخونه ولا يغشه ولا يحسده ولا يبغضه ، ولا يخذله ولا يحقره ، ولا يعتدي عليه ، لا على ماله ، ولا على عرضه ، ولا على نفسه وأعضائه ، ولا يهجره ، بل ينصره ، ويحب له ما يحب لنفسه ، وينصحه ويزوره ، ويعوده ، ويستر على عوراته ولا يفضحه ، بل يقضي حوائجه ، ويشفع له ، ويقوم بالإصلاح فيما بينه وبين الآخر .