بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وخاتم الرسل والنبيين ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين .
وبعد:
فقد شاء الله تعالى أن يجعل دين الإسلام خاتم الأديان ورسالته كافة للناس أجمعين ، وخاتمة لجميع الرسالات ، وخالدة بخلود الأرض والسموات .
لذلك ضمنه عناصر الخلود والبقاء والثبات والتطور ، وتكفل له صلاحيته لكل زمان ومكان من خلال ما يتضمنه من النصوص المرنة ، والقواعد العامة ، والمبادئ الكلية لمعالجة المستجدات في إطار النصوص، وما أقره من الأدلة المعتبرة من الإجماع والقياس والاستصلاح والاستحسان ونحوها ، فدلت القرون السابقة منذ عصر الصحابة الكرام رضي الله عنهم إلى يومنا هذا على قدرة هذه الشريعة على وضع الحلول لكل ما احتاجت إليه المجتمعات التي دانت لها على الرغم من الاختلاف في حضاراتها وثقافاتها كالمجتمعات الفارسية والرومانية وغيرهما ، كما استطاع فقهاؤها أن يجدوا الحلول المناسبة لكل النوازل والمستجدات التي ظهرت خلال تلك الحقب ، وأن يحافظوا على الثوابت التي تحمى الأمة من الذوبان والانسلاب الحضاري والانحراف ، وأن يقفوا بجانب كل تطور نافع من خلال المتغيرات .
وقد تميز عصرنا الحاضر بزيادة في حجم المتغيرات والنوازل والمستجدات لم تشهدها العصور السابقة، وتطورت العلوم والمجتمعات تطوراً كبيراً ، وتغيرت أنماط الحياة ، وأثرت ثورة المعلومات وعالم الكومبيوتر والانترنيت والقنوات الفضائية في العالم جميعاً إنساناً وسلوكاً حتى أصبح العالم كقرية صغيرة، ناهيك عن ثورات علمية في مجال الجينات (الجينوم) والهندسة الوراثية والبصمة الوراثية والاستنساخ وطفل الأنابيب وزرع الأعضاء وغير ذلك ؛ إضافة إلى تطور الأفكار في عالم السياسة والاقتصاد.
كل ذلك يستدعي نهوض العلماء المعاصرين بدورهم ، ويوجب عليهم أن يشمروا عن ساعد الجدّ حتى يجدوا الحلول المناسبة المطابقة لمقاصد الشريعة لكل هذه القضايا جامعين بين الأصالة والمعاصرة ، وبين القديم الصالح والجديد النافع ، منطلقين من صلاحية هذا الدين وشموليته حيث دلت نصوصه على أنه ما من حادثة ولا نازلة إلاّ وفيها حكم الله علمه من علمه نصاً أو استنباطاً وجهله من جهله ، وأن بيان ذلك الحكم واجب على أهل الذكر والاستنباط ، حتى يهتدي الناس بهديه ، ويسيروا على الصراط المستقيم .
إذن فبيان حكم الله لكل نوازل العصر واجب على أهل العلم والاستنباط وأنه إذا لم يتمكن الفرد من أداء هذا الواجب يقع الواجب على الجماعة ، وإلاّ أثموا جميعاً .
ومن هذا المنطلق تأتي أهمية الفتوى والاجتهاد والاستنباط ، ودور العلماء الراسخين ومسؤوليتهم الكبرى أمام هذا الواجب ، ووجوب القيام بهذا الفرض العظيم لبيان طريق الحق ، وحكم الله المبين لكل المستجدات مهما كانت معقدة .
والله نسأل أن يوفقنا لرضائه وخدمة دينه وشريعته بإخلاص وإحسان وأن يجعل كل ذلك خالصاً لوجهه الكريم وأن يوفق الجميع لخدمة الإسلام والمسلمين .
كتبه الفقير إلى الله
علي بن محي الدين القره داغي