الدوحة – الشرق:
شن فضيلة د.علي محي الدين القره داغي هجوماً شديداً على أنظمة الحكم التي تكرهها شعوبها وعرض لمأساة تلك الشعوب خاصة في كل من اليمن وسوريا وكيف يطالب أكثر من تسعين في المائة من شعوبهما الأنظمة بالرحيل ومع ذلك تظل هذه الأنظمة تحارب شعوبها وتقتلها، وفيما عرض لسقوط هذه الانظمة فيم تدعيه من الصمود خاصة النظام السوري فقد خير فضيلته هذا النظام بين أن يبدأ الاصلاح فورا أو يرحل فورا، فيما شدد على أهمية حماية اليمن مما تتعرض له اليوم واعتبر حمايتها من قبل دول الخليج أولا ثم العالم العربي ثم العالم الإسلامي واجبا..
وتحدث فضيلته خلال خطبة الجمعة أمس عن الإصلاح فقال: كلمتان في القرآن تأخذان حيزا عظيما من آيات القرآن الكريم، وتأخذان كذلك حيزاً أكبر من حيث المحتوى، ومن حيث التأثير، ومن حيث الصلاح، ومن حيث الخسران، ومن حيث الفوز ومن حيث كل الاثار التي نراها شاهدة أمام أعيننا في هذه الدنيا من التقدم والتخلف، ومن التحضر، وغير ذلك مما يحدث للفرد أو الجماعة أو الامة أو الدولة. وهاتان الكلمتان هما خفيفتان فعلا على اللسان، ولكنهما عظيمتان في التأثير الفعلي على الحياة الانسانية، وعلى الحياة البشرية، تتوقف عليهما الحضارات وجودا وعدما، وتطورا وتخلفاً، وتقدماً وتأخرا، بل حياة وموتاً، هما الصلاح والفساد، فالفرد، والاسرة، والقبيلة والمجتمع، والدولة والامة، تقاس بهاتين الكلمتين، فإن كانت قائمة على الصلاح ففي خير وسعادة، وفوز، والى تطور وتقدم، واما ان كانت على الفساد، ففي هلاك ودمار، وشر وخسران، وتأخر وتخلف. وكأن ميزان الحق والعدل والخير والتقدم والتنمية والحضارة، والسعادة، والرفاهية تتأثر تماماً بالصلاح ايجابا وبالفساد سلبا.
◄ الصلاح والفساد
وقال إن الحياة كلها بدءاً من الجنين الى الموت، والكون كله، مرتبطة سلبا وايجابا بالصلاح والفساد، ولذلك اصبح العمل الصالح الذي يشمل القول والفعل، شرطاً للايمان، وشرطا لدخول الجنة، وشرطاً للخروج من دائرة الخسر، ومن بوتقة الخسران، ومن وعاء الخسر فقال تعالى “والعصر* إن الإنسان لفي خسرٍ* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات…”
وقال فضيلته ان من الصلاح الذاتي وصلاح العمل يجب ان تكون هناك خطوة أخرى نحو اصلاح الغير من البشر والحيوانات والبيئة والمياه والبحار والمحيطات.
وأضاف أن الايمان يجب أن يؤثر ويدفع بالانسان الى العمل الصالح، فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلا الى أمرين مهمين، القلوب التي تملأ بالعمل الصالح، بالنية الطيبة، والعمل الصالح الذي نتج من هذا القلب الطيب، ومن هذه الارادة الجيدة.
وقال ان الصلاح الذاتي، الشرط الاساسي لنجاة الانسان، لفوز الانسان بالجنة والنجاة به في الدنيا والآخرة، وهذا الصلاح، يقصد به الصلاح الشامل. والعمل في القرآن الكريم أعم من الفعل “إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ” فالعمل اشمل من الفعل. الفعل يقابل القول، فعندنا القول، وعندنا الفعل. القول للسان، والفعل للجوارح، أما العمل، فهو يشمل كل حركات الانسان، وكل تصرفات القلوب، من نيات، ومن الارادة والحب والكراهية والحقد والحسد والتكبر، كل هذه الاعمال من الطيبات التي تتعلق بالقلوب، او السيئات التي تتعلق بالقلوب، التي يسمى بعلل القلوب، وأمراض القلوب، كل ذلك داخلة في العمل. لذلك الانسان الصالح يبدأ بان يكون قلبه صالحا، بأن يتحرك قلبه ونفسه وروحه وعقله كل ذلك في اطار العمل الصالح، لا يفكر إلا مافي الصلاح، لا يفكر في ما فيه الفساد لا لنفسه ولا لغيره فهنا المقصود بهذا الصلاح الذي ربط الله سبحانه وتعالى بينه وبين الجنة، بينه وبين رضائه، بينه وبين الفوز العظيم، بينه وبين النجاة من هذه الدنيا والفوز في هذه الدنيا، وكذلك الفوز في الاخرة بلقاء الله سبحانه وتعالى، وبرؤية اليه، كذلك بالبقاء في الجنة من حيث الدرجات العلى، ومن حيث الفوز العظيم في ذلك اليوم الخطير، فهذه بداية الصلاح.
◄ اصلاح الدنيا مقدمة
وقال فضيلته من هنا إذا أردنا أن نكون صالحين فليس المقصود، انك تتبرع عملا كما هو المقصود اليوم مع الاسف الشديد، فقد انحصرت دائرة الكلمات القرآنية، في مجموع من الاعمال الضيقة، وهذا غير صحيح، والعمل الصالح لا يقصد به الخير فقط، بل الخير جزء منه، وكذلك الصلاة، والامور التي تسمى أمور اخروية من جميع اداء الشعائر، جزء من العمل الصالح وليس كله، والعمل الصالح يشمل الاعمال في الدنيا، لاصلاح دنياك واصلاح اخرتك، بل ان اصلاح الاخرة تبدأ به في الدنيا، لانه ليس هناك عمل في الاخرة، اعمالك للاخرة تبدأ من الدنيا، فتصلح دنياك قبل ان تصلح اخرتك، واصلاح الدنيا هي بداية الطريق لاصلاح الاخرة، لذلك من الدعاء المأثور “اللهم اصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا واصلح لنا اخرتنا التي اليها مردنا ” فاصلاح الدنيا مقدمة لاصلاح الاخرة، وليس هناك انفصال في الاسلام ولا الازدواجية، بين عمل الدين وعمل الدنيا، وعمل الدنيا وعمل الاخرة، بل انك حينما تخدم في اي مجال كنت، في مجال العلم والتفكير والابداع والعلوم والصناعة والزراعة، فالعمل الصالح في كل ذلك هو المطلوب، ولن يتحقق بأن تكون في المسجد صالحا وفي خارجه طالحا، هذا ليس في الاسلام من شيء،
◄ العمل الصالح
واعتبر القرة داغي الاشكالية لدى المسلمين، هي انحصار دائرة العمل الصالح في دائرة العبادات والشعائر والصدقات، وفي انحصار العمل الصالح داخل المساجد، او عند اداء الشعائر، وهذا مناف تماما ومخالف لهذه الرسالة الشاملة، التي سماها الله سبحانه وتعالى بالحياة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} الأنفال24 لحياتكم كلها، الله سبحانه وتعالى يريد من خلال هذا الدين ان تكون حياتكم كلها حياة حقيقية، لان الكفر موت، والظلم موت والفساد موت، فالحياة الحقيقية في هذا الصلاح، فيدعوكم الى هذا الصلاح {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } الأنعام162 فحياتك يجب ان تكون كلها لله، وهذا لا يعني انك تكون في المسجد، لانك حينما تكون خارج المسجد تكون مع الله، وحينما تكون في حقلك فانك مع الله، وحينما تكون في متجرك وتنفذ أوامر الله وتلتزم بالحلال والحرام فأنت مع الله، انت عابد، بل ان الرسول صلى الله عليه وسلم سمى العامل في الحقل، مادام يريد به الاغناء عن نفسه، أو النفقة على والديه وأهله، سماه مجاهداً، وسواه بينه وبين الذين يجاهدون معه في ساحات المعركة، بل ان الله سبحانه وتعالى منع الجميع ان يكونوا في ساحات المعركة، بل وزعهم لان كل ذلك جزء من الجهاد العام {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }التوبة122 كانوا جميعا يريدون ان يكونوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فالله منعهم من ذلك، بل امر ان تتوزع فرقة تتفقه، وفرقة تعمل، وفرقة تصنع وتزرع وتعمل، هؤلاء كلهم مجاهدون وهؤلاء كلهم يعملون الصالحات لصالح الامة، وهؤلاء كلهم عند الله سبحانه وتعالى مجاهدن، واذا ماتوا على هذا العمل فهم شهداء في سبيل الله سبحانه وتعالى.
◄ مصلحة لغيرها
ورأى فضيلته ان الله سبحانه وتعالى لايريد من هذه الامة، ان تبقى مصلحة لذاتها قلبا وقالبا، وانما يريد الله سبحانه وتعالى من هذه الامة، فردا وجماعة وامة، أن تكون مُصلحة لغيرها، ومن هنا تأتي الرحمة ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” فالرحمة للعالمين، والعالم، يشمل كل ما في هذا الكون من انسان وحيوان وجماد وبيئة، فالانسان المسلم يجب ان يبذل جهده بكل ما يستطيع لاصلاح الغير ايضا كما اصلح نفسه، وبكل الوسائل، ولاصلاح البيئة، واصلاح الحيوانات، وغير ذلك.
◄ ذرة من إيمان
وعرض لقضايا الامة الاسلامية فقال في سوريا أي شخص يثبت عليه انه من الجماعة الفلانية فبحكم الدستور وليس بقانون الجنايات يعدم، وهل رأيت في العالم ان يدخل قانون الجنايات في الدستور! حتى لا يكون هناك مجال للقاضي، والان عدد المفقودين 17000 شخص من السنة،1982 مدينة حماه معروفة لديكم، وما تشاهدونه في سوريا من هذا الظام، وما فعلوا بهذه الطفلة وما فعلوا كذلك بدرعا، ولو كانت لديهم ذرة ايمان، لو كانت لديهم ذرة رحمة بشعوبهم، ما فعلوها، فأما ان يصلحوا فورا او يتركوا ولو كان لديهم ذرة ايمان، لو كانت لديهم ذرة رحمة بشعوبهم، ما فعلوها، فأما ان يصلحوا فورا او يتركوا، ان لم تستطيع شيئا فدعه، وجاوزه الى ما تستطيع.
فلا يجوز ان يفعل بهذه الشعوب بهذه الطريقة يمنع عنهم الغذاء والدواء، وكذلك حتى الغذاء الموجود داخل المحلات تسحب حتى يموت الشعب جوعا.من قتل وذبح وتعذيب وتجويع بالاضافة الى هذا الظلم المستمر خلال السنوات الطوال. ولذلك يجب على العالم الاسلامي وعلى الشرفاء في العالم ان يقفوا مع هؤلا المظلومين الذين يقتلون ويذبحون بالشبيحة وغير ذلك والشعب السوري شعب واحد ولا يجوز التفرقة بينهم، هذا عربي وهذا كردي، وهذا سني أو غير سني، كلهم شعب واحد، شاركوا في دحر الاستعمار، وكلهم شرفاء، لذلك يجب ان نقف مع هذا الشعب كله لكي نحميهم.
◄ مايحدث في اليمن كارثة
أما ما يحدث في اليمن فهي كارثة، أربعة أشهر من المظاهرات السلمية التي عمت اكثر من 90 بالمائة، فمن اين استمددت سلطتك لحكمك! الاستمداد من ارادة الشعب فاذا 90 بالمائة من الشعب ليسوا معك، لذا فان هذا الرجل قد فقد شرعيته تماما، الشريعة تشترط رضاهم، البيعة، اهل الحل والعقد، أيالشعب قادر على ان يفكوا، فاليوم يريد ان يفك عن هذا الظلم. انا اعتقد ان حماية اليمن اليوم واجب بدءا على دوال خليج والعالم العربي والاسلامي لان مخاطر السكوت لا يعلم بها الا الله سبحانه وتعالى. لذا يجب ان تكون هناك قوة عربية واسلامية ان تقول للظلمة لا وهذا ما أراده الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}الحجرات9 ، فهذه هي القوة الثالثة، ولكن الجامعة العربية ليس لديها جندي واحد ليس لديها محكمة واحدة، تحكم من هو الظالم من هوالمظلوم.
فلذلك من واجب الشعب ان تقوم بواجبها وواجب الحكام ولاسيما الحكام الذين معهم شعوبهم ان يقفوا مع هؤلا ءالشعوب وان يحموهم على اقل التقدير بالدعم المالي والمادي. لذا نتضرع الى الله ونقرا القنوت بأن يحمي الله اليمن من الحرب الاهلية والمشاكل الداخلية لا يعلم مداها الا الله، وان يحمي شعبنا من هذه الظلمة وهؤلاء الطغاة وان يوفق اخواننا في ليبيا وسوريا وينصرهم والنصر قريب بإذن الله تعالى.