الهيئات الشرعية
بين بيان الأخطاء والمخالفات الشرعية في المصارف الإسلامية ،والسرية المهنية
ومدى تأثيره سلباً او إيجاباً على المصرفية الإسلامية
ـ دراسة فقهية تأصيلية ـ
التمهيد في التعريفات :
أرى من الأفضل أن نبدأ بتعريف العنوان ، ثم تأصيل حكم الخطأ والمخالفة لننطلق إلى الموضوع بوضوح الرؤية :
تعريف هيئة الرقابة الشرعية :
عرفها معيار المراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية رقم (4) بقوله : (هي جهاز مستقل من الفقهاء المتخصصين في فقه المعاملات ، ويجوز أن يكون أحد الأعضاء من غير الفقهاء على أن يكون من المتخصصين في مجال المؤسسات المالية الإسلامية وله إلمام بفقه المعاملات ، ويعهد لهيئة الرقابة الشرعية توجيه نشاطات المؤسسة ومراقبتها والإشراف عليها للتأكد من التزامها بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية ، وقراراتها ملزمة للمؤسسة) .
وأوضحت المادة (7) من المعيار نفسه كيفية تكوينها حيث نصت على أنه : (يجب أن تتكون هيئة الرقابة الشرعية من أعضاء لا يقل عددهم عن ثلاثة ، ولهيئة الرقابة الشرعية الاستعانة بمختصين في إدارة الأعمال أو الاقتصاد أو القانون أو المحاسبة وغيرهم ، ويجب أن لا تضم هيئة الرقابة الشرعية في عضويتها مديرين من المؤسسة وألاّ تضم مساهمين ذوي تأثير فعال) .
تعريف الأخطاء الشرعية :
الأخطاء لغة جمع خطأ ، وهو ضد العمد ، وجاء في لسان العرب الخطأ ضد الصواب[6] .
وفي الاصطلاح عرفه صاحب التلويح بأنه : فعل يصدر من الإنسان بلا قصد إليه عند مباشرة أمر مقصود سواه[7] وعرفه ابن الهمام بقوله : (هو أن يقصد بالفعل غير المحل الذي يقصد به الجناية ، كالمضمضة تسري إلى حلق الصائم ، فإن المحل الذي يقصد به الجناية على الصوم إنما هو الحلق ، ولم يقصد بالمضمضة ، بل قصد بها الفم ، وكالرمي إلى صيد فأصاب آدمياً …)[8] .
والخطأ غير الغلط ، حيث إن متعلق الخطأ الجنان ، ومتعلق الغلط اللسان ، كما قال الدردير[9] وقال أبو هلال العسكري : إن الغلط هو وضع الشيء في غير موضعه ، ويجوز أن يكون صواباً في نفسه ، والخطأ لا يكون صواباً على وجه[10] .
ولم يفرق جمهور الفقهاء بينهما حيث عرفوا الغلط بأنه كل شيء يعيا الإنسان عن جهة صوابه من غير تعمد ، وهذا هو معنى الخطأ بعينه ، أو أنه تصور الشيء على خلاف ما هو عليه[11] .
ومما يتعلق بالخطأ ، السهو والنسيان والغفلة والذهول حيث هي أسباب تؤدي إلى الخطأ ، وأن الخطأ ينتج منها [12].
تعريف المخالفات الشرعية :
المخالفات جمع مخالفة ، وهي مصدر يخالف مخالفة وخلافاً ، فيقال : خالف الشيء : ضادّه ، وخالف أمره ، أي لم يطعه ، والخلاف أعم من الضد ، لأن كل ضدين مختلفان ، وليس بالعكس[13] .
ويظهر مما سبق أن الأخطاء الشرعية ، والمخالفات الشرعية تتفقان في وقوع أمر محظور شرعاً ارتكبه الفاعل ، ولكن الفاعل في حالة الخطأ كان غير متعمد وغير قاصد ، بل كانت جهلاً أو سهواً ، في حين أن الفاعل في حالة المخالفة كان عامداً وقاصداً ، ولذلك يكون حكم المخالفة في الشرع مختلفاً عن حكم الخطأ من حيث الحل والحرمة ، ومن حيث الآثار والنتائج .
حكم الخطأ ، والمخالفة بإيجاز :
يكاد العلماء يتفقون على أن الخطأ عذر في سقوط بعض حقوق الله تعالى ، وبالأخص الإثم عن المخطئ كما هو الحال في حالة الاجتهاد ، وغيره ، استدلالاً بقوله : (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه)[14] أي رفع إثمه وقوله : (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)[15] بل تدل عليه آيات كثيرة منها قوله تعالى : ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به )[16] .
وقد ادعى القرطبي الإجماع على ذلك حيث قال : (وهذا ـ أي الخطأ ـ لم يختلف فيه أن الإثم مرفوع ، وإنما اختلف فيما يتعلق على ذلك من الأحكام ، هل ذلك مرفوع ، ولا يلزم منه شيء ، أو يلزم أحكام ذلك كله ؟ اختلف فيه ، والصحيح أن ذلك يختلف بحسب الوقائع ، فقسم لا يسقط باتفاق كالغرامات والديات ، والصلوات المفروضات ، وقسم يسقط باتفاق كالقصاص والنطق بكلمة الكفر ، وقسم ثالث مختلف فيه كمن أكل ناسياً في رمضان أو حنث ساهياً ، وما كان مثله مما يقع خطأً أو نسياناً)[17] .
وأما الحكم الوضعي (الخاص بالآثار والنتائج وضمان المتلفات والديات وكل ما يتعلق بحقوق العباد ) فلا يسقط بحال ، لأنها تبنى على الأسباب ونحوها مما يدخل في خطاب الوضع ، قال الزركشي : (المراد من قوله r : (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان…)[18] أما في الحكم فإن حقوق الآدميين ، العامد والمخطئ فيها سواء ، وكذلك بعض حقوق الله تعالى كقتل الصيد[19] .
ولذلك ذهب الفقهاء[20] إلى أن الخطأ والعمد في أموال الناس سواء من حيث ضمان المتلفات والديات ، تطبيقاً للحديث الصحيح الذي يمثل قاعدة عامة في الشريعة القاضي بأنه : (لا ضرر ولا ضرار)[21] ، فيه علم المكلف وقدرته (على عكس خطاب التكليف) يقول الآمدي : (وما يجب عليه ـ أي الغافل الذي لا يفهم الخطاب ـ من الغرامات والضمانات بفعله …فمن باب ما ثبت بخطاب الوضع)[22] .
ومن هنا علم أنه ليس المقصود بالحديث السابق (وضع أمتي) أو (رفع …) الرفع الكلي لجميع الأحكام ، بل المراد رفع الإثم ، فقد نقل الخلال عن أحمد أنه قال : (من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله r فإن الله أوجب في قتل النفس الخطأ الدية والكفارة ، يعني من زعم ارتفاعهما على العموم في خطاب الوضع والتكليف)[23] .
وأما حكم المخالفة الشرعية فهو أن المخالف يطبق عليه أحكام خطاب التكليف من الحرمة إن كان العمل المخالف فيه حراماً ، أو الكراهة إن كان مكروهاً ، لأن المخالفة ـ كما سبق ـ عمل عمدي تترتب عليه الأحكام التكليفية ـ من حيث المبدأ ـ وكذلك يطبق عليه أحكام خطاب الوضع من الضمان والتعويض ونحوه .
التطبيق العملي لما سبق للمؤسسات المالية الإسلامية :
إن عدم تطبيق الأحكام الشرعية المطلوبة جزماً (أي الإيجاب والتحريم) إن كان خطأ فالموظف المسؤول عنه غير آثم ، ولكن ليس لخطئه تأثير في مسألة الصحة والبطلان والضمانات والتعويضات ، وكذلك في الحكم بما نتج عنه من الأرباح بصرفها في صالح العام دون أن تكون ضمن إيرادات المؤسسة .
حكم الخطأ في ذلك حكم المخالفة العمدية من حيث النتائج والآثار العملية والتعويضات ووجوب التخلص من الناتج من الريع في وجوه الخير (ما عدا مسألة الإثم) فلو أن موظفاً عقد عقداً باطلاً أو فاسداً[24] فإن هذا العقد لا يؤثر في حكمه كونه قد فعل هذا خطأً او جهلاً أو سهواً ، أو عمداً حيث يحكم عليه بعدم صحة ذلك العقد ، ولو ترتب على ذلك العقد أن المؤسسة حققت بعض الأرباح فإن هذه الأرباح الناتجة عن عقد باطل أو فاسد لا يطيب عند الفقهاء[25] حيث يجب صرفها في وجوه الخير .
ولو أن الإدارة لم تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية في العقود والأحكام والشروط والضوابط الشرعية فإن ما يترتب على ذلك لا يعتبر صحيحاً من الناحية الشرعية حتى ولو كان ذلك بسبب الخطأ او الجهل أو السهو ، وكذلك لو نتج عن ذلك الفعل إضرار بالآخرين فإنه يترتب عليه الضمان والتعويضات .
واجب الهيئة الشرعية في بيان الأخطاء والمخالفات الشرعية :
فلا شك أن من واجبات الهيئة الشرعية ومهامها أن تقوم ببيان الأحكام ، والنظر في القيود والآليات ، بل وصياغتها ، او تعديلها ، وبيان الشروط والضوابط المطلوبة شرعاً في العقود والتصرفات ، وان تقوم بمراقبة أعمال المؤسسة المالية الإسلامية من خلال التدقيق الشرعي الداخلي ، ومنع وقوع الأخطاء الشرعية والمخالفات الشرعية بكل الوسائل المتاحة ، والعمل على تصحيح الأخطاء إن وقعت.
وتدل على ذلك الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتغيير المنكر بكل الوسائل المتاحة من التغيير بالقوة ، وباللسان ، وبالقلب ، وأن الغرض الأساسي من النصح والفتوى هو التنفيذ ، حيث يقول ابن القيم : (إنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له)[26] وبقول : (المفتي محتاج إلى قوة في العلم وقوة في التنفيذ)[27] .
وإضافة إلى الواجب الديني الملقى على عاتق الهيئة كما قلنا ، فإن هذا الواجب يؤكده العقد التأسيسي ، والنظام الأساسي ، حيث كان من مهام الرقابة الشرعية إبداء الرأي من الناحية الشرعية وتقديم المشورة إلى الإدارة ، وتقديمها تقارير خاصة بذلك إلى الجمعية العمومية للمساهمين .
وقد نصت المادة (20) من معيار المراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية رقم (4) على أنه: ( يجب على هيئة الرقابة الشرعية أن تبين في تقريرها إذا كانت عقود المؤسسة والوثائق المتعلقة بها تتفق مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .
ويكون إيضاح هذه الأمور في فقرة الرأي على النحو التالي :
أ. ان العقود والعمليات والمعاملات التي أبرمتها المؤسسة خلال السنة المنتهية …التي اطلعنا عليها تمت وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .
ب. أن توزيع الأرباح وتحميل الخسارة على حسابات الاستثمار يتفق مع الأساس الذي تم اعتماده من قبلنا وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية (وتشمل فقرة الرأي على العبارات التالي حيث يكون ذلك مناسباً)
ج. أن جميع المكاسب التي تحققت من مصادر أو بطرق تحرمها أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية قد تم صرفها في أغراض خيرية.
د. أن احتساب الزكاة تم وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .
ونصت المادة (21) من المعيار المذكور على أنه ( إذا تبين أنه قد و قع من إدارة المؤسسة مخالفة لأحكام أو مبادئ الشريعة الإسلامية أو الفتاوى او القرارات أو الإرشادات التي أصدرتها هيئة الرقابة الشرعية للمؤسسة فيجب عليها بيان ذلك في فقرة الرأي من تقريرها ) .
مسؤولية الالتزام بالشريعة الإسلامية :
فقد نصت المادة (15) من معيار المراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية رقم (4) على أنه (تقع مسؤولية التأكد من أن المؤسسة تعمل وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية على الإدارة) وأن مسؤولية هيئة الرقابة الشرعية ( تنحصر من إبداء رأي مستقل بناء على مراقبتها لعمليات المؤسسة وفي إعداد تقرير للجمعية العمومية .
وهذا ما قرره العقد التأسيسي والنظام الأساسي لمعظم البنوك الإسلامية والشركات والمؤسسات المالية الإسلامية ، الذي ينص على التزام الإدارة بأحكام الشريعة الإسلامية ، كما أن المادة(3) من القانون المصري رقم (28) لسنة 1977 الخاص بإنشاء بنك فيصل الإسلامي المصري نصت على أنه (تخضع جميع معاملات البنك وأنشطته لما تفرضه الأحكام والقواعد الأساسية في الشريعة الإسلامية) وبمثل ذلك نصت المادة (4) من قانون بنك فيصل الإسلامي السوداني ، وكذلك نص معيار الضبط للمؤسسات المالية الإسلامية رقم (1) الخاص بهيئة الرقابة الشرعية في المادة (14) التي نصت على أنه : (يجب أن يشمل التقرير ـ أي تقرير هيئة الرقابة الشرعية ـ على بيان واضح يفيد أن إدارة المؤسسة مسؤولة عن الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية بصورة صحيحة) وأكده معيار رقم (2) في فقرة (5) التي نصت على أنه (مع مراعاة أن الرقابة الشرعية على المؤسسة لا تعفي الإدارة من تنفيذ جميع المعاملات طبقاً للشريعة)[28] .
وجوب البيان مع وجوب الصرف :
وبناءً على ذلك يجب على الهيئة الشرعية بيان الأخطاء والمخالفات الشرعية ، بل أكثر من ذلك عليها أن تحكم بالتخلص من الفوائد التي تحققت بسبب هذه الأخطاء والمخالفات الشرعية التي أدت إلى بطلان العقد لصرفها في وجوه الخير ، وهذا ما نصت عليه الفقرة (ج) من المادة (20) السابقة .
وبما أن هذه المسؤولية تقع على عاتق الإدارة فإن هيئة الرقابة الشرعية تقع على كاهلها مسؤولية البيان والرقابة والإفصاح عما جرى في المؤسسة ، وإيصال هذه المعلومات إلى مجلس الإدارة أولاً ، ثم إلى الجمعية العمومية للمساهمين ، وذلك لتبرأة الذمة وبيان الحق ، ومحاولة تصحيح الأخطاء ، وليكون ذلك رادعاً للإدارة حتى لا تقع في المخالفة ، حيث تعلم أن أخطاءها لن يسكت عليها ، بل تعرض على مجلس الإدارة أولاً فإن قام بواجب التصحيح كما ينبغي فإن الغرض المنشود قد تحقق ، وإلاّ فتعرضها الهيئة على الجمعية العمومية لتقوم بواجبها ، وإن لم تقل شيئاً فعلى الهيئة أن تبين هذه الأخطاء للناس المتعاملين مع المؤسسة المالية الإسلامية بكل الوسائل المتاحة ، لأن الناس قد وثقوا بها من الناحية الشرعية من خلال وجود هيئة الرقابة الشرعية ، ومن جانب آخر فإن التزام المؤسسة بالشريعة في العقد والنظام التأسيسي ، ثم عدم قيامها بتنفيذ لك ، او تعمد المخالفة يعتبر ذلك جريمة مزدوجة فهي جريمة باعتبارها مخالفة لشريعة الله ، كما أنها جريمة باعتبارها غشاً وتدليساً على الناس ، إذ أظهرت أمام المتعاملين أنها ملتزمة بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية مع أنها لا تلتزم ، لذلك يجب على الهيئة ببيان ذلك حسب التدرج المطلوب .
كيفية بيان الأخطاء وسبله :
من أهم وسائل بيان الأخطاء كتابة تقارير خاصة بالأخطاء والمخالفات الشرعية التي اكتشفت من خلال التدقيق الشرعي الداخلي ، او نحوه ، وهذه التقارير كلما صيغت بدقة وإتقان كلما كانت مبينة وموضحة لتلك الأخطاء والمسؤولين عنها ، وكيفية علاجها ، وكيفية علاج آثارها ، ولذلك تكون هذه التقارير دقيقة لا بدّ أن يتوافر فيها ما يأتي :
-
اسم المدقق والذين ساهموا معه مع بيان وضعهم الوظيفي .
-
موقع التدقيق .
-
الإدارة المسؤولة عن العمل ، واسم المدير المسؤول ، والموظف المسؤول ، وكذلك المتعاونون معه .
-
الأسس والمبادئ والمعايير الشرعية التي اعتمد عليها التدقيق في الحكم على العمل بأنه خطأ او مخالفة شرعية .
-
نوع العمل الذي وقع فيه الخطأ أو المخالفة هل هو عقد أم أمر تنفيذي .
-
الآثار الشرعية التي تترتب على الخطأ أو المخالفة هل هي البطلان أو الفساد ، او غير ذلك؟ .
-
صياغة التقرير صياغة جيدة متقنة واضحة مبينة قائمة على النقاط الواضحة .
-
المقترحات والتوصيات من المدقق الشرعي الداخلي ومعاونيه .
-
المرفقات والمستندات .
-
ثم عرض التقرير على المراقب الشرعي أو العضو التنفيذي للهيئة ، أو هيئة الرقابة الشرعية لإبداء ملاحظاته ، أو اعتماده .
ثم يقوم المراقب ، أو العضو التنفيذي ، او رئيس الهيئة بعرض الموضوع بعد اعتماده على الجهة المسؤولة في المصرف ، ويكون الكتاب الذي يقدم معه إليها التقرير واضحاً في بيان الخطأ ، أو المخالفة ، وحكمه ، وآثاره ، وما يجب على المصرف أن يعمله في سبيل تنفيذ ما يطلبه التقرير .
ثم إذا لم تستجب الإدارة المتخصصة بإصلاح الخطأ وتنفيذ ما يطلبه التقرير فإن الهيئة الشرعية ترفع هذا الأمر إلى إدارة المصرف بحيث إذا لم تستجب هي أيضاً فعليها أن ترفعه إلى الجمعية العمومية ، وإذا هي لم تستجب أيضاً فعليها أن توضح ذلك للجماهير المتعاملين مع المؤسسة بكل الوسائل المتاحة .
إلزامية قرارات الهيئة الشرعية :
تكتسب قرارات الهيئة الشرعية فيما يخص الجانب الشرعي إلزاميتها من إلزامية أحكام الشريعة لكل المسلمين التي لا خلاف فيها ، حيث يجب على كل مسلم أن يلتزم ، وينفذ ما فرضه الله تعالى وأوجبه عليه ، وينتهي إلزامياً بما نهى الله عنه ، وهذا مما علم في الدين بالضرورة .
كما تكتسب هذه القرارات إلزاميتها من التزام المؤسسة المالية الإسلامية بقرارات الهيئة في عقدها التأسيسي ونظامها الأساسي وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود في أكثر من آية حيث قال الله تعالى (يا أيها الذين امنوا أوفوا بالعقود)[29] .
وكذلك يأتي الالتزام والإلزام من خلال الأنظمة الرقابية في الدولة التي تفرض على المؤسسة المالية الإسلامية الالتزام بقرارات الهيئة الشرعية للتحقيق من مصداقيتها أمام الجمهور والقانون .
بل إن بعض المشروعات القانونية فرضت جزاءات وعقوبات في حالة الإخلال بالالتزام بأحكام الشريعة الغراء ، فقد نص مشروع القانون المقدم من البنك المركزي الكويتي في مادته 92ج ، وكذلك المشروع المقدم من اللجنة الاستشارية العليا بشأن المصارف والشركات الاستثمارية والمالية الخاضعة لأحكام الشريعة[30] .
قدرة الهيئة الشرعية على التنفيذ :
قام الدكتور فارس أبو معمر باستبيان بين أعضاء الرقابة الشرعية وإدارة البنك حول قدرة الرقابة الشرعية وقوتها على التنفيذ ، فكانت النتيجة أن نسبة 97.6% منهم تقول بأن لهيئة الرقابة الشرعية القدرة على وقف ، أو إلغاء أي نشاط للبنك في حالة اعتقادهم بعدم مطابقته للشريعة الإسلامية [31].
ومن خلال تجاربنا ومعلوماتنا يتبين لنا أن هيئات الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية تتمتع بقدرات وقوة تمكنها من تحقيق أهدافها للتأكد من أن المؤسسة تسير وفق أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها ، أو على الأقل عدم معارضة أعمال المؤسسة وعقودها مع أحكام الشريعة الإسلامية .
ولكن هذه القدرة والقوة ليست على مستوى واحد في المؤسسات المالية الإسلامية الإسلامية ، فهي مرتبطة سلباً وإيجاباً وقوة وضعفاً مع استقلالية الهيئة ، وشخصية أعضائها ، ومدى توافر الالتزام الذاتي لإدارة البنك ، فإذا كانت أنظمة البنك ولوائحه قد أعطت الاستقلالية للهيئة وكان أعضاء مجلس الإدارة ملتزمين وورعين ، وأعضاء الهيئة الشرعية أيضاً أقوياء علمياً وشخصياً فإن التزام البنك بأحكام الشريعة الإسلامية قد يصل إلى أقصى درجة ، ثم يتدرج الالتزام نزولاً حسب أي ضعف في الأمور الثلاثة ، والخلاصة أن العلاقة طردية وعكسية بين هذه الأمور السابقة .
فقد عملت إحصائيات دقيقة تبين أن استقلالية الهيئة الشرعية تؤدي إلى أن تكون نسبة الحلال في معاملات البنك حلالاً بنسبة 100% [32].
ظهور المخالفات أو الأخطاء الشرعية :
تظهر المخالفات والأخطاء الشرعية من خلال أمرين :
الأمر الأول : العقود والآليات الاستثمارية التي تعرض على هيئة الرقابة الشرعية.
الأمر الثاني : من خلال التدقيق الشرعي الداخلي الذي يعتبر العمود الفقري للهيئة الشرعية التي تريد ضبط المؤسسة المالية الإسلامية وإلزامها بأحكام الشريعة الإسلامية ، وهذا التدقيق إنما ينجح إذا اعتمد على من لهم خبرة شرعية ورقابية أي اختيار العناصر الكفوءة القادرة على أداء الواجب والمتزودة بزاد الثقافة الشرعية والرقابية ، وبالأخص في مجال المعاملات المالية الإسلامية .
والتدقيق الشرعي يصل إلى إظهار الخطأ أو المخالفة الشرعية في أعمال البنك أو المؤسسة المالية الإسلامية من خلال ما يأتي :
أ. من واقع الأوراق المالية والمستندات ، والوثائق الدالة على كيفية التنفيذ ، وملاحق العقود الخاصة بالخطوات العملية الشرعية لتنفيذ العقود والمعاملات .
ب. ومن سؤال موظفي البنك ومتابعتهم ومناقشتهم لكيفية التنفيذ .
ومن الضروري في التدقيق الشرعي عدم الاكتفاء بالفقرة الأخيرة ، وذلك لأن الموظفين مهما كانوا فهم في ظل هيمنة وسيطرة الإدارة العليا للمؤسسة وبالتالي قد لا تتوافر لديهم الحرية الكافية للتعبير ، إضافة إلى أن معلوماتهم الشرعية لدى أكثرهم ليست كبيرة ، ولذلك أرى من الضروري الاعتماد على الفقرة الأولى أولاً ثم الاعتماد على الثانية ثانياً.
ج. من خلال الميزانية السنوية ، وكذلك الميزانية (الربع سنوية) وقيام الهيئة الشرعية بتدقيقها تدقيقاً دقيقاً ، والوقوف عند كل جزئية مؤثرة بالسؤال عنها للوصول إلى المطلوب وبالأخص في مجالات الميزانية العمومية ، وتدقيق الأموال ، وحساب الأرباح والخسائر ، وحساب الاستثمار والجاري والتوفير ، وأسس التوزيع ، وكيفية الاحتساب ونحو ذلك .