تأثير
الغبن في العقود:
والذي
تقتضيه مبادىء العدالة وعدم الضرر والضرار، ومقاصد الشريعة، هو أن الغبن الفاحش
مؤثر في العقد، لأنه من الظلم والضرر المحرمين في هذه الشريعة، قال ابن العربـي
والقرطبـي وغيرهما من المفسرين: «استدل علماؤنا بقوله تعالى: {ذَلِكَ يَوْمُ
التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ
سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[1]
على أن لا يجوز الغبن في معاملة الدنيا»[2]،
بل علل ابن رشد حرمة الربا بالغبن فقال: «وذلك أنه يظهر من الشرع أن المقصود
بتحريم الربا إنما هو لمكان الغبن الكثير فيه، وأن العدل في المعاملات إنما هو
مقاربة التساوي…»[3].
وأما
تأثير الغبن الفاحش على العقود بالإِبطال أو بإثبات الخيار فقد اختلف فيه الفقهاء
على ثلاثة اتجاهات، اتجاه يعتد به مطلقًا، واتجاه لا يعتد به مطلقًا، واتجاه يعتد
به إذا صاحبه تغرير، وقد انتهينا في رسالتنا أن الذي يدعمه الأدلة المعتبرة هو
الاتجاه الأول، وهو رأي داخل المذهب الحنفي وقول للمالكية اختاره البغداديون، ورأي
داخل المذهب الحنبلي، وهو قول لبعض أئمة الزيدية، والإِمامية والظاهرية إذا كان
المغبون جاهلاً بالغبن، حيث يرون أن الغبن وحده يؤثر في لزوم العقد دون الحاجة إلى
التغرير، يحيث يكون للمغبون الحق في فسخ العقد، أو مطالبة العاقد الاخر برفع الغبن[4].
وهذا
الرأي الراجح هو الذي ينبغي الاعتماد عليه هنا مع رعاية التفصيل الاتي:
1 ــ في العقود
القائمة المستمرة (كعقد الإِجارة) يمكن تطبيق هذا المنهج وهو أنه للطرف المغبون
الحق في فسخ العقد، أو مطالبة العاقد الاخر برفع العين.
2 ــ في العقود المبرمة
الماضية كالقرض والمهر فإن الحل هو المطالبة برفع العين.
حالات
الإِلغاء والانهيار للعملة:
لا
شك أن النقود الورقية إذا ألغيت بأمر رسمي أو لأي سبب آخر، فإنه لا يبقى أمام
العاقدين في الأداء إلا الرجوع إلى القيمة وقت العقد إما حسب الذهب، أو سلة
العملات، أو السلع الأساسية.
ولكن
إذا انهارت قيمتها مع بقائها عملة بحيث لم تبق لها قيمة تذكر كما حدث للمارك
الألماني بعد الحرب العالمية الثانية حيث كان رغيف الخبز الواحد يشترى بعشرات
الالاف من الماركات، وكذلك الليرة اللبنانية التي كان سعرها في بداية السبعينات
حوالي نصف دولار، ثم وصلت قيمتها إلى أن دولارًا واحدًا يساوي ألفًا وخمسمائة،
وكذلك الدينار العراقي الذي كان سعره في بغداد قبل احتلال الكويت عام 1990م يساوي
الواحد منه أكثر من ثلاثة دولارات ثم أصبحت قيمته بعد الحرب أن الدولار الواحد
يساوي أكثر من ثلاثة آلاف دينار عراقي.
فمثل
هذه الحالات لا تسمى بالغبن الفاحش، وإنما تسمى بالانهيار الكامل، فأرى أنه لا بد
من علاج جذري لمثل هذه الحالات، وأنه لا ينبغي القول حينئذ بالرد بالمثل، وأرى أن
معيار الانهيار هو أن يكون الفارق بين قيمة النقد يوم العقد وقيمته يوم الأداء
بنسبة 100 ولا يستبعد اعتبار ما زاد على 50 من الانهيار لأنه يعتبر
كثيرًا ــ كما سبق ــ وأن معيار الغبن الفاحش يبدأ ــ كما سبق ــ عند الفقهاء
الذين حددوه بما زاد عن نصف العشر (5 ) وعند المجلة في مادتها 165 نصت على
أن: «الغبن الفاحش غبن على قدر نصف العشر في العروض والعشر في الحيوانات، والخمس
في العقارات…» وحدده بعض المالكية بالثلث، وبعض الحنابلة بالسدس وقد رجحنا في
السابق الاعتماد على العرف وأنه المرجع في ذلك وأنه حسب عرفنا الحالي أن الزيادة
حتى على الخمس، أو على السدس تعتبر من الغبن الفاحش.