اعتبر د.علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن ما يجري في عالمنا اليوم هو ذاته ما أتى على الأمم السابقة من صراع طائفي وتكالب الأمم علينا.
وأكد أن ما يحدث الآن مؤامرة لا تقل خطورة عن الماسونية العالمية قبل سقوط الدولة العثمانية، وقبل توزيع ما يسمى باتفاقية سايكس بيكو، التي منحت اليهود أرض فلسطين المباركة، والتي مزّقت رقعة العالم الإسلامي.
ولفت إلى أن المؤامرة عادت ومعها الدول الكبرى من خلال مشروعين؛ دولي خارجي بتخطيط الأعداء، وداخلي باستغلال أفراد الأمة، ليكونوا أداة تنفيذ لمخططاتهم القذرة، لتحقيق ما يسمونه بالفوضى الخلّاقة لهم، وما حدث في تركيا وجاكرتا بالأمس القريب، وما يحدث في البلاد الإسلامية خير مثال يفضح مخططهم التآمري.
المشروع الدولي
وقال في خطبة الجمعة أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب: إن ما يحدث للأمة الإسلامية والعربية اليوم من المآسي والمصائب يعود إلى أنفس أفرادها، قال تعالى: “أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”، يُنفذ المشروع الدولي والإقليمي بأيدي المسلمين، حيث يزعمون أنه بمجرد أن يفجّر نفسه ويحصد أرواح الأبرياء ستكون في استقباله على أبواب جنات عدن 72 حورية؛ لتزفه إلى نعيم الجنان. وأضاف، ما كانت الدعوة بهذه الطريقة، ولم ينتشر الدين بهذا الأسلوب، ولم يرو التاريخ عن أي خليفة إسلامي في أي حقبة من أيامه أنه أرسل أحد أتباعه ليفجّر نفسه، ويرهب الناس، إذ الإسلام دين الرحمة ونبينا صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، رحمة للإنسان والحيوان والجماد، لكل شيء.
وأبان فقه الجهاد قائلاً: الجهاد في ديننا ذو شروط وأركان وضوابط، كأي ركن من أركان الدين، وليس لأحد أن يشرّع لنفسه ما يحلو له بغية تحقيق مصالح الأعداء. أمتنا مليار وسبعمائة مليون نسمة لا تملك لنفسها أمراً ولا نهياً، بل يقرّر كل شيء لها وعنها، حتى في مجال الإغاثة، وذكر أن ما يحدث في مضايا وسورية كلها من تجويع وقتل، وما يحصل في العراق من تدمير للمساجد وقتل على الهوية يقوم به مدعو الإسلام، يستخدمهم العدو لتحقيق مآربه في الأمة الإسلامية.
آراؤهم وشهواتهم
وكان فضيلته قد بدأ خطبته قائلاً: أراد الله تعالى لهذه الأمة أن تكون خير أمة أخرجت للناس، وكلّفها سبحانه وتعالى بتعمير الأرض كلها على منهج الله تعالى ومنهج العدل والقسط؛ لتكون هذه الأمة شاهدة على الأمم السابقة، شهادة شمولية حضارية، قائمة على العلم والعدل، وتطبيق العدل بين العباد.. إذ أن العباد إذا لم يكن معهم الوحي ونور الله تعالى فإنهم يظلمون وينزعون إلى آرائهم وشهواتهم؛ لذلك أمر الله تعالى هذه الأمة أمراً ملزماً حتى تبقى خير أمة أخرجت للناس بأربعة أشياء في غاية الأهمية، أهمها الوحي والهداية.
وذكر أن الالتزام الكامل بالوحي المتمثل بالقرآن الكريم والسنة الشريفة، وهو النور وهو العصمة وهو الهداية، ثم أمرها الله تعالى بالاستفادة من العقل ومقتضياته من التدبّر والتفكّر والتذكر، وكل ما ينتجه العقل.. كما أمرها الله تعالى أيضاً أن تستفيد مما آتى الإنسان من الحواس الخمس؛ ليرى العالم ويرى التقدّم والتأخر، وكذلك يسمع ما هو خير، فيحلل ويتدبّر، وغير ذلك مما لكل حاسة من وظيفة قائمة بذاتها.
حالات السعادة
وأشار إلى أمر رابع وركّز عليه، حتى خص الله تعالى له ثلث القرآن الكريم؛ لأهميته في بناء الحضارات وبقاء الأمم؛ وليرسم للأمة الإسلامية طريق حضارتها، وسبيل نهضتها، ومعارج رقيها من خلال نماذج التاريخ، هذا الجانب هو ذاكرة التاريخ: القصص وأحوال الأمم السابقة، وأحوال الأنبياء والمرسلين، والدعاة والمصلحين، وأحوال الطغاة والمفسدين، وأحوال الملوك والمماليك، وأحوال الأفراد والشعوب، وقصص الناجحين والفاشلين، وحالات السعادة التي نعمت بها الأمم السابقة، ومراحل الشقاء التي أتت عليها، في تاريخها الطويل المفصل الذي أتى على الإنسانية، سجّل القرآن الكريم كل ذلك من خلال آيات مفصّلة تتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأمر الأمة الإسلامية أن تضع كل ذلك نصب أعينها؛ لتهب من ثباتها، ولتسلك سبل الرقي ذللاً.. حتى سجّل القرآن الكريم ما نطقت به شفاههم من كلمات الكفر، وما دار بينهم من نقاش؛ ليصبح بذلك التقرير القرآني – إن صح التعبير – أصح تقرير وأدق تقرير على مر العصور.