نهاية الحياة (رفع أجهزة الإنعاش والموت السريري) :

إذا كانت بداية الحياة الطبيعية تتحقق بالحياة الموجودة في النطفة الأمشاج (البييضة الملقحة بالحيوان المنوي) داخل الرحم ، وأن الروح الخاصة بالإنسان (التي هي نفخة من روح الله) تبدأ بعد 42 يوماً أو 120 يوماُ ـ كما سبق ـ .

فإن نهاية الحياة تنتهي بنزع الروح ، ولكن الروح أمر غيبي لا يعلم كنهها إلاّ الله تعالى ، لذلك يكون الاعتماد على المظاهر التي تدل على انتهاء الحياة الطبيعية في الإنسان .

وهذه المظاهر مثل توقف القلب عن النبض ، والرئة عن التنفس ، والمخ عن النشاط ، فإذا اجتمعت هذه الأمور فإن الحياة قد انتهت بالإجماع ، ولكن الخلاف فيما إذا تحقق بعضها دون بعض ، وهذا مبني على أن الحركة وحدها ليست دليلاً على الحياة كما هو الحال في حركات المذبوح ، ومن البدهي أن تحديد كون الشخص حياًَ أو ميتاً يتعلق بكل حالة جملة من الأحكام من أهمها إذا كان ميتاً جواز رفع أجهزة الإنعاش ، والانتفاع بأعضائه إن كان قد وصى ، أو أذن به وليه.

لذلك يعتبر من الواجبات الأساسية عدم التسرع في إعلان الوفاة ، حيث وقعت أخطاء كثيرة على مرّ التأريخ ، حتى بين الأطباء الذين حكموا بموت شخص ما بسبب توقف القلب عن النبض وتوقف الدم عن الدوران ، فإذا يفاجأ به (وهو عندما يغسل ، أو يراد دفنه) يصحو فيرى مشيعيه يريدون دفنه وهو حي ، ناهيك عمن يصحو داخل القبر دون مغيث ، يقول الأستاذ الدكتور محمد علي البار : ( ففي بريطانيا يتوفى كل عام نصف مليون …ويحكم الأطباء بموتهم نتيجة توقف القلب والدورة الدموية نهائياً عن الحركة ، ورغم التقدم الطبي الهائل فإن هناك ما يقرب من أربعة آلاف شخص لا يدخلون في هذا التعريف كل عام)[1] .

وبالمقابل فإنه قد يتوقف قلب الشخص أو تنفسه بسبب إصابة الدماغ الذي به مركز التنفس ، أو يتوقف القلب والتنفس معاً نتيجة لأي إصابة أخرى مثل الغرق أو الخنق ، أو اضطراب في كهرباء القلب او غيرها ، وفي هذه الحالات فإن وسائل الإنعاش الحديثة كالمنفسة (Ventilator) وجهاز إيقاف ذبذبات القلب (Defibrillator) إذا استخدمت بمهارة قد تؤدي إلى انعاش الشخص واعادة التنفس ونبض القلب إذا أراد الله ذلك ، وفي هذه الحالة يحدث أحد الأمور الآتية :

عودة الشخص إلى التنفس الطبيعي بدون الآلة ، وعودة القلب إلى النبض ، حيث يعتبر الشخص حياً ، حتى ولو استمرت الغيبوبة عدة أعوام .

توقف القلب نهائياً على الرغم من وجود المنفسة ، ففي هذه الحالة يعتبر الشخص ميتاً بلا جدال .

عدم إمكان إيقاف المنفسة إلاّ لدقائق ، حيث يتبين ان التنفس لا يزال يعتمد عليها وأن الشخص لا يزال فاقداً للوعي بصورة كاملة ، ولكن القلب ينبض بالمنفسة .

ففي هذه الحالة خلاف ، وهي الحالة المعقدة التي تحتاج إلى مواصفات أخرى ، والتي يقع فيها أخطاء حتى على مستوى الأطباء حتى في اكثر الدول تقدماً في الطب مثل بريطانيا حيث قدم التلفزيون البريطاني BBC في برنامج بانوراما موضوع موت الدماغ في 13/10/1980 حلقة مثيرة تحدثت فيها فتاة أنها أغمى وتوقف تنفسها ، ووضعت تحت أجهزة الإنعاش المعقدة ، ثم أعلن الأطباء أن دماغها قد مات ، وأن تنفسها قد توقف ، وأن تخطيط المخ الكهربائي لا يشير إلى وجود أي ذبذبات كهربائية او موجات آتية من دماغها ، ولذلك أعلنوا موتها ، ولكن أهلها رفضوا هذا التقرير ، فجاءت مجموعة من الأطباء وواصلوا استخدام أجهزة الإنعاش … فتنفست الفتاة طبيعياً ، ثم أفاقت من غيبوبتها ، ثم ذهبت إلى محطة التلفاز لتروي قصتها هذه ، وأنها كانت تسمع الأطباء وهم يتجادلون ، ثم تسمعهم وهم يقررون وفاتها ، وهي في غيبوبتها العميقة … وذكر البرنامج عدة حالات متشابهة[2].

ولخطورة هذا الموضوع أولت الحكومات الغربية عنايتها به فشكلت لجنة آدهوك (Adhoc) من جامعة هارفارد عام 1968 لتحديد معالم موت الدماغ ، وفي بريطانيا اجتعمت لجنة مكونة من الكليات الملكية للأطباء فأصدرت تعريفاتها لموت الدماغ عام 1976 ، وعام 1979 ، وفي امريكا أصدر الرئيس ريجان في عام 1981 أمره بتكوين لجنة من كبار الأطباء والقانونيين وعلماء الدين لدراسة موضوع موت الدماغ ، فأصدرت قرارها عن موت الدماغ في يوليه 1981 ، ووافقت 25 ولاية على الاعتراف بموت الدماغ ثم وصلت إلى 33 ولاية في عام 1982 [3]، وظلت ولايات أخرى لم تعترف به حتى يعتبر الشخص ميتاً حسب قانون ولاية وحياً حسب قانون ولاية أخرى .

يقول الدكتور حسان حتحوت : ( إن العلم الطبي قد ا هتدى إلى أن العبرة في الموت ليست أساساً بتوقف القلب والتنفس …. ، ولكنها تتوقف أولاً وأخيراً على موت المخ الذي يستبين بتوقف النشاط الكهربائي للمخ تماماً وهو ما يمكن قياسه بجهاز خاص ، فإذا غاضت كهرباء المخ تماماً ، فهو مخ ميت ويكون باقي الجسم قد دخل في نطاق الموت إلى مرحلة اللاعودة ، ومهما احتفظ الإنعاش الصناعي بالتنفس ودورة الدم فمحال أن يعود المريض إلى الحياة أبداً)[4] .

ويترتب على ذلك أن الإصرار على الاستمرار في الإنعاش الصناعي ـ ما لم يكن موقتاً وهادفاً إلى استخلاص لعضو لزرعه في مريض ـ يعتبر إطالة لعملية الموت وليس حفاظاً على الحياة ، بل هو إرهاق لأعصاب الأهل من غير طائل ، وإسراف دون جدوى ، وحرمان لمريض آخر من استعمال ذلك ، ولا سيما ان وسائل الإنعاش الصناعي باهظة التكاليف شحيحة التعداد[5] .

ان عملية الموت تمر بمستويات متسلسلة متعددة ، فعند توقف القلب عن العمل نهائياً لأي سبب من الأسباب (وهو الغالب) فيتبعه فوراً فقدان الوعي وتوقف التنفس ، وهما وظيفتان من وظائف المخ الذي لا يتحمل توقف دورته الدموية إلاّ لثوان معدودة ، ولو أن خلاياه تظل حية لبضع دقائق إلاّ انها تتوقف في أثنائها عن العمل ، ويستتبع توقف الدورة الدموية ذلك حرمان جميع أعضاء وأنسجة الجسم من الغذاء اللازم لها لتوليد الطاقة وتشغيل الخلايا ، وبناءً على هذه التغيرات الكيمياوية تموت الخلايا والأعضاء المكونة لجسم الإنسان خلال فترات تتفاوت فيها تلك الأعضاء والخلايا والعضلات والعظام والجلود[6] .

والاشكالية ـ إذن ـ تكمن عندما تتدخل وسائل الإنعاش الصناعي ، حيث يمكنها تشغيل القلب والتنفس مع ان قشرة المخ قد تلفت جزئياً او كلياً على حين تستمر أجزاء المخ الأخرى ومنها جذع المخ في العمل ، وهذا التلف قد يكون نتيجة هبوط شديد في ضغط الدم لفترة طويلة أو إصابة شديد ولكن غير مميتة للمخ ، وحينئذٍ يصبح الشخص فاقد الوعي بالكامل لكنه يتنفس تنفساً اصطناعياً ويتغذى عن طريق أنبوب إلى المعدة بغذاء شبه سائل بنسب متوازنة وعناية مستمرة بالجلد ، وتقليب الجسد ، أو تغيير أوضاعه كل ساعتين تقريباً ، وبتصريف البول والبزار ، وقد يستمر على هذه الحالة سنوات عديدة[7] .

أجهزة الإنعاش الصناعي :

تتمثل أجهزة الإنعاش الصناعي الحالي مما يأتي :

المنفسة Respirrator or Ventilaton وهي تتم عن طريق إدخال أنبوبة إلى القصبة الهوائية حيث يقوم الجهاز بتحريك التنفس ، وهناك المنفسة اليدوية الموجودة في شنطة الاسعاف لدى الممرضين ، وحتى لدى مضيفي الطائرات .

أجهزة انعاش القلب Defibrillator الذي يعطي صدمات كهربئية لقلب اضطرب نبضه اضطراباً شديداً وتحول إلى ذبذبات ، ولا يدفع الدم من البطين إلى الأبهر ، حيث يقوم الطبيب بوضع هذا الجهاز على الصدر ، وإمرار تيار كهربائي يوقف الذبذبات ويعيد القلب إلى نبضه ، أو يعيده إلى العمل إذا توقف قليلاً .

جهاز منظم ضربات القلب Pace Maker  الذي يستخدم عندما لا يصل الدم إلى الدماغ بكمية كافية أو ينقطع لفترة ثوان ، أو لدقيقة ، ثم يعود ، وذلك بسبب الاغماء وفقدان الوعي ، حيث يساعد القلب لأداء هذه المهمة[8] .

العقاقير الخاصة بذلك .

وهناك أجهزة أخرى تستخدم عند عمليات القلب المفتوح .

مكونات الدماغ :

يتكون الدماغ مما يأتي :

المخ Carebrum الذي فيه المراكز العليا ، ومراكز التفكير والذاكرة ، والاحساس والحركة والارادة .

المخيخ ، ووظيفته الأساسية توازن الجسم وأن إزالته بالكامل لا تسبب الوفاة .

جذع الدماغ Blainstem الذي فيه المراكز الأساسية للحياة ، مثل مراكز التنفس والتحكم في القلب والدورة الدموية .

فإذا مات المخيخ فإن الإنسان يمكن أن يعيش الحياة النباتية ، وأمثلتها كارين كونيلان وسيسليا بلاندي ، كذلك الحال إذا مات المخ كما حدث لكارين كونيلان حيث عاشت في غيبوبة كاملة من 14/4/1975 في ظل أجهزة الإنعاش ، ثم تدخل الأبوان وقسيس الأسرة برفع أجهزة الإنعاش لكن المستشفى رفضت لان أجزاء من جذع الدماغ ظلت حية ، ثم صدر حكم المحكمة بإيقاف أجهزة الإنعاش في مايو 1976 فعاشت على التغذية بالمحاليل ، وعلى أجهزة الإنعاش من حيث لآخر حتى ماتت في 13/6/1985 [9].

وأما إذا مات جذع الدماغ فقد أصبح صاحبه ميتاً حتى ولو قلبه ينبض ويتنفس بطريقة اصطناعية حسب قوانين معظم الدول في عالمنا اليوم ما عدا الدول الإسلامية والصين ومعظم دول العالم الثالث التي لا تعترف بالموت إلاّ مع توقف القلب[10] .

علامات وفاة المخ :

فقد اتفقت معظم الدول المتقدمة على علامات لموت المخ ، منها :

فقد الحس والحركة ، والغيبوبة العميقة بحيث لا يستجيب المريض للتنبيه بالألم على أي صورة من الصور .

فشل التنفس التلقائي نهائياً وبختبر ذلك بفصل المريض عن جهاز التنفس الصناعي لمدة دقيقتين وملاحظة أي محاولة ذاتية للتنفس .

اتساع حدقتي العينين وعدم استجابتهما للضوء .

اختفاء الموجات الكهربائية الصادرة عن المخ في تخطيط المخ .

هبوط الوظائف الحيوية للمخ وجذعه ، وهذه يمكن الكشف عليها بأجهزة حديثة .

توقف الدورة الدموية للمخ ، وهذه يمكن قياسها بطرق مباشرة أو غير مباشرة[11] .

التوصيات والقرارات الجماعية :

وقد أقيمت ندوة كاملة للحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي ، في      24 – 26 /4/1405هـ الموافق 15 – 17/12/1985م حضرها عدد كبير من الأطباء والمتخصصين في الفقه انتهت إلى ما يأتي :

((أولاً : بداية الحياة :

أولاً : بداية الحياة تكون منذ التحام حيوان منوي ببويضة ليكونا البويضة الملقحة التي تحتوي الحقيبة الوراثية الكاملة للجنس  البشري عامة وللكائن الفرد بذاته المتميز عن كل كائن آخر ـ على مدى الأزمنة ـ وتشرع في الانقسام لتعطي الجنين النامي المتطور المتجه خلال مراحل الحمل إلى الميلاد .

ثانياً : منذ يستقر الحمل في بدن المرأة فله احترام متفق عليه ويترتب عليه أحكام شرعية معلومة .

ثالثاً : إذا بلغ الجنين مرحلة نفخ الروح (على خلاف في توقيته فإما مائة وعشرون يوماُ وإما أربعون يوماً) تعاظمت حرمته باتفاق وترتبت على ذك أحكام شرعية أخرى .

رابعاً : من أهم تلك الأحكام أحكام الإجهاض التي وردت في الفقرة السابعة من توصيات (ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام) .

ثانياً : نهاية الحياة :

اعلى الصفحة

أولاً: رأت الندوة أنه في اكثر الأحوال عندما يقع الموت فلا تقوم صعوبة في معرفته استناداً إلى ما تعارف عليه الناس من أمارات ، او اعتماداً على الكشف الطبي الظاهري الذي يستبين غياب العلامات التي تميز الحي من الميت .

ثانياً : تبين للندوة ان هناك حالات قليلة العدد ، وهي عادة تكون تحت ملاحظة طبية شاملة ودقيقة في المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة ووحدات العناية المركزة ، تكسب أهميتها الخاصة من وجود الحاجة الماسة إلى تشخيص الوفاة فيها ، ولو بقيت في الجسم علامات تعارف الناس من قديم على أنها من علامات الحياة ،سواء أكانت هذه العلامات تلقائية في بعض اجزاء الجسم أم كانت أثراً من آثار أجهزة الإنعاش الموصولة بالجسم .

ثالثاً : وقد تدارست الندوة ما ورد في كتب