كان الجهاد بالكلمة والحجة والبيان ونشر القرآن هو السائد في العصر المكي حتى سماه القرآن الكريم الجهاد الكبير فقال تعالى (وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) وكان الجهاد يشمل جهاد النفس، وجهاد الشهوات والشيطان، ونحو ذلك مما يسمى بجهاد النفس بالتزكية ثم نزلت آيات الجهاد الأولى في سورة الحج لدرء الظلم وإحقاق الحق، وحرية التعبد – كما سبق – ونزلت في شأن الجهاد بصورة عامة، والقتال بصورة خاصة، آيات كثيرة، ظن بعض الناس أن آية السيف نسخت 140 آية من آيات السلم والعفو، والحرية غير أن جمهور العلماء من المحققين قد ردوا على أن هذه الدعوة غير مسلمة، وغير صحيحة.
ولا يوجد نص صحيح صريح في القرآن الكريم والسنة المطهرة يخصص آية بأنها: آية السيف وأنها تنسخ آيات أخرى وردت في مجال حرية الدين وعدم الإكراه فيه مثل قوله تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ،وأن الصلح والسلام العادل هو الأساس في العلاقات الإسلامية مع الآخرين، ويراجع في ذلك كتاب فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي في الجهاد وكتاب الدكتور مصطفى زيد: النسخ في القرآن، وكتاب د. مصطفى الزلمي حول النسخ في القرآن، وكتاب أ.د. علي القره داغي: "نحن والآخر" دراسة تأصيلية في العلاقة بين المسلمين وغيرهم. وغيرهم.
وأما حديث (بعثت بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له …) فهو حديث ضعيف عند أهل التحقيق ، يقول الشيخ القرضاوي : (واذا غضضنا الطرف عن سند الحديث، وما فيه من الكلام، ونظرنا إلى متنه ومضمونه وجدناه كذلك منكراً، لا يتفق مع ما قرّره القرآن بخصوص ما بعث به محمد (صلى الله عليه وسلم) فالقرآن لم يقرر في آية واحدة من آياته أن محمداً رسول الله بعثه الله بالسيف، بل قرّر في آيات شتى أن الله بعثه بالهدى ودين الحق، والرحمة والشفاء والموعظة للناس" فقوله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) حصر كلي في أن الله تعالى أرسله رحمة للعالمين ولم يقل "للمؤمنين" بل "للعالمين" أجمعين، ومئات الآيات تؤكد هذا المعنى كما أمره الله تعالى أن يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
فالحق أن آيات القتال والشدة والغلظة تحمل على ميزان الحرب، في حين أن آيات الحرية، والصفح والعفو والرحمة تحمل على الميزان العام والأصل، لأن هذه الأمة هي المكلفة بالدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، فهي أمة أخرجت لدعوة الناس وهدايتهم ودعوتهم.