صيغ أخرى لإعمار الوقف :
فبالاضافة إلى ما سبق فإن هناك صيغاً أخرى قديمة
ومعاصرة تصلح لإعمار العين الموقوفة ، فمن الصور القديمة والحديثة ما يأتي :
1. الحكر أو الخلو ـ
كما سبق ـ .
2. الإجارة بأجرتين :
ابتكر
الفقهاء هذه الطريقة لعلاج مشكلة حدثت للعقارات الموقوفة في استنبول عام 1020هـ
عندما نشبت حرائق كبيرة التهمت معظم العقارات الوقفية أو شوهت مناظرها ، ولم يكن
لدى إدارة النظارة الوقفية أموال لتعمير تلك العقارات فاقترح العلماء أن يتم عقد
الإجارة تحت إشراف القاضي الشرعي على العقار المتدهور بأجرتين : أجرة كبيرة معجلة
تقارب قيمته فيتسلمها الناظر ويعمر به العقار الموقوف ، وأجرة سنوية مؤجلة ضئيلة
يتجدد العقد كل سنة ، ومن الطبيعي أن هذا العقد طويل الأجل يلاحظ فيه أن المستأجر
يسترد كل مبالغه من خلال الزمن الطويل[1].
فهذه الصيغة التمويلية تعالج مشكلة عدم جواز بيع
العقار فتحقق نفس الغرض المنشود من البيع من خلال الأجرة الكبيرة المعجلة ، كما
أنها تحقق منافع للمستأجر في البقاء فترة طويلة في العقار المؤجر سواء كان منـزلاً
أو دكاناً أو حانوتاً ، أو نحو ذلك ، كما أن وجود الأجرة يحمى العقار الموقوف من
ادعاء المستأجر أنه قد تملكه بالشراء مثلاً ، كما أن ما بني على هذه الأرض
الموقوفة يظل ملكاً للوقف دون المستأجر .
3.
المرصــد :
وهو الاتفاق بين إدارة الوقف ( أو الناظر ) وبين
المستأجر أن يقوم بإصلاح الأرض وعمارتها وتكون نفقاتها ديناً مرصداً على الوقف
يأخذه المستأجر من الناتج ، ثم يعطى للوقف بعد ذلك الأجرة المتفق عليها[2].
وهذا إنما يكون عندما تكون الأرض خربة لا توجد
غلة لإصلاحها ، ولا يرغب أحد في استئجارها مدة طويلة يؤخذ منه أجرة معجلة لإصلاحها
، وحينئذٍ لا تبقى إلاّ هذه الطريقة التي تأتي في آخر المراتب من الطرق الممكنة
لإجارة الوقف ، ومما يجدر الإشارة إليه أن عقلية فقهائنا الكرام استطاعت أن تشتق
من الإجارة كل هذه الصور ، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن الفقه لا ينبغي
أن يتوقف بل لا بدّ أن يستجيب لحل كلّ المشاكل .
4.
المزارعة :
وهي أن تتفق إدارة الوقف ( أو الناظر ) مع طرف
آخر ليقوم بغرس الأرض الموقوفة ، أو زرعها على أن يكون الناتج بينهما حسب الاتفاق
إما بالنصف ، أو نحوه[3].
5.
المساقاة :
وهي خاصة بالبساتين ، والأرض التي فيها الأشجار
المثمرة حيث تـتفق إدارة الوقف ( أو الناظر) مع طرف
آخر ليقوم برعايتها وسقيها على أن يكون الثمر بينهما حسب الاتفاق[4].ولا
تختلف المزارعة أو المساقاة في باب الوقف عنهما في غيره .
6.
الاســـتصناع :
الاستصناع
من العقود التي أجازها جمهور الفقهاء وإن كانوا مختلفين في إلحاقه بالسلم وحينئذٍ
إخضاعه لشروطه الصعبة من ضرره تسليم الثمن في مجلس العقد عند الجمهور ، أو خلال
ثلاثة أيام عند مالك ،ولكن الذي يهمنا هنا هو الاستصناع الذي أجازه جماعة من
الفقهاء منهم الحنفية[5].
والذي أقره مجمع الفقه الإسلامي في دورته
السابعة حيث نص قراره ( رقم66/3/7 ) على : (أن عقد الاستصناع ـ هو عقد وارد على
العمل والعين في الذمة ـ ملزم للطرفين إذا توافرت فيه الأركان والشروط).