علاقة
الوقف بالقرض الحسن :

تكمن
علامة علاقة القرض الحسن بالوقف من حيث إن القرض الحسن الوارد في القرآن الكريم قد
فسّر عند جمهور الفقهاء والمفسرين [1]
ما يشمل جميع أبواب البر والإحسان ، بل استجاب الصحابة لهذه الآية وطبقوها من خلال
الوقف [2]
إذن فالقرض ليس محصوراً في القرض المعروف المتمثل في دفع مبلغ ليرد مثله في
المستقبل ، أو دفع شيء قيمي لترد قيمته في المستقبل .

وهذا
التفسير هو الراجح حتى قال الفقيه القاضي ابن العربي :” والصحيح عندي ما قاله
الحسن من أنه في أبواب البر كلها .. ” [3]
.

وإذا
كان هذا القول هو الراجح فإنني أوضحه من خلال ما يأتي :

1
ـ إن المراد بالقرض الحسن هنا هو في مجال الأموال فقط بدليل فهم الصحابة حينما
سمعوا هذه الآية أو غيرها في القرض الحسن بادروا إلى مزيد من الإنفاق في سبيل الله
، فهذا أبو الدحداح رضي الله عنه لما سمع قول الله تعالى : (( من ذا الذي يقرض
الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون )) [4]
قال : :” يا نبي الله ألا أرى ربنا يستقرض مما أعطانا لأنفسنا ، ولي أرضان :
أرض بالعالية ، وأرض بالسافلة ، وقد جعلت خيرهما صدقة … ” ـ كما سيأتي ـ .

ويدل
على هذا التخصيص بالمال أن هذه الآية ونحوها لما نزلت انقسم الخلق على ثلاث فرق :

أ
ـ فرقة ـ وهم من اليهود والمنافقين ـ قالوا : إن ربّ محمد فقير يحتاج إلينا ، ونحن
أغنياء ، فردّ الله عليهم بقوله : (( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير
ونحن أغنياء سنكتب ما قالـوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق )) [5]
.

ب
ـ فرقة آثرت الشح والبخل ، قال ابن العربي :” وقدمت الرغبة في المال ، فما
أنفقت في سبيل الله ، ولا فكت أسيراً ، ولا أعانت أحداً ، تكاسلاً عن الطاعة
وركوناً إلى هذه الدار ” [6]
.

ج
ـ فرقة بادرت إلى الامتثال ، وآثرت الآخرة على الدنيا [7]
.

2
ـ أن التعبير بإقراض الله تعالى يراد به كل ما هو حق عام وكل ما يحقق التكافل
للأمة ، حيث تسند حقوق الدولة والأمة والعامة والمجتمع إلى الله تعالى ، ويعبر
عنها في عصرنا الحاضر بالحق العام .

وإذا
تدبرنا الآيات التي أسند فيها إلى الله تعالى أموال الغنائم والفيء والإنفاق ، أو
الملكية ، أو الكسب ، أو نحو ذلك … فنراها في الحق العام ( الدولة والمجتمع
والأمة ) ، حيث يقول الله تعالى : (( يسألونك عن الأنفـال قل الأنفال لله وللرسول
)) [8]
ويقول : (( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى
والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم
التقى الجمعان والله على كل شيء قدير )) [9]
فذكر الله تعالى في البداية للاستشعار بنوعية الحق ، وبيان كونه حقاً عاماً وليس
خاصاً ، وهكذا الأمر في الفيء حيث يقول تعالى : (( ما أفاء الله على رسوله من أهل
القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة
بين الأغنياء منكم )) [10]
.

وبناء
على ما سبق فإن الله فرض حقوقاً مالية خاصة كالزكوات والنفقات والكفارات ، ثم فرض
حقاً عاماً في المال على سبيل فرض الكفاية ، وهو حق التكافل ، ودفع العوز ،
والقضاء على الفقر المدقع وتحقيق الكفاف ، فالكفاية للوصول إلى تمام الكفاية .

هذا
الحق العام عبر الله تعالى عنه بـ ( إقراض الله قرضاً حسناً ) حيث أمر به بعد ما
أمر بالصلاة والزكاة ووصف المجتمع المسلم بتحقيق هذه الصفة مرات أخرى ، بل إن مجيء
الأمر بإقراض الله تعالى قرضاً حسناً بعد الأمر بإيتاء الزكاة يستشعر بتقدم فريضة
الزكاة التي هي أدنى الواجبات المالية ، فإذا تحقق التكافل بها وبغيرها فبِها
ونعمت ، وإلا فيجب على الدولة وعلى المجتمع والأمة الإسراع بتحقيق التكافل ولو كان
في مستواه الأدنى .

يفهم
من هذا الأسلوب الذي كرره الله تعالى في آيات الإقراض ـ حيث أسند إقراض الأموال
إلى الله تعالى ـ أن الله تعالى جعل إقراض المحتاجين عن طريق الصدقة ، أو القرض
العرفي بمثابة إقراض الله تعالى ، كما جعل الله تعالى إعادة المريض وإطعام الجائع
وسقي العطشان بمثابة أنه فعل كل ذلك مع الله تعالى ، كما ورد في الحديث الصحيح
الذي رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
إن الله عزوجل يقول يوم القيامة :” يا ابن آدم : مرضت فلم تعدني ، قال : يا
رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده ؟
أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟ يا ابن آدم : استطعمتك فلم تطعمني ، فقال :
يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم
تطعمه ، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟ يا ابن آدم : استسقيتك فلم تسقني
، قال : يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما
إنك لو