وعلى الرغم من الثورات التي شهدتها أوروبا في القرون الأخيرة ضد الكنيسة وهيمنتها ، فإن آثار الدين المسيحي لا زالت واضحة في التشريعات الخاصة بالأسرة ، ولذلك نذكر نوعين من القوانين الغربية :
أحدهما : القوانين التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية الغراء .
وثانيهما : القوانين التي تتعارض مع الشريعة الاسلامية الغراء .
النوع الأول : القوانين الغربية التي لا تتعارض أحكامها مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء :
فالقوانين الغربية التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية الغراء هي في مجال المحرمات في النكاح ، فالقوانين الفرنسية والهولندية مثلاً تحرم التزويج مما يأتي :
أ) الأمومة ، حيث نص الفصل 161 من القانون المدني الفرنسي ، وكذلك القانون المدني الهولندي في الفصل 41 على تحريم الزواج من الأصول ( الأمهات ) مهما علا النسب ، وسواء كان النسب الحاصل نسباً شرعياً نشأ بزواج شرعي ، أو طبيعياً نشأ عن علاقة جنسية خارج إطار الزواج الشرعي .
ب) البنوة الشرعية ، حيث يعتبرها القانون الفرنسي في الفصل 161 ، والقانون الهولندي في الفصل 41 ، سبباً مانعاً من التزاوج .
ج) الاخوة الناتجة عن زواج مشروع ، حيث نص القانونان السابقان على أنها من الأسباب المانعة من الزواج بين الأخت وأخيها .
د) الحواشي ، وهي الأعمام والأخوال ، حيث ينص الفصل 163 من القانون المدني الفرنسي على منع التزاوج بين العم وبنت أخيه ، والخال وبنت أخيه ، والعمة وابن أخيها ، والخالة وابن أختها .
ه) المصاهرة ، حيث كان القانون المدني الفرنسي يسير حسب الموروث الكنسي في المصاهرة ، ويحرم الزواج بين أبي الزوج وزوجة ابنه ، وبين أم الزوج وزوج ابنتها ، ولكنه صدر تعديل في القانون المدني الصادر في 11 يوليو 1975 سمح بالتزاوج بين الأصهار إذا توفي الشخص المنشئ لرابطة المصاهرة ، حيث يمكن لأبي الزوج أن يتزوج زوجة ابنه المتوفى عنها ، كما لأم الزوجة أن تنكح زوج ابنتها المتوفاة عنه حسب ما نص عليه الفصل 164 المؤرخ بـ 22 ديسمبر 1976، أما إذا انحلت العلاقة الزوجية بالتطليق فإن ذلك لا يرفع التحريم وهذا مخالف للشريعة وقوانين الكنيسة .
وأما القانون الهولندي فلم يعر لعلاقة المصاهرة أي أثر في منع الزواج ، وبالتالي يسمح التزاوج بين زوج الأم أن يتزوج ببنتها ، وهكذا .
النوع الثاني : القوانين المتعارضة مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء :
وهي كثيرة ، نذكر منها أهمها ، وهي :
1ـ أن الأمومة والابوة والبنوة ، والاخوة والحواشي ، تثبت بالعلاقات غير الشرعية أيضاً كما في الفصل 161 من القانون الفرسني ، والفصل 41 من القانون الهولندي وفي هذا مخالفة صريحة لأحكام الشريعة الغراء ، فهي تحرم كل علاقة جنسية غير شرعية ، حيث حرم الزنا بجميع أنواعه ، برضا أو بدون رضا ، بنصوص قطعية فقال تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) وشدد في عقوبته إذا توافرت الشروط واندرأت الشبهات فقال تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) .
بل إن الإسلام ألغى الآثار الشرعية على الزنا ويرفض نتائجه إلاّ إذا توافرت شبهة نكاح ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ، والإسلام قد انطلق في ذلك من منطلق ديني واجتماعي ، ولذلك جعل الحفاظ على النسل والنسب أحد أهم مقاصد الشريعة .
والقوانين الغربية قد فتحت الأبواب للزنا على مصراعيها إلاّ ما يتم بإكراه ، حتى سمت العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج ( المعاشرة الحرة ) وسماها علماء الاجتماع ( الزواج على سبيل التجربة ) .
وقد شجعت القوانين الغربية ( المعاشرة الحرة ) بالتخفف من أعبائها التي نصت عليها بعض القوانين من واجبات التعاون والمساعدة التي ينص عليها الفصلان 213 ، 214 من القانون المدني الفرنسي ، وكذلك عدم تكليفهما بتربية الأولاد ، وتحمل تكاليف البيت ، ونحو ذلك ، إضافة إلى أن ممارسة أحدهما الجنس مع شخص آخر لا تعد خيانة ولا إهانة ، أو تفريطاً في حق الآخر ، وبالمقابل اعترفت بالأولاد الناتجين من هذه المعاشرة الحرة حالهم حال الأولاد الشرعين ، كما نص على ذلك الفصول 333 ، 334 ، 342 من القانون الفرنسي .
2ـ ان علاقة التبني علاقة بنوة في مرتبة بنوة الصلب في بعض خصائصها ، وبالتالي يحرم التزاوج بسبب التبني حسب الفصل 366 من القانون المدني الذي ينص على حرمة الزواج بين المتبنى والمتبني وفروعه ، وكذلك بين المتبنى ، وزوجة المتبني ، وبين الأطفال المتبنين من طرف نفس الشخص ، أي يحرم الزواج بين متبني شخص واحد لأنه اخوة بالتبني ، وكذلك بين المتبنى وأولاد المتبني .
فإن التبني قد حرمه الله تعالى بنص القرآن الكريم فقال تعالى : ( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) فقد كان التبني شائعاً بين العرب حتى حرمه الله تعالى ، وألغى جميع الآثار المترتبة عله ، ولذلك أمر الله تعالى أن يتزوج زينب مطلقة متبنيه زيد حتى يكون قدوة في رفع الحرج بين المؤمنين فقال تعالى : (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً) .
3ـ عدم التحريم في القوانين الغربية بسبب الرضاع في حين أن الشريعة حرمت من الرضاع ما يحرم بالنسب .
4ـ عدم التحريم بسبب المصاهرة لدى القانون الهولندي وغيره .
5ـ الزنا في نظر القوانين الغربية حق شخصي ، ولذلك لأحد الزوجين الحق أن يسمح لقرينه بممارسة الزنا ، وعدم مؤاخذته على ذلك ، وإذا لم يسمح له فله الحق في المطالبة بتعويض ما ألحقه به من ضرر بسبب زناه ، فالقانون الفرنسي الجديد الصادر في 11 يوليو 1975 ، لا يحق للمدعي العام أن يجرم الزاني بدعوى أنه أخل بنظام المجتمع ، فالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج لا تعتبر جريمة ، وبالتالي فلا يعاقب عليها جنائياً .
أما الإسلام ( وبقية الشرائع السماوية ) فتعتبر الزنا جريمة وإخلالاً بنظام المجتمع ، وتعدياً على حق الله تعالى .
6ـ عدم المنع من الزواج بسبب اختلاف الدين ، فلس هناك أية اعتبارات .
7ـ مسألة التوارث ، حيث إنها في الغرب ليست إلزامية ، أو فريضة الله ، وإنما هي تتبع إرادة المورث من حيث المبدأ ، كما أن التوارث بين الزوجين يكون في كثير من الأحيان بالتناصف ـ على تفصيل ـ وكذل ذلك مخالف لنظام التوارث في الإسلام .
وهناك مخالفات قانونية كثيرة أخرى لا يسع المجال لسردها ، والتعليق عليها ، لأن مقصدنا ليس الحصر والاستقصاء ، وإنما الاكتفاء بذكر أهم المخالفات القانونية ..