في ظل عدم القدرة على أداء العمرة في الشهر الفضيل:
أدعو كل من أراد العمرة أن ينويها ويدفع قيمتها في تفريج الكربات، وسدّ الحاجيات، ودفع الديون، وإعفاف الشباب، فيكون له ثواب أعظم بإذن الله تعالى اقتداء بالسلف الصالح.
تكلفة العمرة في العام الماضي 36.622 مليار دولار، فلنصرفها هذا العام على هؤلاء.
تعالوا: إلى عمرة كاملة وأنتم في بيوتكم بفضل الله تعالى.
فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن عبد الله بن المبارك العالم الزاهد المجاهد، حتى وصفه الذهبي بأنه إمام الأتقياء: أنه لما كان في طريق الحج (أي التطوع) مات لهم طائر، فأمر غلمانه بإلقائه في مزبلة الطريق، ثم رأى فتاة جاءت، وأخذت الطائر الميت، ثم تابعها، فأخبرته أنها واخاها ممن تحل لهم الميتة، فقال لخادمه: كم معنا من المال؟ فقال: ألف دينار (أي 4.250 جراماً من الذهب الخالص)، فقال: ابقِ منها عشرين نرجع بها إلى بيوتنا، وأعطى الباقي لهذه الفتاة، ثم قال: فهذا أفضل من حجنا في هذا العام"[1].
وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن الحسن البصري أنه قال:" يقول أحدهم أحُجّ أحجّ! قد حججت! صل رحماً، تصدق على مغموم، أحسن إلى جارٍ"، وفي رواية:" نفّس عن مغموم"[2].
وسئل الإمام مالك رحمه الله عن الحج والصدقة أبهما أحب إليك؟ فقال: الحج إلا أن تكون سنة مجاعة"[3].
وقال الإمام أحمد رحمه الله: يضعها ـــ أي كلفة الحج النافلة ــ في أكباد جائعة، أحب إليّ"[4]، وكذلك رجح ابن تيمية في الاختيارات أن وضع تكلفة الحج والعمرة في الأقارب المحاويج أفضل.
وبناء على ذلك وفي ظل الظروف الحالية التي أغلق باب العمرة بسبب الخوف الحقيقي من تفشي وباء كورونا فإننا ندعو القادرين على العمرة إلى ما يأتي:
- نية صادقة، وشوق إلى عمارة المسجد الحرام بإقامة العمرة خلال شهر رمضان الفضيل، ومن المتفق عليه بأن الله تعالى يحسب للناوي العازم نية طيبة لفعل طيب ثواباً عظيماً، بل الأساس الأول هو النية، قال r:" إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى"[5] ، وقال r فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى:" إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً"[6]، وثبت أيضاً ان الله تعالى كتب أجر الجهاد لمن بقي في المدينة بعذر، ولم يتمكنوا من صحبة الرسول r حيث قال:" إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ"[7]، قال الكرماني في شرح الحديث:" كانوا معكم أي في حكم النية والثواب، وهذا دليل على أن المعذور له ثواب الفعل إذا تركه للعذر، وقال النووي: وفي هذا الحديث فضيلة النية في الخير، وأن من نوى الغزو وغيره من الطاعات فعرض له عذر منعه حصل له ثواب نيته، وأنه كلما أكثر من التأسف على فوات ذلك، وتمنى كونه مع الغزاة ونحوهم كثر ثوابه، وقال الطيبي في شرح" إلا شركوكم في الأجر" يدل هذا على أن القاعدين من الأضراء ــ أي المعذورين ــ يشاركون المجاهدين في الأجر.
وهذا الأجر العظيم على النية الجازمة وحدها، أما إذا صحبها العمل والصدقة فإن الأجر يكون كاملاً بإذن الله تعالى.
- والتصدق بقيمة العمرة في تفريج الكربات أو سدّ حاجات المحتاجين، أو دفع ديون الغارمين، أو إعفاف الشباب من الجنسين الذين يتوقف زواجهم على المال، أو إنشاء مسكن لمحتاج أو نحو ذلك.
فمن نوى العمرة ــ كما في البند الأول ــ وصرف قيمة عمرته التي كان يصرفها في العام الماضي، أو في هذا العام كان له أجر العمرة بالكامل، وقد يكون أكثر بإذن الله تعالى.
معدل الصرف على العمرة في العام الماضي زهاء36 مليار دولار
وقد أثبتت وزارة الحج والعمرة أن الذين اعتمروا في العام 1439 هــ قد تجاوز 18 مليون و 311 ألف معتمر من الداخل والخارج، والدراسات العلمية تشير إلى أن معدل الصرف ــ مع ملاحظة ارتفاع قيمة المسكن في المواسم ـــ لا يقل عن 2000 دولار، وبالتالي فإن معدل الصرف العام يتجاوز 36 مليار دولار و 622 مليون دولار، فلو صرفت في هذا الشهر الذي حرمنا جميعاً من العمرة لغطت معظم حاجيات المسلمين في العالم، ولو ضُمَّتْ إلى ذلك قيمة صدقة الفطر لمليار وسبعمائة مليون مسلم في العالم بمعدل دولارين لكل صدقة فطر أي (3مليار و400مليون دولار) فيكون ما يمكن صرفه في هذا الشهر هو حوالي 40 مليار دولار يضاف إليها قيمة الزكوات في العالم الإسلامي ما بين 400 مليار دولار إلى 500 مليار دولار.
فبالله عليكم هل يبقى فقير في العالم إذا تم ذلك؟
لذلك فإن النصوص الشرعية تدل بوضوح على أنه إذا مات جائع بسبب فقره فإنه يسأل عنه يوم القيامة كل من لم يدفع زكاته.
فتعالوا إخوتي الأحبة إلى عمرة متكاملة وأنتم في بيوتكم، وتعالوا إلى تنمية العالم الإسلامي وتعميره، وإسعاد ساكنيه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
[1] – البداية والنهاية (10 / 607) ط. دار المعرفة.
[2] – كتب الزهد، ص 320
[3] – مواهب الجليل (2 / 1 ـ 4) ط. قطر.
[4] – كتاب الفروع (3 / 386)
[5] – متفق على صحته، رواه البخاري في صحيحه برقم (1) ومسلم في صحيحه (1907)
[6] – متفق على صحته، رواه البخاري في صحيحه برقم (6491) ومسلم في صحيحه (131)
[7] – رواه البخاري برقم (4423،2839) وأبو داود برقم (2508)