حاول كثير من الباحثين وضع معيار ومقياس للفقر ، ولكن محاولاتهم قد اكتنفها كثير من الصعوبات بسبب مفهوم الفقر ، وتنوعه ، وتغيره ، فقد اعتمد بعضهم على معيار الدخل بوصفه يعكس القدرة على شراء كمية معينة من السلع والخدمات ، غير أنه واجه مشكلات عملية ، ونظرية ، فالعملية تكمن في أن الحصول على بيانات دقيقة عن الدخل ليس ميسوراً ، ومن الجانب النظري تبرز مشكلة تحديد مستوى الدخل الذي يمثل الحد الفاصل بين الأسرة الفقيرة وغيرها[1] ، ولكن الضابط الوحيد هو الحاجة لسد كل ما هو ضروري .
وقد استخدمت المنظمة الدولية في بيان معرفة الفقر ما أسمته (دليل الفقر البشري) الذي يركز على نواحي الحرمان من ثلاثة أبعاد أساسية وهي : طول العمر ، والعلم والمعرفة ، ومستوى المعيشة اللائق ، فالحرمان من طول العمر ( موت الأطفال من دون سن الخامسة ، والكبار في سن الأربعين ) بسبب عدم وجود التكافل الصحي ، فقرٌ أيضاً ، وكذلك الحرمان من العلم والمعرفة والثقافة بسبب عدم وجود المال اللازم له فقرٌ ، إضافة إلى مستوى المعيشة اللائق من الناحية المادية الشاملة للحاجات الأساسية بما فيها المياه النظيفة المأمونة[2] .
وفي نظري أن هذا المعنى الشمولي للفقر الشامل للجوانب العلمية والثقافية ، والصحية إضافة إلى الجانب المادي قد سبق به الاسلام ، ولذلك أجاز العلماء الزكاة لطالب العلم ، وان الكتب مهما كثرت فلن تمنع الزكاة إلى صاحبها[3] .
هل الفقر لا يزال مشكلة مع هذا التقدم الهائل ، وهذه الثروة العظيمة ؟
ومع هذا التقدم الهائل في العلوم والتكنولوجيا ، والثراء الفاحش لبعض الأفراد والشركات والدول ، فإن الفقر لا يزال يضرب بأنيابه نسبة كبيرة من بني البشر ، بل لا يزال في ازدياد ، فقد كانت دراسات البنك الدولي في عام 1987م تشير إلى أن عدد الفقراء في العالم يتوقع أن يهبط من ( 950 ) مليون في الوقت الحاضر إلى ( 260 ) مليون فقط بحلول عام 1999 [4] ، ولكن مع الأسف الشديد ازداد الفقراء في العالم بشكل أكبر بل دخلت بعض الدول والشعوب في عداد الدول والشعوب الفقيرة ، فمثلاً لم يكن في حسبان أحد أن يدخل الشعب العراقي في عداد الشعوب الفقيرة بسبب الحروب التي خاضها النظام السابق ضد شعبه وضد ايران ، ثم احتلال الكويت ، واخراجه منها ، ثم الحصار المفروض على العراق ، ثم الاحتلال الأمريكي في عام 2003م ، والوضع الكارثي الحالي .
وفي مصر تشير الدكتورة كريمة كريم إلى أنه في عام 1981/1982 كان مدى انتشار الفقر يقل بدرجة قليلة في القطاع الحضري ، أما في عام 1990/1991 فقد تجاوز الفقر في القطاع الريفي نظيره في القطاع الحضري بكثير حتى وصل إلى 100% وكذلك زاد في الحضر بنسبة 20% [5].
وكذلك زاد عدد الفقراء في الأردن 1986-1992 بنسبة 11.5% وارتفعت فجوة الفقر بمقدار 3.4% كما ذكر ذلك تقرير البنك الدولي[6] .
وتشير الاحصاءات إلى أن اتجاه معدلات الفقر في تونس يسير نحو الارتفاع في الفترة 1990-1995 ، وصاحبه انخفاض في الانتاج الزراعي بمقدار كبير ، وأن 70% منهم من أهل الريف[7] .
وفي المغرب قام البنك الدولي بإبراز ثلاثة تقديرات لحالة الفقر المدقع :
الأول : بنى علي المتوسط غير المعدل لمسح استهلاك الأسرة ، ووفقاً لذلك فإن نسبته 13.1% من الفقراء بين عامي 1990-1991
الثاني : بني على تعديل متوسط مسح عام 1984-1985 حيث النسبة 21% من جملة السكان .
الثالث : بنى على متوسطي المسحين السابقين فإن الفقر يشكل 17.5% لعامي 1984/1985 ، و14.6 لعامي 1990/1991 ويعقب الدكتور الفارس على هذا التقرير بأنه لو تم رفع خط الفقر من 1500 درهم اماراتي إلى 3000 درهم لوصلت نسبتهم إلى 21% من جملة السكان[8] .
وأما الفقر في العراق فقد كان منخفضاً في الستينات ، وبداية السبعينات ثم وصلت نسبته في عام 1993 إلى 72.1% في المناطق الحضرية ، و81.8% في المناطق الريفية[9] .
وفي لبنان كان الفقر منخفضاً جداً في فترة الستينيات ، وبداية السبعينات ، ثم جاءت الحرب الأهلية ، فوصلت النسبة إلى 57% من جملة السكان في عام 1987 ، ثم وضعت الحرب أوزارها فشهد لبنان تطورات اقتصادية جيدة انخفضت فيها نسبة الفقر[10] ، ولكن الاعتداء الاسرائيلي في صيف عام 2006 ثم الاعتصامات في الوسط التجاري والسياحي في بيروت في عام 2007م قد شلت الحركة الاقتصادية ، وبخاصة السياحة .
والأمر في الدول العربية الأخرى ـ ما عدا الدول الخليجية ـ ليس أحسن مما ذكرناه[11].
الجوع ـ وليس الفقر فقط ـ المشكلة الأولى في العالم :
ومع كل هذا التقدم الصناعي والتكنولوجي ، والثراء الفاحش لدى بعض الدول والشركات والأفراد ، فقد كشفت تقارير الأمم المتحدة حديثاً [12] عن أن الجوع في ازدياد فأصبح المشكلة الأولى في عالم اليوم ، وأن عدد الجائعين في العالم يزداد حتى تجاوز 845 مليون جائع ، وانه يموت في كل يوم ستة آلاف طفل بسبب الجوع بمعدل طفل في كل 5 ثوان ، وستة ملايين طفل في كل عام قبل السن السادسة ، وأن مليار شخص تحت خط الفقر العالمي يكسبون أقل من دولار واحد يومياً ، وان الموت بسبب الغذاء يشكل حوالي ثلث حالات الموت المبكر ، أو الاعاقة ، ولذلك قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ، في معرض الاحتفال باليوم العالمي للغذاء في 16/10/2007م : من الواجب أن نُسْمِعَ العالم أصوات هؤلاء الجوعى ، وعلينا أن ندرك دور احترام حقوق الانسان في القضاء على الفقر والجوع ، وأن ندرك الروابط التي تربط بين التنمية وحقوق الانسان والأمن )[13] .
وتشير هذه التقارير إلى أن النزاعات المسلحة ، والتصحر ، وتحكم الشركات العملاقة ( متعددة الجنسيات ) في المواد الغذائية هي من أهم أسباب الجوع والفقر والبطالة ، حتى ان المسؤول الأممي عن ملف الغذاء قد اتهم الاتحاد الأوروبي بضلوعه في صناعة الجوع وسوء التغذية في الدول النامية الأشد فقراً بسبب ما وصفه بسياسة الاغراق التي يتبعها ، وحرمان مزارعي الجنوب من تسويق منتجاتهم بشكل عادل[14] ، إضافة إلى ما ترتب على ذلك وعلى غيره من بطالة وتضخم ، وهجرات كبيرة للعقول ، والطاقة البشرية ، والقوة العمالية والزراعية إما إلى داخل المدن ، وتحولها إما إلى العبء على الدولة والمجتمع بدل ان كانت قوة عاملة ، أو إلى الهجرة إلى الغرب ، وقد أكدت منظمة العمل الدولي في جنيف أن 20% من الأشخاص القادرين على العمل في العالم يعانون من البطالة الكاملة ، أو الجزئية في العالم ، وعلى ضوء هذه النسبة فإن عدد العاطلين في العالم قد بلغ مليار عاطل[15] .
ونحن في هذه الدراسة لا نريد الخوض في التحليلات ، ولكن الذي نؤكد عليه هو أن الفقر في العالم يزداد ، وبالأخص في عالمنا الاسلامي ، وأن الفقر في العالم العربي الذي حباه الله تعالى بأهم الثروات والمعادن والبترول والغازات لا زال موجوداً ، بل في حالة تصاعدية في معظم دوله ، كما أن الفجوة ، بين دخل المواطن العربي في الدول الخليجية مع دخل أخيه في الدول العربية الأخرى شاسعة جداً ، قد تصل إلى أكثر من مائة ضعف ، ناهيك عن الفقر المدقع الموجود في معظم الدول الاسلامية في أفريقيا ، وآسيا ، حيث ان متوسط دخل الفرد السنوي في بنجلاديش 160 دولاراً ، وفي بعض الدول الأفريقية أقل من ذلك بكثير كما أن مليار نسمة يعانون من الفقر المدقع ، بل إن أكثر من نصف سكان العالم الثالث في حالة شديدة من الفقر ، وتشير الاحصائيات إلى تراجع معدلات النمو في الناتج القومي في آسيا وأفريقيا ، وبالمقابل فإن معدلات النمو في الدول الغنية في ازدياد ، وأكثر من ذلك فإن 25% يملكون أكثر من 75% من ثروات العالم في حين يعيش 75% من البشر على 25% من ثروات العالم ، بل إن حوالي 370 شركة عملاقة ، وشخصاً يملكون 75% من الثروة السابقة ، وقد قال مكنمار رئيس البنك الدولي في خطاب له عام 1979 : ( إن متوسط الدخل الفردي في الدول الفقيرة كان يمثل 5% من متوسط الدخل في الدول المتقدمة عام 1960 ثم انخفض إلى 2.5% في عام 1977 ، ثم استمر في الانخفاض عام 2000 ، وربما إلى الآن ، كما أن الدول الصناعية الكبرى تسيطر على 80% من التجارة العالمية والاستثمار و93% من الصناعة و97% من البحوث والخدمات والتقنيات المتطورة ، ومع ذلك توجد نسبة لا بأس بها من الفقراء والمعدومين في هذا العالم المتطور أيضاً مثل أمريكا ، وأوربا الغربية ، حتى سلط مؤتمر دافوس الذي عقد في سويسرا عام 1999م ، الأضواء على آثار السياسات الاقتصادية المفروضة من المؤسسات المالية الدولية على البلدان النامية ، وبيّن عيوبها المتمثلة في زيادة البطالة ، وتوسيع الهوة ، وتفاوت الدخول بين البلدان المتقدمة ، والنامية ، وفي انتشار الفقر والتهميش ، والاستغلال ، والاستبعاد الاجتماعي في دول الجنوب والشمال على السواء[16] .
وإليك جدولاً تم إعداده في بنك التنمية الاسلامي ، ومبينّ فيه أن أكثر 50% من دول منظمة المؤتمر الاسلامي تصنف ضمن اقتصاديات منخفضة الدخل ، و15% منها تصنف على أساس أنها متوسطة الدخل ، و20% (13) فوق المتوسط ، و8% ذات اقتصاديات عالية الدخل في عام 1997م [17].
نسبة السكان الذين يحصلون على دخل أقل من دولارين ، أو دولار واحد في اليوم[18]
الدولة |
أقل من دولار واحد في اليوم |
أقل من دولارين في اليوم |
الجزائر |
1.5 |
15.1 |
أذربيجان |
1.5 |
9.6 |
مصر |
3.1 |
52.7 |
أندونيسيا |
7.7 |
55.3 |
الأردن |
0.2 |
7.4 |
قازاخستان |
0.2 |
15.3 |
المغرب |
0.2 |
7.5 |
تونس |
0.2 |
10 |
تركيا |
2.4 |
18 |
بنغلاديش |
29.1 |
77.8 |
بوركينافاسو |
61.2 |
58.5 |
الكاميرون |
33.4 |
64.4 |
جامبيا |
59.3 |
82.9 |
مالي |
72.8 |
90.5 |
موريتانيا |
28.6 |
68.7 |
موزمبيق |
37.9 |
78.4 |
|