إن مما لا يخفى أن هناك عدة مشروعات تتحرك وتتقوى داخل مجتمعاتنا الإسلامية، ولا أتحدث هنا عن المشروع الصهيوني القائم على تفكيك أمتنا من خلال زرع الفتنة والفساد، وإيقاد الحروب والنزاع، ولا عن المشروع الصليبي اليميني المتطرف(فيالشرقوالغرب) الذي يريد اجتثاث الأمة، ، ولا عن المشروع التمددي القائم على إثارة الطائفية البغيضة الذي يكمل المشروع الصهيوني….
وإنما أتحدث عن هذه الخصومات التي يبلغ بعضها إلى الخصومات الفاجرة بين المنتسبين إلى التيارات الإسلامية أمثال السلفية، والإخوان، والصوفية، حيث لا يمكن تفسير بعض هذه الخصوماتإلا بالجهل بمآلات الأمور، وخطط الأعداء الواضحة القائمة على مشروع “فرّق تسُد” وعلى ضرب المسلمين بعضهم ببعض، وضرب الإسلاميين بعضهم ببعض، والبدء بضرب أكبر الجماعات تأثيرا ليكون القضاء على الجماعات الأخرى ميسورا، مثل ما يقال في المثل: “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”.
وقد هالني وأغضب كل من يريد للإسلام خيرا، هذا التسابق في الهجمات، والتسارع في إثارة الخصومات والتفاني في إيقاظ الفتن،والشحناء والعداوات بين المسلمين.
فقد سمعت بعد شهر الفضيلة (شهر رمضان) الذي يريد الله سبحانه وتعالى من المسلمين أن يصلوا بالصيام والقيام إلى مرحلة التقوى { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[البقرة : 183]، فقرأت فتوى الشيخ ربيع المدخلي ( أحد الشيوخ المحسوبين على الجماعة السلفية) بدعوة أهل السلف لتوحيد صفوفهم لا للدفاع عن الأقصى والقدس الشريف، ولا عن المسلمين المظلومين المضطهدين في اليمن، وسوريا والعراق، ومينامار وبنغلادش…، وإنما ” لمحاربة الإخوان المسلمين” ثم تأتي دعوة أخرى من الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسعودية من خلال مقابلة معه في “قناة العربية” في 5/7/2016م، حيث يصب جام غضبه ولعنه على الإخوان المسلمين، ويصف الذين قاموا بالتفجير قرب المسجد النبوي بأنهم الفئة الباغية قائلا: “هؤلاء هم أفراخ الإخوان المسلمين ويؤيدهم الصفويون …إيران وراء كل المصائب، ومعهم جماعة الإخوان..هؤلاء الذين زينوا للناس الثورات والتخريب العربي وهم يغذون هذه الفتنة..ويجب أن نقف موقفا صارما من الذين وردوا لنا الكتب المشبوهة مثل” في ظلال القرآن…” ثم وجه خطابه إلى عموم المسلمين سنة وشيعةللوقوف ضد هؤلاء.
ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن الإخوان المسلمين وإنما بصدد الحديث عن عبرالتاريخ، والمشروع الجامع للمسلمين، فهل بهذه الاتهامات واللعن والتكفير والتحريض يُبنى مشروعٌ إسلامي، أو سني؟ وهل هذا يساعد على القضاء على الخطر الداهم الموجود في اليمن بجوار المملكة العربية السعودية التي تسعى مع بقية دول الخليج للقضاء عليه، ونحن جميعا مؤيدون وناصرون لها.
وهل المشروع السابق المتعاون مع الرئيس المعزول علي عبد الله صالح ضد جماعة الإخوان المسلمين ( الإصلاح) حقق أهدافه الإيجابية للمملكة العربية السعودية؟
الكل يعلم أن ذلك الرئيس الماكر استغل الدعم الدولي لتحقيق مآربه، وتعاون مع الحوثيين للوصول إلى ما نشاهده اليوم.
إن هذه الدعوة للفتنة بين المسلمين وأكبر تياراته المشهود لها بالخير من قبل علماء الأمة، ومنهم كبار دعاة السلفية أمثال الشيخ ابن باز، وابن عثيمين،دون استبعاد الأخطاء عنهم، كما أن ما كتبه المداخلة والجامية حول ” في ظلال القرآن ” من التكفير والتبديع قد رده محققو علماء السلف في عصرنا الحاضر مثل فضيلة الشيخ بكر بوزيد (رحمه الله ) وغيره…ان هذه الدعوة فتنة وفساد عريض تفرق ولا تجمع، وتزيد الضعف والهوان والفرقة، والخصومات، ولا تقوي ولا توحد، وهل تصب في المساعي الحميدة لجمع الأمة؟
ثم إن وصم جماعة كبيرة بهذه الأوصاف، والدعوة لمحاربتها بدلاً من محاربة الصهاينة وأهل الضلال أمر غريب لا يبيحه دين ولا تستسيغه الفطرة السليمة، والعقل السليم.
ومن باب الحق والواقع الذي لا يمكن إنكاره: أن الفئة الباغية التي تنتسب إلى ” داعش ” والتي تفعل كل هذه الجرائم في السعودية وفي العراق، وسورية هي انبثقت من فكر ” التكفير للمسلمين ” ولذلك هم يكفرون الإخوان المسلمين أيضا، ويقتلون قادتهم في العراق، وسوريا ، بل في معظم العالم، فهم في الحقيقة الأبناء المنتسبون إلى الفكر التكفيري وأحفاد ” الجماعة السلفية المحتسبة”التي قادها جهيمان العتيبي،الذي حاول قتل قادة المملكة الكرام داخل الحرم المكي في مطلع القرن الخامس عشر وقبل (36)) عاما من الآن، فقتلوا داخل الحرم المكي عددا من الشرطة والمسلمين، وعاثوا فيه فساداوعطلوا الطواف والعمرة حتى طهره الله تعالى عنهم، فهم بدأوا بالتكفير، ومن التكفير إلى التفجير، فهل نسي الشيخ هذه الحادثة ومجرياتها وأسبابها والجرائم الخطيرة التي ارتكبت فيها؟
يا أصحاب الفضيلة من كل التيارات!
فلنتق الله تعالى في كلامنا وتصرفاتنا وأقوالنا فالله سائلنا { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }[الإسراء:36].وقال سبحانه ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(سورة قّ:18)، وقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِمِنْسَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ )[البُخَارِيُّ عن أبي هريرة]
ندعوكم جميعا يا من يحب الإسلام والمسلمين إلى مشروع إسلامي جامع.
إذا لم نتعظ بكل هذه المصائب والفتن والحروب ولم نتعظ بالتاريخ القريب والبعيد فبأي شيء نتعظ بالله عليكم؟
إنني أدعوكم إلى تناسي الخلافات، وتبني مشروع إسلامي جامع على الثوابت المتفق عليها، والتسامح فيما هو محل الخلاف وترك التكفير لأهل القبلة، فالوحدة لمصلحة الجميع، والفرقة عذاب للجميع وقد قال تعالى: ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾(46 سورة الأنفال).
فلنلق نظرة سريعة على تاريخنا المعاصر كم استفاد الأعداء من فرقة المسلمين، فقد أسقطوا دولة الخلافة العثمانية في بداية القرن العشرين من خلال ضرب الترك بالعرب، وذلك بإحياء القوميات، ونتيجة لذلك خسرت الأمة وحدتها، وخسرت العرب فمُزقت إلى عدة كيانات ودول، واحتلت معظمها، وشكلت على ارض فلسطين والقدس الشريف دولة الصهاينة.
وفي بداية القرن العشرين جاءت فتنة ضرب الصحوة الإسلامية بعضها ببعض، وحرم الشعب من اختيار قيادتها في مصر، وسوريا، وغيرها.
في حين لدينا بعض التجارب الناجحة في الاستفادة من وحدة الأمة حتى ولو كان على نطاق ضيق لم يشمل الأمة كلها، مثل تجربة الملك الراحل فيصل (رحمه الله رحمة واسعة) فقد حارب الشيوعية والاشتراكية التي كان جمال عبد الناصر عرابها ويريد تصديرها إلى الخليج، وواجهها بالتعاون التام مع الإسلاميين، وبخاصة الإخوان المسلمون الذين قدموا إلىالمملكةوبقيةدولالخليجمن مصر وسوريا والعراق ومن غيرها، فوقفوا جميعا ضد مشروع تصدير الثورة المصرية الشيوعية الاشتراكية، فأفشلوه كما أفشلوا التدخل المصري في الشأن اليمني لزعزعة الاستقرار في المملكة والتاريخ يعيد نفسه، وكذلك استفادت السعودية وبقية الدول الخليجية من الكفاءات المتميزة للنهوض بالتعليم الأولي والجامعي ونحوه.
وعندما احتل الاتحاد السوفيتي أفغانستان التي هي البوابة للدول الخليجية تعاونت المملكة مع جميع الحركات الإسلامية وعلى رأسها الإخوان المسلمون الذين كانوا يقودون الجهاد ضد الاحتلال السوفيتي فاستطاعت – بعد فضل الله تعالى- بالوحدة والتعاون الدولي والشعبي أن يخرج الاتحاد السوفيتي مهزوما، أدت هذه الهزيمة إلى سقوطه.
واليوم التاريخ يعيد نفسه، فالمملكة والعالم العربي أمام مشاريع خطيرة وقائمة ( المشروع الصهيوني، ووراءه المشروع الأمريكي والمشروع الطائفي، والمشروع الإرهابي الذي هو صنيع المشروعات الثلاثة، فلا يمكن إلا بما يأتي :
أولا- وضع خطة إستراتيجية لتوحيد الأمة على ثوابتها الدينية، والسياسية والاجتماعية كما فعله صلاح الدين حين رفع شعار ” من التوحيد إلى التحرير” أي من توحيد الأمة أو معظمهم إلى تحرير القدس والأراضي المحتلة.
ثانياً: توحيد الحركات والجماعات الإسلامية على كلمة سواء، والتغاضي والتسامح عن الأمور المختلف فيها في غير القطعيات المعلومة عن الدين بالضرورة.
وهذا يتطلب توحيد العلماء أولاً بأن يكونوا ربانيين رائدين للخير والإصلاح والوحدة مقتدين بالرسول صلى الله عليه وسلم في التحمل والقدوة، مطبقين قول الله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (سورة فصلت الآيتان (34 – 35). فإذا لم يتفق العلماء على كلمة سواء فكيف تتفق الأمة، ففي عصر نور الدين الزنكي، وصلاح الدين الأيوبي كان العلماء هم القادة والسفراء للخير والناصحين نصحا خالصا للأمراء، والأمة.
ثالثا- إنشاء صندوق إسلامي ضخم توضع فيه مبالغ كبيرة للنهوض بأمتنا الإسلامية (اقتصاديا ، وعلميا وثقافيا وحضاريا، فمعظم مشاكلنا تأتي بسبب الفقر والتخلف والجهل والبطالة، وما نجحت الحركات الضالة إلا عن طريق التعليم ، والمدارس والجامعات.
رابعا- إنشاء مركز إستراتيجي على مستوى العالم الإسلامي لتزويد القادة السياسيين والعلماء وأصحاب القرار بالمعلومات المؤثرة، وبالخطط والإستراتيجيات العالمية والدولية وكيفية مقاومتها، مع بقاء المراكز القومية والإقليمية.
ومرحليا نحتاج ما يأتي:
1- الدعوة إلى مؤتمر عالمي لجميع الحركات والجماعات الإسلامية ( مثل الإخوان المسلمين، والجماعات الإسلامية في شبه القارة الهندية، وفي آسيا، والحركات السلفية، والصوفية المعتدلة ) بحضور العلماء واتحاداتهم وروابطهم للوصول إلى ما يمكن الإجماع عليه، والعمل لأجله، والخروج بميثاق شرف يجمع الجميع للعمل والدعوة، وبإدانة جماعية للإرهاب الفردي والدولي والعمل على علاجه فكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا.
2- دعوة الحكومات للمصالحة الجادة والحقيقية فيما بينها وبين الشعوب مع التركيز على منح الحقوق المشروعة للشعوب، ومع التأكيد على حماية السلطة واحترامها، وعدم الخروج عليها، والالتفاف حول أمن المجتمع ومقتضياته، فالنظرية الإسلامية تقوم على الحقوق المتقابلة وانه ما من حق إلا ويقابله واجب.
3- بذل كل الجهود رسميا وشعبيا ومن العلماء والمفكرين والإعلاميين لحل مشكلة سوريا، وإيقاف نزيف الدم الهادر، وإعادة الحقوق إلى الشعب السوري المظلوم لاختيار قياداته.
4- الاتفاق على نبذ الطائفية ومقاومتها، ورفضها مطلقا، والعمل الجاد لحماية أهل السنة في العراق من الحشد الطائفي، والداعش الإرهابية.
5- الوقوف مع كل من يسعى لإعادة الأمن والأمان في ليبيا، ودعم الاستقرار في تونس، وعودة الديمقراطية في مصر.
6- توحيد الجهود والقوى لتحرير الأقصى وفلسطين المحتلة من الصهاينة الغاصبين، فهم السبب لمعظم مشاكل الأمة فقال تعالى (وَيَسْعَوْنَفِيالْأَرْضِفَسَادًا) }المائدة:33{ وقال تعالى (وَإِذَاتَوَلَّىٰسَعَىٰفِيالْأَرْضِلِيُفْسِدَفِيهَاوَيُهْلِكَالْحَرْثَوَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُلَايُحِبُّالْفَسَادَ) }البقرة:205{ .
7- وبدون القضاء على المفسدين، أو قطع الطريق عنهم لت تستطيع أمتنا أت تخرج من هذه الأزمات والننكبات.
فتلك الملفات العاجلة يجب أن تحل بصورة شرعية مقبولة، وإلا فسنظل في صراع لا تستفيد منه سوى الأعداء.
هذا ما أردت بيانه (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ هود ( الآية 88).